المصور فيليب صالح يعكس طبيعة لبنان.. فنيا

بين العفوية والتلقائية التقط كل ما هو مميز وجميل

أشجار الزيتون تجاور بيت الجميزة العتيق وكورنيش المنارة في يوم عاصف
TT

لم يجد المصور اللبناني فيليب صالح أجمل من الطبيعة اللبنانية وجبالها، لتكون محور معرضه الثالث الذي نظمه في قاعة «ويست هول» في الجامعة الأميركية ببيروت، حيث تحولت إلى تحف طبيعية ملونة تزين الجدران. من مقاعد هذه الجامعة تخرج صالح مهندس ديكور، وعاد إليها من بابها العريض، فنانا بشهادة أساتذته الذين تابعوا تطوّر هواية طالبهم وشغفه. بين التلقائية والعفوية في اصطياد كل ما هو مميّز وجميل. ونجح المصور صالح في جمع جبال لبنان بما تحويه من مناظر خلابة واشجار فريدة وأزهار ملونة، من دون أن ينسى المواقع الاثرية التي لها بصمة خاصة في تكوين هذه الصورة الجامعة لهذا البلد.

بين الخريف والصيف وما بينهما من جمالية فصلي الشتاء والربيع، التقط خصوصية المناطق في الشمال والجبل والبقاع في مجموعة صور تروي حكاية تاريخ لبنان الطبيعي. فالبيت العتيق في منطقة عين الدلب في كسروان وما يحيطه من أشجار تعود الى القرن الماضي، مع كل ما يطرأ عليه من متغيرات طبيعية جعلته يرتدي حلّة مختلفة تتبدّل ألوانه بتغيّر ألوان الفصول. وفي لقطة واحدة وعن مسافة مئات الأمتار، استطاع صالح أن يجمع منظرا رائعا لجبل حرمون في طبقات ملونة بين الرملي والأخضر والثلج الأبيض الذي يغطي القمة. ولمدينة بيروت حصتها ايضا في معرض صالح، اذ تجلى حضورها من خلال أحد بيوت الجميزة العتيقة في وسط بيروت وكورنيش المنارة في يوم عاصف.المحطة الأهم كانت في شمال لبنان، وخصوصا في منطقة عكار حيث جمع المعالم الطبيعية من كل جوانبها. للبيوت القديمة حصتها كمشهد المُزارع الذي يجول بماشيته بين غابات الشجر، التي لها وقعها الرائع في الصورة والتي تحوّلت إلى لوحة طبيعية حية كأشجار الزيتون والخرمي التي تتناغم ألوان ثمرتها المعلقة على الجذوع العارية، أو زهرات دوار الشمس اليابسة التي تتمايل على سجادة من الثلج الأبيض، فتبدو وكأنها رسمت بريشة رسام. يشعر المتجوّل في المعرض بأن صالح كان مغاليا في ترقبه للشمس من شروقها حتى مغيبها، ولا سيما في فترة الغروب خلال الفصول الأربعة، فلم يحترف حصرا في التقاط تنقّلها بل في توقّع درجة الحمرة التي ستلوّن بها السماء في لحظات الشروق والمغيب. وكان له ما كان في صور عدة زيّنت جدران المعرض وعكست موهبة هو في صدد صقلها يوما بعد يوم بتجارب شخصية بدأت من اصدار روزنامة تضم بين صفحاتها طبيعة لبنان بهدف توثيقها ونشرها والتعريف بها ووصلت الى تنظيم معرض خاص، وحتى في أحلك الظروف الطبيعية، لم يستسلم وأصرّ على سرقة منظر خطوط الرعد والبرق يلمع في ظلمة السماء بعد عناء ساعات طوال بقي متسمرا خلالها على شرفة منزله. في رحلته الطبيعية التي حرص صالح أن يوثّق خلالها أهم ما في الطبيعة اللبنانية، تعلّم خلالها دروسا طبيعية، جعلته خبيرا بنباتات لبنان الفريدة كشجرة القطلب ذات الجذوع الحمراء والأوراق الخضراء التي لا تتساقط طوال ايام السنة والموجودة في بلدة بعقلين في منطقة الشوف، ولم ينس أرز لبنان الشامخ، ولا سيما في اعلى الجبال حيث السجادة البيضاء كفيلة بـ«تنقية الصورة» ومنحها صفاء ناصعا. في تقويمه لتجربته الشخصية يقول صالح «ما زالت أخطط لتوثيق الجنوب اللبناني حيث للطبيعة هناك خصوصيتها، لأنها تذبل باكرا، اذ أن أجمل اللقطات تتجسّد في نهاية فصل الشتاء قبل أن تفقد الطبيعة وهجها. لكن الى الآن أجد أن منطقة القموعة في شمال لبنان، هي من أروع المناطق التي تزخر بمناظر لا تنضب طوال العام. أما في ما يتعلّق بمشاريعي المستقبلية فأنا لا أخطط لما سأقوم به، لأن التصوير ليس مهنتي، بل هوايتي التي تخرجني من ضغط الحياة وعمل الهندسة، الى الفن الذي ينعش الروح ويمنح النفس القوة».