أعمال تجديد كاملة لطرق العرض والإضاءة في متحف مدينة حلب الوطني

أسس عام 1929 ويعتبر من أجمل متاحف الشرق وأغناها

من معروضات المتحف
TT

يعد متحف مدينة حلب السورية (شمال دمشق بـ350 كلم) ثاني أكبر المتاحف السورية بعد متحف دمشق، غير أن العديد من الاثاريين والمؤرخين يعتبرونه أغنى متاحف الشرق، لما يحويه من مقتنيات أثرية نادرة تعود لمكتشفات مهمة في منطقة الجزيرة والفرات والشمال والوسط السوري، وكذلك لتنظيم معروضاته بشكل ناجح وعلمي ودقيق. إدارة المتاحف السورية كانت قد أجرت أعمال تجديد كاملة للمتحف، وشملت هذه الأعمال تجديد «القاعة الحلبية» وتحديث نظم الإضاءة والتكييف، وتنظيم العرض داخل المتحف، وفق أحدث الطرق السمعية والبصرية. وكان هذا المتحف، الذي يقع وسط المدينة، بالقرب من قلعتها الفريدة وأسواقها وخاناتها الأثرية، قد أسس عام 1929، بينما شيد البناء الجديد الحالي عام 1966. وراهناً تتوزع المعروضات على عدد من الأجنحة والقاعات، منها فرع الآثار السورية القديمة، الذي يضم قاعات لمكتشفات مختلفة في منطقة الجزيرة تعود للألف الرابع قبل الميلاد، وقاعة آثار مملكة ماري، التي تعود للألف الثالثة قبل الميلاد، وقاعة آثار أوغاريت وتل حلف، بجانب فرع الآثار الكلاسيكية وفرع الآثار الإسلامية وفرع الفن الحديث.

قبل التجول في قاعات متحف حلب وأقسامه يثير الدهشة والإعجاب ما يشاهده الزائر عند مدخل المتحف، حيث ان هناك ثلاثة تماثيل بشرية نادرة وضخمة، اكتشف الأصل منها في القصر الملكي لتل حلف، الذي يقع في شمال شرق سورية بأعالي منطقة الجزيرة في محافظة الحسكة. ويؤكد القائمون على المتحف أن التماثيل الأصلية، وحسب المصادر التاريخية وجدت عليها كتابة لم تحدد، إن كانت الشخصيات الثلاثة لأناس أم لآلهة، في حين رجحت بعض المصادر أن تكون الشخصيات العملاقة لأعضاء من الأسرة الحاكمة، إذ كان قصر تل حلف المقر الملكي لأشهر ملوك المملكة الآرامية ويدعى كابارا في الألف الأول قبل الميلاد. ولكن مديرية الآثار السورية أعادت نسخ تماثيل تل حلف قبل عشرات السنوات باستخدام قوالب ضخمة لهذا الغرض، ووضعت النماذج من الاسمنت الممزوج بالرمل الأسود كي يشابه الأصل البازلتي بواسطة الصور والوصف والدراسات التي تركها الباحثون. وقد نحتت التماثيل الأصلية لقصر تل حلف من حجر البازلت بشكل رائع ومهيب، وهذا الابتكار ـ حسب المختصين ـ لا مثيل له في ممالك معاصرة أو سابقة للألف الأول قبل الميلاد.

كذلك تُشاهَد في قاعات المتحف آلاف القطع الأثرية المكتشفة والنادرة في مواقع عديدة، ففي قاعة الجزيرة السورية معبد يعود إلى الألف الرابع قبل الميلاد ومذبح بارتفاع متر مزيّن بأحجار كلسية ملونة، كما تحتوي القاعة على آلاف القطع الصغيرة ومئات الآلاف من الخرز المصنوع من الحجر وتمائم من العظام، ومجموعة من الدمى الحيوانية والتمائم وأشكال من المرمر والفخار والحجرية وكأس على شكل وجه إنسان ومجموعة من الأسلحة البرونزية والحجرية، ومجموعة جيدة من الأختام الأسطوانية والمسطحة من عصور مختلفة ومجموعة من العقود والحلي ونماذج من الرقم الطينية بالخط المسماري المتطورة من بداية الألف الثاني قبل الميلاد. وفي قاعة مملكة ماري تعرض نماذج بديعة تمثل حضارة الألف الثالث قبل الميلاد، منها آنية حجرية ومزهرية مزخرفة بنقوش نافرة ومزهرية ثانية عليها مشهد صراع بين أسد وثعبان، ونماذج من بقايا تماثيل مختلفة من رؤوس وأقدام وعيون وشعر، وتمثال لامرأة مزدانة بالحلي وتمثال لرجل يحمل بين يده كبشاً للتضحية وهو من المرمر، ومجموعة من التماثيل لرجال ملتحين أو عاري الرؤوس، ومجموعة أخرى للنساء، وتمثال لأمير ماري، ومجموعة أختام أسطوانية وحلي ذهبية وعقود، وأنواع من الأسلحة البرونزية والحجرية، ونماذج فخارية متعددة ومجموعة من الألواح المطعمة بالصدف والحجر تحمل رسوماً وأشكالاً متعددة، وتمثال شاماس، وتمثال لأسد ماري البرونزي، وتمثال الأمير أشتوب، وتمثال ربة الينبوع وهو من أجمل التماثيل المكتشفة في موقع ماري بمحافظة دير الزور السورية. أما في قاعة أوغاريت فهناك صحنان ذهبيان يحملان مشاهد رائعة وتمثال فضي لرجل مؤتزر تنورة ذهبية في يده اليمنى دبوس ذهبي للقتال ومجموعة من النصوص الكتابية باللغتين الأكادية والأوغاريتية. كذلك توجد مجموعات مختلفة من القناديل الزيتية والأواني الحجرية والأختام الأسطوانية وبعض التماثيل والمسلات المصرية المكتشفة في أوغاريت ونماذج من الأسلحة البرونزية والأدوات الحجرية المتعددة الأشكال وقطعاً جميلة من العاج. أما في قاعة تل حلف فنشاهد تمثالين ضخمين من حجر البازلت يمثلان امرأتين جالستين تحملان في يمناهما كأسين وبين التمثالين نشاهد مهداً أسطورياً، وهناك تماثيل أخرى اكتشفت في قصر ومعبد تل حلف ومجموعة من الألواح واللقى. وفي قاعة حماة توجد مقتنيات عديدة لافتة، منها أول نص تاريخي يذكر فيه اسم حماة يعود إلى النصف الأول من الألف قبل الميلاد، وتضم القاعة تمثالاً لرجل ملتح من البرونز المذهب يجلس على عرشه ومجموعة من الحلي الذهبية والفضية وأختام مسطحة وقطع عاجية دقيقة الصنع ونماذج وقطع فخارية ومحاريث بازلتية. أما قاعة أرسلان طاش وتل حاجب فتضم بعض الألواح التي تمثل مشاهد لحياة أهل هذين التلين بالإضافة إلى مجموعة جيدة من القطع العاجية المحفورة التي كانت تزين بها أثاث البيوت، وفي نهاية القاعة تمثالان لأسدين من البازلت كانا يحرسان أحد أبواب المدينة. أما عن فرع الآثار الإسلامية من المتحف، فإنه حقاً يتميز بغنى وثراء يستحقان الإعجاب. ففيه أوان فخارية جميلة ورائعة لأشكال نباتية وحيوانية وهندسية ومزخرفة بشكل مميز، ومن الأواني المعروضة الجرار والطست والأكواب والقلل والأباريق والمطرات. كذلك ثمة معروضات زجاجية تعود للقرن السادس الهجري، منها مجموعات من الأواني المصنوعة بطريقة النفخ والمزينة بخيوط وحبال زجاجية مجعدة، ومجموعات من الزجاج المموه بالمينا والذهب، وعدد من الأكواب والمكاحل والقوارير وبعض المصابيح والوزنات وغيرها. وفي جناح المنوعات مجموعات مختلفة من اللقى الأثرية والقطع النحتية الكبيرة ومجموعة من الأوزان الحجرية وشواهد القبور الآرامية والأدوات والأسلحة البرونزية والأواني الحجرية والفخارية والألواح والأختام الأسطوانية وبعض المسلات والألواح المزينة بالمشاهد الأسطورية ونسخة جصية عن رأس متوج بعدة قرون (حيث النسخة الأصلية منه موجودة في متحف اللوفر)، بجانب مجموعات من الأواني المختلفة العصور والمصادر.