«مقهى الكتاب» بمراكش.. «أزهار الشر» بمذاق «الكابوتشينو»

مقاه في المغرب تقترح على روادها قائمتين للأكل والقراءة

موائد للأكل وأخرى للشطرنج («الشرق الأوسط»)
TT

يتفكّه المغاربة من كثرة المقاهي، التي صارت تفتح أبوابها في كل المدن المغربية، ويلخصون لذلك، بقولهم «بين مقهى ومقهى هناك مقهى». والمثير أن معظم اصحاب هذه المقاهي يسعون خلف الربح السريع، ولذا تجدها متشابهة في شكلها ونوعية خدماتها، وفي البرودة التي تتغلف بها علاقة معظم الروّاد بمعظم العاملين فيها.

وفي حين يقتل كثيرون سحابة نهارهم في مقاهي الشوارع الرئيسية بالثرثرة ومناقشة مباريات الكرة ومآسي العالم، ينظر المهتمون بالشأن الثقافي إلى ظاهرة إغلاق المكتبات بيأس، مُشددين على أن كل مكتبة تغلق أبوابها يحل مكانها مطعم أو مقهى أو محل تجاري، مما يجعل الإغلاق قدَراً مأساوياً، إذ تنحسر المكتبات مثل القراء، أو تتحوّل في أحسن الأحوال إلى دكاكين وأكشاك لبيع الصحف. سيدة هولندية، برفقة زوجها الأميركي، اختارت أن تفتح في مدينة مراكش المغربية مقهى للكِتاب، تجاور فيها كتب الأدب... المشروبات وأطباق الأكل وقطع الحلوى.

وليس «مقهى الكتاب» المقهى الوحيدة في «المدينة الحمراء» الذي يقترح الأكل والشرب والقراءة ضمن قائمتين، وخاصة بعدما تحوّلت هذه الفكرة الجميلة إلى ظاهرة يمكن أن نصادفها في باقي أحياء المدينة، فضلاً عن باقي المدن المغربية الأخرى.

«الشرق الأوسط» زارت «مقهى الكتاب»، الواقع على بعد عشرات الأمتار من شارع جليز الشهير، حيث الهدوء وراحة البال. وحيث يمكنك طلب «كابوتشينو» أو وجبة سريعة، وتصفح المجلات والكتب المعروضة للبيع. وحين تهمّ بالمغادرة يمكنك أن تختار بين ألفي كتاب، بأكثر من لغة، بينها «أزهار الشر» و«شفرة دافنشي» وكتب أخرى، تنتمي إلى عالم الأدب، بشكل خاص.

الوصول إلى باب البناية، يجعل الزائر يشعر كما لو أنه بصدد ولوج رواق فني أو معهد ثقافي. فالزيارة تبدأ بالاستمتاع بلوحات هي في الواقع عبارة عن قماش إيراني من القرن التاسع عشر، وذلك قبل الصعود عبر درج، على جنباته مجلات وجرائد، قبل أن ينفتح الطابق الأول للبناية على جهة يمنى تؤثثها طاولات تسد جوع البطن، وجهة يسرى للجلوس وتصفح الكتب المعروضة، باللغات الانجليزية والفرنسية والإسبانية والألمانية والهولندية، في الغالب.

والتقت «الشرق الأوسط» المالكة الهولندية ساندرا زوولو، وزوجها الأميركي جون شوماك. وتحدثت زوولو بثقة كبيرة في النفس واقتناع بقيمة الرهان والخيار الذي سارت فيه مع زوجها، فقالت «أنا شغوفة بالأكل والكتب والناس. فقد ولدت في عائلة تعشق الكتب والقراءة، وأذكر حين كنت صغيرة، كيف كانت الكتب لا تكاد تفارق يد والدي. ثم أنني فتحت عيني، في بلادي، على مقاهي تقترح على الزوار أكلا وكتباً، وأرى أن تذوّق الكتب والإقبال على القراءة كفعل يبقى مسألة تربية قبل أي شيء آخر، وأرى أنه من الحيوي بالنسبة للفرد أن يهرب إلى كتاب».

وتتذكّر زوولو علاقتها بالمغرب وفكرة المشروع، فتقول «حين زرت المغرب عشقته، وعشقت مدينة مراكش، بشكل خاص. وحين التقيت زوجي المهووس مثلي بعالم الكتب والثقافة، وكان ذلك في طنجة، ثم بعد ذلك انتقلنا إلى مراكش، قررنا تنفيذ الفكرة وأخرجناها إلى حيز الوجود قبل ثلاث سنوات. وينبغي الاعتراف، هنا، بأن البداية كانت صعبة، لكننا بمساعدة الأصدقاء، واقتناعنا بما نريده، فضلاً عن تشبثنا برهان إنجاح المشروع، استطعنا السير قدماً. وحين تبلورت الفكرة اتضح لي أنه يستحيل العيش من بيع الكتب وحدها. ولذا قرنت قائمة الكتب الطويلة بقائمة أخرى للأكل والشرب. كان المكان بيتاً سكنياً أعاد تصميمه مهندس مغربي. واليوم، يمكن للمرء أن يقول إنه يكفي أن تكون عندك شعلة في مكان ما في داخلك حتى تنفذ اختياراتك وكل ما تؤمن به».

وتابعت زوولو كلامها قائلة «توجد في مراكش مكتبات تعرض كتباً باللغة العربية، ولذا اخترنا أن نقترح ما يمكن أن يشكل إضافة ثقافية على مستوى المعروضات من الكتب، التي هي قديمة في الغالب لكنها في حالة جيدة، الشيء الذي يجعل ثمنها في المتناول. أما أثمان الأكل والمشروبات فهي، أيضاً، في المتناول. وقد اخترنا أن تكون كذلك لأن معظم روّادنا من الأجانب المقيمين بالمدينة، فضلا عن طلبة الجامعة والمدارس والمركز الأميركي، فهدفنا ليس تجارياً بحتاً. والجميل أنه صار للمقهى خلال هذه السنوات القليلة مكانه في مراكش ... وهذا يشعرني بالفخر».

وبالنسبة للديكور، تقول زوولو إنها اختارت أن توائم بين شكليات الأكل وطقوس القراءة، الشيء الذي يجعل من الفضاء مكاناً بسيطاً، دافئاً وملائماً، لم تخلط فيه بين الأشياء، إلى درجة أنها رفضت أن تحول جدران المكتبة إلى رواق، باستضافة لوحات ورسوم عدد من الرسامين الذين رغبوا في عرض لوحاتهم على جدران المقهى.

وبين الكتب والأطباق الرئيسية للأكل يقترح المقهى اباريق الشاي وكؤوس القهوة وقطع الحلوى، كما تنظّم، بين الفينة والأخرى، حفلات توقيع وقراءات للكتب. وبهذه الصيغة، يعتبر «مقهى الكتاب» مقهى ـ مكتبة، أما ديكوره فبسيط يعتمد أسلوب التزيين المعاصر، الذي يشعرك بالسكينة والهدوء. وهذه بساطة متعمدة من جهة أنها تجعل من الكتاب مركز اهتمام الرواد، والقراءة محور الحديث والزيارة.

ولأن التكنولوجيا لم تترك مجالاً إلا غزته، يقترح المقهى على رواده، ممّن لا تفارقهم حواسيبهم إمكانية الربط بشبكة الانترنت.

خلال سنوات قليلة، من استقرار زوولو في «المدينة الحمراء» ما زال لديها الجرأة لكي تقول إن «مراكش ليست مدينة ثقافة». وحين تتذكّر طنجة، لا تخفي إعجابها بالكاتب الراحل محمد شكري، قبل أن تقول «إن «الخبز الحافي» هو أكثر الكتب العنيفة التي قرأتها». وحين تتحدث عن تقاليد القراءة بين المغاربة، لا تخفي استغرابها وتعجبها من خلوّ معظم بيوتهم من المكتبات والكتب، التي إن وُجدت تكون عبارة عن موسوعات... توضع جنب جهاز التلفزيون أو الأواني الخزفية، مضافة إلى باقي قطع الديكور التي تؤثث البيت.