الراحل هارولد بنتر جسّد في مسرحياته الفرد المحاصر بتهديد الجماعة

عرف بدفاعه الدائم عن حقوق الإنسان

TT

توفي الكاتب والشاعر والمسرحي البريطاني الحائز جائزة نوبل للآداب هارولد بينتر مساء الاربعاء عن 78 عاما بعد صراع طويل مع السرطان.

وقالت زوجته انتونيا فريزر معلنة وفاته الخميس على موقع صحيفة «ذي غارديان» الالكتروني «كان رجلا عظيما وحظيتُ بامتياز مشاركة حياته لاكثر من 33 عاما. سيبقى حيا في اذهاننا».

واكدت جودي دايش وكيلة اعمال بينتر الوفاة موضحة لوكالة الصحافة الفرنسية ان الكاتب قضى نحبه بمرض السرطان.

وبينتر معروف بمواقفه السياسية الشديدة وكان في طليعة المعارضين للحرب في العراق. وظل خلال التسعينات من القرن الماضي يشارك في المظاهرات التي ظلت تنظم ضد فرض العقوبات الدولية المفروضة على العراق.

وعلى الرغم من عدم قدرته على السفر إلى أستوكهولم لأسباب صحية بعد أن منحته الأكاديمية السويدية جائزة نوبل للآداب لعام 2005، فإنه استثمر فرصة إلقاء خطاب بالمناسبة لمهاجمة الإدارة الأميركية على شنها الحرب ضد العراق ووصف ما قامت به بأنه «عمل إجرامي لإرهاب الدولة السافر».

وعرف الكاتب بينتر بمناصرته القوية للقضية الفلسطينية. وكان صوته قويا في دعم الشعب الفلسطيني وإدانة الكثير من الممارسات الإسرائيلية ضده. وفي الحفل الأخير الذي نظم قبل ما يقرب من شهر في لندن، تكريما للشاعر الراحل محمود درويش، بعث بقصيدة قرأت بالنيابة عنه. قال صديقه وكاتب سيرته مايكل بيلينغتون عنه ردا على أسئلة شبكة سكاي نيوز البريطانية إنه «كان شخصية سياسية ومجادلا خاض معارك ضارية ضد السياسة الخارجية الأميركية وفي الكثير من الأحيان ضد السياسة الخارجية البريطانية، لكنه في حياته الخاصة كان من أشد الأصدقاء إخلاصا ومن أكثر الرجال كرما».

ولد بينتر في العاشر من أكتوبر (تشرين الأول) 1930 في حي هاكني الشعبي شرق لندن، وكان والده خياطا يهوديا. وجاءت شهرته أولا بعد كتابته لمسرحية «الحارس» التي حولت إلى فيلم عام 1963. وكتب خلال مشوار حياته أكثر من 30 مسرحية، من أشهرها مسرحيتا «حفلة عيد الميلاد» و«الخيانة».

وتميز أسلوب بينتر بتطوير ما عرف بأسلوب «التهديد» Menace، حيث يجد شخص ما نفسه وسط عدد من الأفراد الأغراب الذين تجمعهم وشيجة ما، فيتعرض إلى أنواع من التهديد المبطن والمكشوف على أيديهم. كذلك تميز بينتر الشاعر باستخدام اللهجة الشعبية القريبة من لهجة «الكوكني» اللندنية بعد تنقيتها واستكشاف شاعريتها.

كذلك شارك في كتابة العديد من سيناريوهات الأفلام من أبرزها «عشيقة اللفتينانت الفرنسي» و«لقاء الأصدقاء» ووضع سيناريوهات أفلام مقتبسة من أعماله المسرحية. وظل حتى بعد تشخيص الأطباء لإصابته بسرطان المريء عام 2002 حريصا على العمل بدون انقطاع، حتى مع استمرار تلقيه جلسات العلاج الكيميائي التي كانت بمثابة «كابوس شخصي» على حد تعبيره. وقد صعد على خشبة المسرح في لندن عام 2006 ليؤدي المونودراما «شريط كراب الأخير» للكاتب الأيرلندي صاموئيل بيكيت، وفي عام 2007 كتب سيناريو فيلم «المفتش» من بطولة جود لو ومايكل كين.

حال انتشار خبر وفاة الكاتب هارولد بينتر، راحت بيانات النعي تصدر عن وجوه ثقافية وسياسية بارزة في العالم. فالرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي حيا فيه «الإنساني المتبصر الذي لا يستكين ولا يساوم» مثنيا على «طباعه المتمردة والخارجة عن الأنماط التقليدية».

واضاف في بيان صادر عن الرئاسة الفرنسية ان «جائزة نوبل التي منحت له عام 2005 كانت تكريسا متأخرا لنتاجه الهائل، انما ايضا تكريما لشجاعة رجل والتزامه ضد كل اشكال الوحشية، رجل تخلى عن رخاء الشهرة مفضلا السير دوما على حافة الهاوية».

أما المنشق والرئيس التشيكي السابق الكاتب المسرحي فاكلاف هافيل فذكّر بمواقف التأييد والتضامن التي كان يبديها بينتر «حياله وحيال اصدقائه أيام كانوا مقاومين ضد النظام الشيوعي الذي سقط عام 1989 في تشيكوسلوفاكيا.

كذلك أقامت أكاديمية الفنون الألمانية في برلين مراسم تأبين «مؤثر» أمس للكاتب المسرحي البريطاني بينتر. وقال كلاوس شتيك رئيس الأكاديمية في بيان نشر أمس الجمعة في برلين: «ننحني أمام كاتب أثرت روحه المتمردة ومشاهداته بشكل عميق على المستوى الدولي». وأكد شتيك أن الأكاديمية التي كان بينتر أحد أعضائها ترى أن الكاتب الحاصل على جائزة نوبل هو «أحد أهم كتاب المسرح البريطاني خلال فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية».