سوق البستكية.. موعد أسبوعي تجتمع فيه العائلات الإماراتية

ممراتها الضيقة تعطي إحساسا بعبق الماضي في دبي

مقهى في منطقة البستكية (تصوير: جاك جبور)
TT

ما بين الممرات الضيقة لأقدم مناطق دبي التاريخية وأسواقها، وأمام البيوت التي كانت سكنية قبل أن تصبح جدراناً للذكريات، وجدت دبي ضالتها في تعزيز تراثها أمام مد الأسواق الكبرى والأبراج العالية.

فبالأمس ولدت سوق جديدة في قلب منطقة البستكية التراثية، دمجت بين الأكلات الشعبية والمشغولات اليدوية، جنباً إلى جنب مع أحدث الماركات العالمية وأرقى الموسيقى التي تصدح للمتسوقين.. لكن في منطقة تراثية مائة في المائة.

الجديد في هذه السوق، أن المنطقة الواقعة فيها يعود تاريخ إنشائها إلى حوالي عام 1890، وتتميز بالبراجيل الشاهقة والزخارف الجصيّة وأعمال النجارة في بيوتها، التي تجذب أنظار زوار المدينة، وتترك انطباعات عميقة عند من يشاهدها. كما تمثل هذه المنطقة مرحلة مهمة في تاريخ العمارة والتطور المدني والحضري للمدينة ـ الإمارة. وما حدث أن السلطات في دبي أعادت تجديد المنطقة، مع الإبقاء على هويتها التراثية الجميلة، وقدمتها في سوق جديدة تفتح أبوابها كل يوم سبت، من الساعة العاشرة صباحا، وحتى غروب الشمس. وستظل السوق مفتوحة طوال فصل الشتاء، حين تتميز دبي بجوها المعتدل لأكثر من خمسة أشهر. سوق البستكية، التي يقول المسؤولون أن إطلاقها يؤكد التزام مؤسسة دبي لإدارة وتنظيم الفعاليات بتعزيز الحياة الثقافية في دولة الإمارات العربية المتحدة، عن طريق تطوير المواهب المحلية، تستقطب مشاركة ملحوظة لنخبة من أهم الباعة المحليين. وستعمل السوق الأسبوعية على ترويج العلامات التجارية والمنتجات التي من شأنها تعزيز الروابط بين أفراد المجتمع والتراث الغني والعريق في دبي. فالممرات الضيقة بين البيوت العتيقة تعطي أحساساً قوياً بعبق الماضي، الذي بات يفتقده كثيرون في دبي التي تضج متاجرها ومراكزها التجارية، بأحدث وأرقى الماركات العالمية من كل أنحاء العالم. وينتظر أن تمثل منطقة البستكية، التي صممت لتكون مهد التراث والثقافة العريقة في دبي، وجهة عالمية المستوى تضم مركزاً متخصصاً للثقافة والفنون، يستضيف الفعاليات والمهرجانات والنشاطات المتنوعة، في حين تقدم السوق مجموعة متنوعة من الأزياء والإكسسوارات المصنعة محلياً، والتحف، والمنتجات الفنية والحرفية. كذلك سيتاح للعائلات التي تزور سوق البستكية الاستمتاع بتذوق أشهى الأطباق، التي توفرها نخبة من أرقى المطاعم في مقهى البستكية. وسيكون بمقدور الزوار استكشاف جانب آخر من تراث المنطقة الغني من خلال نقوش الحناء التقليدية، بينما يقدم ركن الفنون والحرف اليدوية الإبداعات المتميزة لمجموعة من المتخصصين في هذه الفنون. وأخيراً وليس آخراً، يشغل مركز النور لتدريب الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة، ومركز دبيّ للتوحّد، والصندوق العالمي للحياة البرية، والصندوق الدولي للرفق بالحيوان الأماكن المخصصة لفئة المراكز الإنسانية في سوق السبت. وقد يفاجأ الدالف إلى اللسوق بمجموعة من البرامج الموسيقية، بالإضافة إلى عروض لمدة 30 دقيقة من فرقة فنية متخصّصة تضم أكثر من 30 قارعاً على الطبل تقدم عروضها المنتظمة كل يوم سبت.. وبالأخص أن الدعوة مفتوحة للزوار لتجربة قدراتهم على قرع الطبول بأنفسهم. وبطبيعة الحال، لا مجال لنسيان الأطفال، ففي السوق ساحة مخصصة للعب الأطفال تحتوي على العديد من الألعاب والفعاليات والعروض الترفيهية. كما توجد خدمة ركن السيارات مقدمة مجاناً للزبائن، لضمان أقصى درجات الراحة والتميز من الساعة العاشرة صباحاً، وحتى الخامسة عصراً.

المسؤولون عن السوق واثقون بأنها ستصبح موعداً أسبوعياً تجتمع خلاله العائلات من مختلف أرجاء دولة الإمارات، ووجهة مثالية للاستمتاع بخيارات التسوق والترفيه بعيداً عن أنماط التسوق المتشابهة التي تقدمها مختلف مراكز التسوق الحديثة الكبرى، ضمن بيئة عائلية متكاملة، ويقولون إن هذه مجرد بداية يصار من خلالها إلى تغيير خارطة البستكية وتحويلها إلى مركز حي ومهم للاحتفاء بالفنون والثقافة المحلية الأصيلة. الجدير بالذكر، أن منطقة البستكية، التي تعد من أعرق أحياء دبي على الإطلاق، تقع شرق المدينة في بر دبي، وتمتد بمحاذاة الخور لمسافة نحو ثلاثمائة متر، وعمقها باتجاه الجنوب نحو مائتي متر، وتنتشر فيها البيوت التقليدية القديمة المبنية من الصخور البحرية والجصّ. وكما سبقت الإشارة تتميز هذه البيوت بالأبراج الهوائية والأحواش والطرقات الضيقة بين البيوت، التي تعرف باللهجة الخليجية بـ«السكيك»، التي تعطي ظلا أكثر على الجدران وتساعد في زيادة سرعة الرياح، وتعتبر هذه المنطقة من المناطق التراثية النادرة الباقية في منطقة الخليج التي ظلت محافظة على طابعها المعماري. والتراث العمراني في البستكية يتمثل بمبانٍ منفصلة أو على شكل مجموعة من المباني، كانت تسكنها عائلات غنية قادرة على الحفاظ على هذه المباني في حالة جيدة، ولكن بتركها إياها وانتقالها إلى الأحياء الجديدة خلال الحقبة النفطية، تركت مباني الحي القديم العريق لطبقات محدودة الدخل، أو لمن هم من غير سكان المدينة الأصليين، مما أدى إلى تدهور واضح في حالتها. ولقد كان الحي يضم أكثر من ستين وحدة سكنية، وكانت معظم هذه الوحدات تتكون من دورين، ويفصل بين الوحدات وبعضها عن طريق الأزقة المنفرجة الضيقة المظللة، التي لم تصل إليها الشمس معظم أوقات النهار، وتتلاقى هذه الأزقة في أفنية داخلية متفاوتة في الأبعاد والمساحات، وغالباً كان يحتل المسجد أحد هذه الأفنية.