السعودية: الأمطار المبكرة تعيد الوهج لروضتي خريم والتنهات

المخيمات الملكية فيهما شهدت منذ عقود لقاءات مع زعماء عالميين وتوقيع اتفاقيات ثنائية

الملك عبدالله والامير سلطان وعدد من الامراء في روضة خريم (الصور بعدسة الأمير فيصل بن عبد الله بن محمد)
TT

استهوت الصحراء بفضائها الواسع وبهدوئها وطيب هوائها وشجيراتها ونباتاتها الموسمية وأشجارها المعمرة السعوديين على مختلف مشاربهم واهتماماتهم، وشكلت الرياض المنتشرة في طول البلاد وعرضها مناطق جذب للسكان وخصوصاً في مواسم الأمطار والربيع. وارتبطت بعض الرياض بأسماء ملوك الدولة السعودية، كما كانت مقصداً للأمراء والموسرين ورجال الأعمال وكل فئات المواطنين لقضاء أوقات فيها يضعون على رمالها وصخورها متاعب العمل ويجددون فيها الحيوية بعد أيام من الركض.

وساهمت الأمطار المبكرة التي هطلت على معظم المناطق السعودية قبل اسابيع في ما يعرف بأيام «الوسمي» في إحياء كثير من الرياض التي تشتهر بجمال تضاريسها وتنوعها وبقدرتها على الإنبات في حال هطول الأمطار حيث تمتلىء هذه الرياض بالمتنزهين كما تشهد نصب المخيمات طوال أيام الشتاء وتجهيزها بمتطلبات التنزه.

وحل الملك عبدالله بن عبدالعزيز في بداية الأسبوع في روضة خريم حيث حرص الملك عبدالله عقب إشرافه على موسم الحج الناجح، على التوجه إلى الروضة التي اتخذها منذ سنوات مقراً لإقامته الشتوية يمارس فيها عمله المعتاد ويستقبل ضيوف البلاد ومواطنيه وقضاء عدة أيام فيها.

وتعد «روضة خريم» من أشهر الرياض في السعودية، وزادت شهرتها عندما اتخذها الملك عبدالله بن عبدالعزيز، مقراً لإقامته ايام الربيع، إذ يحرص الملك، مثل بقية مواطني بلاده، على التنزه في الرياض ذات الجذب. وتنتشر في المحمية مجموعة من الأحياء الفطرية، مثل غزال الريم والمها العربي والنعامات وبعض الطيور الحباري، ما يثري البيئة الصحراوية التي تندر مشاهدة تلك الحيوانات فيها بعد مطاردة الانسان لها حتى في المناطق النائية. وشكلت هذه المحمية مع المحميات السابقة ما مساحته 12 في المائة من مساحة السعودية. وشهدت الروضة لقاءات على مستوى عال لرؤساء وزعماء ومسؤولين عالميين، حيث استقبل الملك عبدالله في هذه الروضة الرئيس الاميركي السابق جورج بوش (الاب)، وخليفته بيل كلينتون، والامير تشارلز ولي عهد المملكة المتحدة، بالاضافة الى زعماء عرب واسلاميين. تتميز «روضة خريم» بجمالها وكبر مساحتها وتقع على الطرف الجنوبي الغربي من صحراء الدهناء ذات الطبيعة الرملية، وتصب فيها اودية كثيرة، اشهرها وادي خويش ووثيلان والثمامة، وتحتوي الروضة على اشجار السدر والطلح المعمرة، بالاضافة الى نباتات موسمية تنمو ايام الربيع مثل النفل والخزامى التي تعبق ايام الربيع المكان برائحة زكية تجذب الزوار. وقد افتتح الملك عبدالله الروضة قبل سنوات، عندما كان ولياً للعهد، كأحدث المحميات في السعودية، وكان ذلك حدثا مهما، إذ تشكل هذه المحمية الرقم 17 في عدد المحميات في البلاد، مضيفة الى منظومة المحميات المعلنة محمية جديدة بإشراف الهيئة الوطنية لحماية الحياة الفطرية وإنمائها، في توقيت يعد مناسباً وإطلاق الاحياء الفطرية فيها.

ويرتاد الروضة المواطنون والمقيمون من سكان العاصمة والمحافظات والقرى القريبة منها. ووضعت في مدخل الروضة بوابة لتنظيم الدخول إليها، وهي محمية بأعمدة من حديد لمنع دخول السيارات إليها حفاظاً على الغطاء النباتي الذي يهددها بالزوال. وينطلق الزوار الى الروضة من الطريق الدائري الشمالي من جهة الشرق والمعروف باسم طريق الدمام السريع، ليأخذوا الطريق المتجهة الى رماح، وهي محافظة ذكرها الشعراء، ولعل ابرزهم جرير بن عطية الخطفي، في قصيدته التي يمدح فيها عبدالملك بن مروان عندما ألحت عليه زوجته، أم حزرة، بضرورة زيارة الخليفة ومدحه واخذ عطاياه، حيث اشار الشاعر الى رماح عندما قال:

* يكلفني فؤادي من هواه ـ ظعائن يجتزعن على رماحٍ

* ظعائن لم يدن مع النصارى ـ ولم يأكلن من سمك القراح.

إلى أن قال البيت الشهير الذي اعتبر اجمل بيت في المدح:

* ألستم خير من ركب المطايا ـ وأندى العالمين بطون راح.

وتنتشر عند مدخل الروضة مجموعة من الباعة يعرضون ادوات الرحلات والخيام ومواقد وادوات الشواء والاواني التي تعد بها القهوة العربية والاكلات الشعبية، كما أن المتنزهين يحرصون على زيارة الروضة ونصب الخيام فيها، عند هطول الأمطار، حيث تأخذ أعداد زوارها بالازدياد، لقربها من العاصمة وتنوع غطائها النباتي وارضيتها الرملية، حيث تعد الروضة الأكثر شهرة في المنطقة.

كما تعد روضة التنهات (185 كيلومتراً شمال شرقي الرياض) من أشهر الرياض في السعودية حيث كانت مقراً موسمياً للملك المؤسس واستقبل فيها ملوك ورؤساء عدد من الدول، كما سجل التاريخ أن المخيم الملكي في روضة التنهات قد شهد في إبريل من عام 1940 زيارة وفد عراقي برئاسة نوري السعيد وزير الخارجية، وحل الوفد في ضيافة الملك عبدالعزيز الذي قابل الوفد بحضور ولي العهد الأمير سعود ووزير الخارجية الأمير فيصل وأسفرت الزيارة عن توقيع اتفاقية بين البلدين لحل قضايا عشائر الحدود المعلقة بينهما.

واستهوت الروضة الملوك سعود وفيصل وخالد وفهد حيث حرصوا على الإقامة فيها عدة أيام ونهجوا نفس النهج الذي قام به الملك المؤسس تجاه استقبال ضيوف بلاده ومواطنيه في الروضة.