«الحرب مجازا» في معرض للفنان اللبناني الياس سعيفان

علق لوحاته من دون ديكور

TT

اختار الفنان التشكيلي الياس سعيفان منزلا خاليا من الأثاث في احد المباني التراثية التي تميز شارع مونو في بيروت. هناك علق لوحاته وكأنه يعلق عمارات تتماسك او تتهاوى في الفضاء وتركها من دون ديكور يؤطرها. على جدران هذا المنزل العاري قدم سيرته الفنية كرسام لبناني أمضى حياته في بلاد الغربة وتجول بين الولايات المتحدة الأميركية وعدة بلدان في أوروبا، ليترك في إسبانيا بصمته من خلال معرضين من أصل 18 معرضا تؤرخ لسجله «الملوث» بـ«الأكليريك والزيت والغواش».

اللوحات الأربع عشرة المعروضة، كانت بأغلبيتها تتحدث عن «البعد الرابع»، كما قال سعيفان لـ«الشرق الاوسط»، ليضيف: «هذه اللوحات هي عبارة عن مبان او تشكيل لأحجام. الا اني لعبت في تشكيلها على نظرة الأنسان اليها. لذا يمكن أن ينظر اليها في اتجاهين مختلفين، الأول كما لو أنه ينظر الى الأسفل والأخرى كأنه ينظر نحو السماء. والهدف منها رغبتي في إظهار مدى التطور المستمر للعقل الإنساني، ومدى جموح النظر الى المادة المعروضة أمامه، بحيث يفهم اللوحة كما يريد. هذا هو البعد الرابع الذي أتكلم عنه. ذلك ان هذا النوع من اللوحات يحفز من يحاول قراءة أبعادها على أشياء لم تخطر في باله من قبل وقريبا سنبدأ نرى أشياء لم نرها قبلا أو نفكر فيها». لوحات سعيفان غلبت عليها كثافة الألوان بحيث يشعر بها من يتأملها وكأنها جدران تسور الداخل الانساني قبل ان تؤدي وظيفتها في المكان. الملاحظة الاولى هي احترامه للحدود في الاشكال مع تناقض يزج بهذه الاشكال في اللامكان. الملاحظة الثانية تظهر في التشابه السطحي بين اللوحات، إلا ان الدخول في عمق اللوحة يكشف الخدعة التي تعمدها الفنان.

أما الأسلوب الذي اعتمده سعيفان فهو الاستعمال الكثيف للألوان لتبدو وكأنها تغرق مدناً رسمت بطريقة ذكية ما أعطى لوحة فنية رائعة فسرها صاحبها بـ«رقصة ما قبل الموت». فإذا نظرت إلى اللوحة تجد هذه المدينة تحت وطأة الألوان القوية كالأحمر، وتشعر وكأن الامطار الغزيرة تزلزل أسس الابنية فتتمايل في حركة مستترة، لتبدو المدينة وكأنها تؤدي رقصتها الأخيرة قبل أن تموت. يقول الفنان: «من خلال الألوان التي استعملتها عندما رسمت المدينة، حتى عندما استعملت الوان الحياة في احدى لوحاتي كالأصفر الذي ينبض بالحياة، بدا كأنها تعيش متعتها غير عابئة بالموت الذي يتسلل اليها. أما اللوحات التي استعملت لرسمها الوان الموت كالأسود والألوان الداكنة، وتلك التي أسكنت فيها انسانا يمسك سلاحا رشاشا، فهي تعيد إلى ذهن من ينظر إليها الأحداث التي شهدتها بيروت قبل أشهر». ليستدرك: «لكن لا علاقة للأعمال بأحداث لبنان، فقد انجزتها في العام 2001. كنت آنذاك في اسبانيا. وعنيت بها الحرب الداخلية التي يعيشها الإنسان مع نفسه قبل غيره». سعيفان اعطى هذه اللوحة اسم «محاربون بدون حرب». يقول: «هذه اللوحات تعكس الحرب مجازا. أكثر من ذلك. هي تعكس حقيقة التفكير الذي يعيشه الإنسان ومدى حبه للعنف».

لوحة مختلفة عن كل اللوحات وهي الأحب الى قلب الياس. والمضحك انه عند رسمه لها لم يفهم ماذا تعني ولكن عندما انتهى منها فسرها أنها حجارة شطرنج تمثل الملك والملكة. والأخيرة وان بدت مليئة بالحركة والنشاط، الا انها مليئة بالكره والعطش الى الدماء. ويوضح سعيفان «ان الملكة في لعبة الشطرنج تتحرك كثيرا وهي الأقوى في اللعبة. اما الملك فهو كسول». وهذه اللوحة شكلت فكرة معرض للفنان في استراليا عنوانه «لعبة الشطرنج».