شارع جامعة الدول العربية .. «شانزليزيه» القاهرة

مائدة خضراء بطول 3 كلم كانت مجموعة مزارع

تمثال الأديب العالمي نجيب محفوظ يستقبل رواد شارع جامعة الدول العربية («الشرق الاوسط»)
TT

شارع جامعة الدول العربية، مائدة خضراء طولها 3 كيلومترات وعرضها 60 مترا يتوسط ضاحية المهندسين الراقية (غرب العاصمة المصرية). إنه المقر الشعبي للعرب في القاهرة. فيه يتمشون، ويتسامرون، ويلعبون، ويتسابقون بسياراتهم، ويطاردون الحسناوات. الكل هنا على قدم المساواة، لا فرق بين ضيف ومستضيف، بين عربي من هذه الدولة أو تلك، الكل أشقاء.. والشرطة تراقب الجميع، محاولة وقف «المعاكسات» والحد من الاصطدامات الطارئة بين السيارات، وتحاول دائماً فض الاشتباكات، والمحافظة على انتظام الحركة في الشارع الذي لا يهدأ ليل نهار. وإذا عجزت عن حل مشكلة ما في الشارع تصطحب الجميع إلى مقرها، الذي يختلف طبعا عن مقر جامعة الدول العربية، المقر «الرسمي» للعرب على كورنيش النيل. فالناس هناك مكلفون من قبل حكوماتهم بأداء مهام رسمية. وربما لذلك تراهم متجهمي الوجوه.. يسيرون بخطى وئيدة، في اتجاهات محددة سلفاً تحت الحراسات الخاصة، حتى كلامهم محدد سلفاً.

«الشرق الأوسط» تجوّلت في شارع جامعة الدول العربية الذي شُقّ فوق بقايا مجموعة من المزارع، وتحوّل إلى واحد من أهم الشوارع التجارية في العاصمة المصرية، مستحقاً عن جدارة لقب «شانزيليزيه مصر». الشارع ـ أو بالأصح الجادة ـ الممتد من شارع السودان شرقاً حتى ميدان سفنكس غرباً والذي يتبع إدارياً محافظة الجيزة، يُمكن أن يلقب بـ«شارع المتناقضات». فمع أن اسمه «جامعة الدول العربية» تراه لا يستضيف أي سفارة عربية أو أي مقر تابع للجامعة. وبجوار مقرات أكبر البنوك المصرية والأجنبية المنتشرة في الشارع تجد المتسولين من مختلف الأعمار يستدرّون عطف المارة بشتى الطرق. بل حتى المحلات التجارية المطلة على الشارع، وأغلبها مطاعم فاخرة ذات أسماء عالمية، قد تجد أمام هذا المطعم أو ذاك، بائعا قرويا يقف وأمامه دراجة وضع عليها قفصاً خشبياً يبيع منه أنواعاً مختلفة من سندويتشات الجبن والبيض تبدأ أسعارها من 50 قرشاً! لقد أصبح هذا الشارع البالغ اتساعه نحو 60 متراً وطوله نحو 3 كيلومترات مقصدا للعديد من السائحين الذين يزورون القاهرة، وخاصة العرب، نظراً لوجود خمسة فنادق متنوعة المستوى فيه هي فنادق: النبيلة وأطلس وأمون وفيروجيت وهوليدايز إكسبريس.

ولعل كثرة السائحين العرب المترددين على الشارع هو الذي دفع البعض لفتح مطاعم تقدم أطعمة خليجية وشامية ومغربية لإرضاء مختلف الأذواق، بل أن احد المراكز التجارية («المولات») أعلن خلال فترة الصيف عن تخفيضات خاصة للعرب عند الشراء.

من ناحية ثانية، تعد محاولة الخروج في شارع جامعة الدول العربية إبان الأعياد «مغامرة» لا بد من حسابها بدقة، بدءاً من انتقاء مكان الجلوس إلى وسيلة الانتقال. فخلال هذه الفترات يمتلئ عن آخره بالبشر الذين يغص بهم الرصيف فينطلقون إلى عرض الشارع مقلصين مجالا للسيارات إلى حارة واحدة ليحتل المشاة الحارات الثلاث المتبقية.

وفي وسط الشارع وعلى امتداده تقوم حديقة عرضها عشرة أمتار يستغلها البعض للراحة والنوم. وقد تجد بين المقاعد المنتشرة بالحديقة سيدة أو رجلا عجوزا قد أحضر موقداً يعمل بالكيروسين يعد عليه الشاي لروّاد الحديقة مقابل قروش قليلة تعينه على الحياة، وفي الساعات المتأخرة من الليل تتحوّل هذه الحديقة إلى ملاذ للأطفال المتسولين.

في بداية الشارع من جهة ميدان سفنكس، يقع مقر نادي الزمالك، الذي يعتبر أحد ناديي القمة بلعبة كرة القدم في مصر، لكن ظاهرة أخرى بارزة تربط بالشارع اليوم هي التنزه في «المولات» المنتشرة على امتداده، خاصة أنها تضم في جنباتها المطاعم والمقاهي ومحلات الملابس والأدوات المنزلية والأدوات الرياضية وأجهزة الحاسب الآلي والماكياج ولعب الأطفال. وعلى ناصية مميزة مطلة على الشارع تجد محل فرغلي، أشهر محلات العصائر في القاهرة حيث يصعب العثور على موطئ قدم وبالأخص ليلاً.

«لو عايز تشتري شقة أو محل في جامعة الدول العربية تبقى ها تحتاج شوال فلوس، لو لقيت مكان فاضي أساساً». هكذا يصف إبراهيم علي، سمسار العقارات بشارع جامعة الدول العربية حال الشارع، الذي أصبح من أغلى مناطق العاصمة المصرية. ويضيف «أغلب الوحدات السكنية في هذا الشارع تؤجر لسياح عرب خلال فترة الصيف أو لشركات ذات نشاطات تجارية لما يدره هذا الأمر من ربح على صاحب الشقة وعلى السمسار أيضاً».

أما هشام حسين (27 سنة)، المحاسب بفرع أحد البنوك الاستثمارية في الشارع الشهير فيقول «الشارع بالنسبة لي فيه ميزة جميلة هو أن مواصلاته سهلة للغاية، فيمكن أن تجد مواصلات ذاهبة إلى كل أحياء القاهرة، وبالتالي لا أعاني من أي مشكلة في الانتقال إلا أن الشارع يكون مزدحماً جدا في وقت خروج الموظفين من أعمالهم، ومساء يوم الخميس نظرا لأنه بداية العطلة الأسبوعية».

ايضاً ثمة ظاهرة الوجود الأمني الملحوظ، فمرور دوريات الشرطة فيه شبه دائم. وأحد رجال الأمن المنتشرين في الشارع، قال لـ«الشرق الأوسط»، بعدما طلب عدم تعريفه، «الوجود الأمني مكثف في الشارع نظراً لارتفاع الكثافة البشرية، بجانب مئات المطاعم والمحلات و«المولات» التي يرتادها عشرات الألوف، وبالتالي فضمان الأمن ضروري».

وأوضح أن أكثر رجال الأمن انتشاراً هم رجال المرور لمنع وقوف السيارات في غير الأماكن المخصصة لها تفاديا لأي أزمات مرورية في ذلك الشارع الحيوي والرئيسي، وأردف «هناك نقطة أمن مرورية عند تقاطع شارع جامعة الدول العربية مع شارع البطل أحمد عبد العزيز، يوجد بها عادة ضابط كبير برتبة لواء». وأشار إلى وجود سيارة أمن مركزي بها جنود مكافحة الشغب بجوار ميدان مصطفى محمود حيث يقع مقر مفوضية الأمم المتحدة للاجئين لمنع أي اعتصامات أو تظاهرات أمامها، منعا لتكرار اعتصام نفذه سودانيون في نفس المكان قبل سنتين واستمر لعدة أشهر.

أما سلمان راشد الدوسري (21 سنة)، وهو مواطن سعودي يقطن في الشارع، فيقول «اخترت السكن في هذا الشارع لتوافر كل الخدمات به، إضافة إلى قربه من طريق «محور 26 يوليو» الذي أسلكه كل يوم ذهاباً إلى جامعتي». ويضيف «لا أشعر بالملل إطلاقاً، ففي أي وقت على مدار الأربع وعشرين ساعة، أستطيع الخروج من منزلي لأجد المطاعم والمقاهي وكل أماكن الخدمات مفتوحة لاستقبال الزبائن»، أما العنصر السلبي الوحيد الذي يزعجه فصعوبة إيجاد مكان لركن سيارته التي عادة ما يضطر لركنها على بعد 200 متر من منزله.