حمّام تقليدي في مراكش يتحول إلى رواق فني

«في بلاد البربر» آخر معارضه

إحدى لوحات الفنانة الإيطالية ماريدة تاغليابو المعروضة في الحمام التقليدي التابع لـ«متحف مراكش» («الشرق الأوسط»)
TT

اعتاد عشاق الفن التشكيلي أن يستمتعوا بالألوان والمنحوتات في أروقة ومتاحف لها خصوصيات ومقاييس محددة ومتعارف عليها على مستوى العرض والأضواء وألوان الجدران.

وفي المغرب، اقترن كل عرض جديد لأحد الرسامين المغاربة أو الأجانب بأروقة معروفة، مثل «رواق محمد الفاسي» أو «رواق باب الرواح» بالرباط، فضلا عن أروقة يسهر عليها ويديرها بعض الخواص، من المغاربة والأجانب، مثل «رواق أسود على أبيض» أو «غاليري 127» بمراكش.

وعلى غير العادة، اختار القائمون على «متحف مراكش»، الموجود في عمق المدينة القديمة، أن يخرقوا هذه القاعدة، وهم يحولون الحمام التقليدي التابع لهذه البناية التاريخية إلى رواق ظل يحتضن، منذ سنوات، معروضات وأعمالا كثيرة من الفنانين المغاربة والأجانب.

ومن المعروف أن الحمام التقليدي المغربي أخذ بنيته من الحمامات القديمة، ليس على مستوى المعمار، فقط، بل على مستوى تنظيم الغرف المكونة له، حيث نجد «الكَلسة»، وهي غرفة نزع الملابس والجلوس والاسترخاء، و«البيت البارد»، أي الغرفة الباردة، و«البيت الوسطاني»، وهي الغرفة الوسطى المعتدلة الحرارة، و«البيت السخون»، أي الغرفة المرتفعة الحرارة.

ويعتبر الحمّام التقليدي التابع لـ«متحف مراكش»، نموذجاً لهذه الفئة من الحمامات التقليدية، وهو يتميز بتناسق هندسته وزخرفة قببه وزليجه وأضوائه الخافتة.

ويعود تاريخ «متحف مراكش»، الذي كان يحمل اسم «قصر المنبهي»، إلى القرن التاسع عشر، وكان قد شيده المهدي المنبهي، وزير الدفاع على عهد السلطان العلوي مولاي عبد العزيز (1894 – 1908). وكان المنبهي قد عمل، بداية من عام 1901، سفيراً للمغرب لدى كل من ألمانيا وإنجلترا، قبل أن يقود في عام 1903، عبر محاولات متكررة، حملات المخزن (الحكم) ضد الثائر «بوحمارة»، لكن فشله في مهمته أفقده مكانته وحظوته لدى السلطان، وحين سيغادر مراكش في اتجاه طنجة، التي مات بها عام 1941، سيتحول القصر إلى ملكية صهره التهامي الكلاوي، باشا مراكش الشهير. وبعد استقلال المغرب، عام 1956، سيتحول القصر إلى ملكية الدولة المغربية، حيث سيحتضن أول مدرسة للبنات بمدينة مراكش.

ويعود فضل تحويل «قصر المنبهي» إلى «متحف مراكش» إلى الراحل عمر بن جلون، صاحب مؤسسة بن جلون، الذي كان محباً لجمع التحف النادرة من مخطوطات وكتب وحلي ومسكوكات ولوحات فنية وغيرها.

ولا يخفي زوار «متحف مراكش» إعجابهم بفكرة تحويل حمام تقليدي بحيطانه وبيوته إلى رواق، تعرض فيه لوحات من الفن المعاصر، الشيء الذي يمنحهم فرصة التمتع بألوان لوحات فنانين معاصرين، وفي نفس الوقت، رصد بهاء تراث غني بألوانه وصنعة زليجه وخشبه، ولذلك يحير الزائر، وهو يتجول داخل بيوت هذا الحمام التقليدي، أيهما يشاهد وبأيهما يستمتع أكثر: اللوحات المعلقة على الجدران أم الحمام التقليدي الذي تحول إلى رواق لعرض الرسومات.

ويحتضن هذا الرواق ـ الحمام التقليدي، هذه الأيام، لوحات مختارة لرسامة إيطالية، اختارت أن تمنح لمعرضها عنوان «في بلاد البربر»، لخصت من خلاله ما علق بأناملها ومتخيلها من صور عن المغرب، حيث نكون مع وجوه لرجال ونساء وأطفال من وسط وجنوب البلاد، المعروفة برمال صحرائها الساخنة وتميز سكانها ببشرتهم السمراء وملابسهم الغارقة في تراب وتقاليد الأرض التي يعيشون عليها.

ويعرف عن الفنانة ماريدة تاغليابو، التي تنحدر من شمال إيطاليا، وتعيش وتشتغل بين إيطاليا وسويسرا، تعلقها بالسفر عبر مختلف مناطق العالم، لكن افريقيا هي التي نالت إعجابها وحبها من بين القارات الخمس.

وكتبت تاغليابو في تقديم معرضها «أرسم افريقيا بأشجار غاباتها، وألوانها، وغروب شمسها الساحر، وصحاريها، وناسها، حيث نكون مع الطوارق والبربر. أُضَـمّن لوحاتي كل الحب الذي يملأ الأرض والناس، ولذلك أجدني أنقل عبر الرسم كل ما لم تسعفني الكلمات في قوله والتعبير عنه».

وباحتضانه لأعمال أمثال هذه الفنانة الإيطالية، يكون حمّام «متحف مراكش»، قد أضاف إليه، اليوم، وظيفة عرض أسرار الفنانين وألوان لوحاتهم التي ضمنوها رؤيتهم للعالم، الشيء الذي منحه حياة أخرى متجددة، نقلته من وظيفة الاغتسال ونظافة الجسد، التي عرف بها في السابق، إلى اغتسال فني يُنظف عيون الزوار مما علق بها من «غبار» و«ضجيج» الحياة، في الحاضر.