سوق الثلاثاء في عسير.. منتجات وأخبار وحل للخلافات

معلم اقتصادي واجتماعي وسياحي عمره 200 عام

شيخ العسل في سوق الثلاثاء في ابها الشيخ محمد ابوحية
TT

يحمل سوق الثلاثاء الأسبوعي الذي يقع وسط مدينة أبها (جنوبي السعودية) تاريخا خاصا فهو سوق شهير يعود تاريخه لأكثر من مائتي سنة وعرف بين الناس بعدد من الأسماء لأنه أقدم أسواق منطقة عسير وتنقل في عدة أماكن وسط المدينة.

وتأثر هذا السوق التاريخي بالزحف العمراني رغم انه ما زال يحتفظ بأهم مقوماته التاريخية من حيث صغر الدكاكين وتشكيلها وتنظيمها وكذلك نوعية المعروضات التي يقدمها باعة هذا السوق وانتشار بسطات متعددة لبيع بعض المنتجات المحلية التي تزخر بها منطقة عسير.

وفي الماضي كان السوق يقام مرة في الأسبوع ولكنه تحول لسوق دائم طوال الأسبوع.

ولسوق الثلاثاء دور اجتماعي مهم بالإضافة إلى دوره الرئيسي الاقتصادي، فقد كان يتقاضى فيه الناس ويحلون الكثير من اختلافاتهم وكذلك يتبادلون الأخبار التي تحيط بهم، فكان من يشهد قيام السوق يعود لقريته محملا بالكثير من الأغراض التي جلبها من سوق الثلاثاء له ولمعارفه وجيرانه في إطار التعاون الذي كان يسود بين مجتمعاتهم لقضاء حاجاتهم، ثم يجتمع مع جيرانه وأقاربه على وجبة العشاء التي أحضر مكوناتها من السوق ليخبرهم بالجديد في الأسعار وكذلك ينقل الكثير من الأخبار التي تجري هنا وهناك.

واعتاد مرتادو السوق على تبادل البضائع بعدة طرق إما بالنقد أو المقايضة حيث يحضر سكان البادية والقرى الكثير من منتجاتهم الطبيعية ويستبدلونها بما يحتاجونه مما يعرض في السوق، ويقوم باعة السوق بتجميع تلك المنتجات وتوريدها لبعض التجار الذين يشترونها نقدا ويصدرونها لأسواق أخرى وهكذا كانت تدور عمليات البيع والشراء بسهولة في سوق الثلاثاء.

«الشرق الاوسط» تجولت في زوايا وأركان هذا السوق الجميل والتي غلب عليها التخصص، فكل قسم له خصائص مهمة فهناك باعة العسل والسمن البلدي والحبوب والتمور وهناك مبيعات خاصة بالنساء حيث يتوافد عدد منهن لبيع بعض الملابس والمشغولات والتراثيات الخفيفة وكذلك النباتات العطرية التي يقمن بإعدادها. تقول أم جابر إنها تعمل لأكثر من 15 عاما في السوق وتحقق مبيعات شهرية تكفي حاجتها وحاجة أسرتها. أما علي مبارك أحد الباعة في السوق فيبدي استياءه من البسطات العشوائية على مداخل السوق وخارجه والتي تؤثر على الدكاكين والمحلات المستأجرة في السوق التي تدفع إيجارات وفواتير كهرباء.

في حين يقول سعد المهدي إن لديه أكثر من محل في السوق تعمل على مدار الأسبوع ولكن يوم الثلاثاء تجد إقبالا أكثر. فيما تقول أم أحمد إنها تحرص على القدوم للسوق يوم الثلاثاء لتعرض ما لديها من منتجات مثل خبز التنور البلدي بكافة أنواعه.

بينما تكتفي السيدة أم سعيد والتي تجلس في مكان اخر من السوق بعرض كميات من الزيوت البلدية والقطران والبخور البلدي وتقول إن ذلك يحقق لها دخلا شهريا جيدا. سوق الثلاثاء من أهم الأسواق التاريخية في الجنوب حيث يعد بوابة تجارية مهمة لانتقال بعض المبيعات شمالا وجنوبا فكانت تعرض فيه منتجات المنطقة وكذلك بعض المنتجات التي ترد من اليمن مثل الزبيب والهيل والعطارة والقهوة، وكذلك ما يرد له من المناطق الشمالية والغربية مثل الأقمشة والسكر والشاي، بينما كان يتم فيه عرض العسل والسمن والحبوب والخضار والفاكهة المحلية الموسمية التي تزخر بها المنطقة وكذلك المواشي ومنتجاتها الأخرى.

ويحمل كبار السن ممن عاصر السوق قبل أكثر من خمسين عاما الكثير من الذكريات حيث يؤكدون أن هناك بعض السيارات التي ترد للسوق ولكنها قليلة جدا ونادرة، كما أن من يصل للسوق من أماكن بعيدة كان يحتاج للأكل لدى بعض النساء اللواتي كن يقدمن الوجبات الشعبية أمام بعض الدكاكين الخاصة بهن تعويضا عن المطاعم اليوم. وواصل سوق الثلاثاء الشهير حضوره في العصر الحديث حيث يعد من معالم منطقة عسير السياحية المهمة ويحرص زوار عسير وقاصدوها على زيارة هذا السوق الذي يقع حاليا في وسط مدينة أبها فكان قديما بجوار قصر شدا الأثري ثم تم نقله بجوار موقع حيوي ومهم وهي قرية المفتاحة ومركز الملك فهد الثقافي من قبل حوالي 14 عاما ويظهر بشكل بيضاوي ويضم الآن حوالي مائتي دكان وبسطة.

ولم يسلم سوق الثلاثاء من وجود المبيعات الحديثة كالأدوات والعطور والأقمشة ولكنها في أماكن محدودة منه ويطالب أهالي الدكاكين وكذلك المتسوقين بتنظيم أكثر لهذا السوق الذي حافظ على أصالته وهويته عصورا طويلة وذلك بتجهيز مداخل جيدة للسوق وكذلك توفير دورات مياه مناسبة.