الابتسامة تعود لوجوه المصريين.. بعد جمعة حزينة تعطل فيها الإنترنت

يصفونه بـ«الونيس» ويشبهونه بالماء والهواء

انقطاع الإنترنت الذي أصبح يشكل أهمية كبرى لأكثر من 10 ملايين مصري («الشرق الاوسط»)
TT

لم يكن يوم الجمعة الماضي يوما عاديا في حياة المصريين، والسبب انقطاع الإنترنت والذي أصبح يشكل أهمية كبرى لأكثر من 10 ملايين مصري يستخدمونه وترتبط به معظم مفردات حياتهم. وبرغم محدودية هذه النسبة بالنسبة لعدد سكان مصر البالغ نحو 80 مليونا إلا أن تعطل الفضاء الافتراضي أصاب الحياة في مقتل، وتأثر المستخدمون سواء عملاء شركات الطيران، وصولا إلى بعض الصيدليات الكبرى، والمؤسسات الصحافية، ومراكز البحوث، وغيرها من المؤسسات. بدت ملامح السعادة ترتسم على وجه شيرين بعدما استطاعت أن تدخل على الإنترنت مرة أخرى لتخاطب زوجها الذي يعمل في دبي، فهما يوفران كلفة الاتصالات من خلال الهواتف ويتحدثان عبر برامج الدردشة المختلفة عن طريق الإنترنت علها تقرب البعيد. وتقول شيرين: «كنت حزينة جدا لأنني لم أتحدث مع زوجي لأكثر من يومين رغم تعودنا على التحدث يوميا لنخبر بعضنا البعض بأخبارنا لكن المهم الآن أنني تكلمت معه واطمأنت عليه»، ورغم أن سرعة الاتصال ما زالت بطيئة إلا أن شيرين بدت راضية ولسان حالها يقول «أحسن من مافيش». في حي شبرا حيث توجد بقايا من أبناء الطبقة المتوسطة بالقرب من أبناء الطبقة الفقيرة، كان علي عوض شديد الحزن بسبب ما حدث له، فهو يملك مقهى للإنترنت لم يزره طوال يومي الجمعة والسبت أي مستخدم وهو لا يعرف ماذا يفعل فدخل «الانترنت كافيه» يساعده على سداد أقساط الأجهزة التي اشتراها، إضافة إلى مصاريف جامعته الخاصة التي يدرس فيها الهندسة، إضافة إلى تكاليف معيشته هو وأسرته التي يساهم في مصاريفها. ويقول علي في حزن وأسى «لا اعرف ماذا أفعل.. شايف بنفسك قاعدين بنَنش من الصبح» (كلمة دارجة تدل على الركود)، محدش جه من الصبح رغم أن النهاردة (الجمعة) وطلاب المدارس في أجازة وتكون معظم الأجهزة مشغولة من الصباح». وتابع «المشكلة أنهم حتى لو رجعوها (أرجعوا الإنترنت) فمن سيعوضني عن خسائر اليومين دولا».

طريقة «ولوج» المصريين على الإنترنت لها طبيعة خاصة، فأبناء الفراعنة ألقوا بدلوهم في ابتكار طرق الدخول «غير الرسمية» حيث أن هناك الكثير من مقاهي الإنترنت التي تؤجر خطوط الإنترنت وعمل وصلات بين جهاز رئيسي ومجموعة أجهزة أخرى وأسعارها تقارب نصف كلفة أي أرخص اشتراك رسمي محدد بسعات محدودة في تحميل البرامج والأفلام.

ورغم أن السلطات تحذر من ذلك إلا أن الكثيرين يفضلون الانترنت الرخيص عوضا عن الاشتراك في الشركات التي كون فيها الاشتراكات مرتفعة.

حاول محمود سعيد الذي يمتلك مقهى للإنترنت ويستخدمه كقناة غير شرعية لتوصيل الانترنت للمنازل، تهدئة مجموعة من المحتجين ـ من المشتركين عن طريقه ـ أمام محله اعتراضا على انقطاع الإنترنت وظنوا أنه لم يدفع الاشتراك لذلك فصلت الخدمة عنه وعنهم أيضا. لكنه حاول مرارا وتكرارا أنه ليس المشكلة وأن المشكلة موجودة في مختلف أنحاء المحروسة.

ولا يختلف الحال بالنسبة لخالد عبد المنعم صاحب لشركة كومبيوتر، فالوضع بالنسبة له مصيبة رغم أنه يعمل في مجال تجميع الحواسيب. ويقول خالد الذي يمتلك أيضا مقهى انترنت ملحقا بشركته: «الحال لا يسر عدوا أو حبيبا، ما حدث كارثة بكل المقاييس مقهى الانترنت الذي يجلب لي نحو 25 دولارا في اليوم لم يدخله أحد كما ترى فهذا هو ثالث يوم والركود مستمر». وتابع «رغم أنني لا اعتمد على المقهى بشكل أساي إلا أنه يسهم في عمل رواج لعملي، فرواد المقهى غالبا ما يلجأون إلي في حالة وجود أعطال في حواسيبهم ويوم أمس لم استطع إصلاح الكثير من المشاكل التي تتطلب دخولا على الانترنت لتحميل برامج معينة».

وأضاف ان «عروض الأسعار التي كان من المفترض أن أرسلها أمس لم استطع أن أرسالها.. إنها كارثة بكل المقاييس».

ولم يقتصر الأمر على ذلك وامتد إلى العديد من الصحف الالكترونية التي تبث، فلم تستطع صحف عديدة تحديث أخبارها وتوقفت أخرى عن الصدور وبثت يومية «اليوم السابع» التي تصدر يوميا على الانترنت ونسخة ورقية أسبوعيا، اعتذارا لقرائها بسبب عدم تحديثها لأخبارها وعزت ذلك لانقطاع الانترنت في البلاد.

بدوره قال اشرف الخريبي رئيس اللجنة الدولية لاتحاد كتاب الإنترنت إن المشكلة أثرت على قطاعات عديدة منها الصحافيون الذين يعتمدون على الانترنت في إرسال قصصهم إلى صحفهم، مشيرا إلى أن الأزمة عطلته كثيرا في عمله.

وترى الدكتورة عزة كريم، أستاذ علم الاجتماع بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية، أن أزمة انقطاع الانترنت أثرت على المجتمع ككل، مشيرة إلى أن بعض الأفراد صاروا يعتمدون عليها بشكل أساسي وأصبحت جزءا من تواصلهم الاجتماعي.

وقالت كريم: «الانترنت أصبحت جزءا من العلاقات الاجتماعية في مصر»، مشيرة إلى أن تضخيم أزمة الانترنت كان بسبب أن الناس لديهم ما يكفيهم من مشاكل وان إضافة مشكلة جديدة تصيبهم بالضيق فما بالك بالانترنت وقد أصبح جزءا من العلاقات الاجتماعية والترفيه والمعرفة». وبينما كان الكل يتحدث في القنوات الفضائية عن أهمية الانترنت وتأثيراتها على الاقتصاد، وضرورة إيجاد بدائل، كان نبيل وهو يعمل حارس امن في إحدى الشركات، يستمع على جهاز الراديو الخاص به غير عابئ بمشكلة الآخرين يحسب السويعات الباقية لانتهاء دوامه ليعود ليجلس مع أبنائه لا تهمه الإنترنت ولا مستخدميها.