ليلى عازفة الكمان تلهب الجمهور على ضفاف المحيط الباسيفيكي

الفنانة الشابة تبرع في القديم والحديث وتحصد الجوائز

ليلى جوزيفوفيتز
TT

لم تشهد مدينة سان دييغو الساحلية في الولايات المتحدة مثل هذا العرض: عازفة الكمان الشابة ليلى جوزيفوفيتز تلهب جمهور الموسيقى الكلاسيكية في حفل خاص يطل على أمواج المحيط الباسفيكي الذي يعانق شواطئ كاليفورنيا والحيتان تتمخطر في المياه الباردة في عرض طبيعي وهي تمر أمام المتفرجين الذين تعودوا على مرورها سنويا في مثل هذه الفترة مثل الطيور المهاجرة. ركزت ليلى انتباه الجمهور المتحمس لموسيقى سترافنسكي وبروكوفييف وشوستاكوفيتش بدلا من متابعة استعراض الحيتان الفاتن على بعد بضعة كيلومترات فقد أبدعت في استعمال آلة الكمان بطريقتها الفنية الدقيقة المتميزة وأدائها الآسر للقطع الصعبة الحافلة تارة بالايقاع القوي وتارة بروح الحزن والكمد واختتمت بما بدا وكأنه بهلوانيات متقنة لضرب أوتار الكمان بشدة حتى انقطع البعض منها وظلت ليلى تتابع العزف وكأنها ساحرة لا يهمها ما جرى.

ولدت ليلى جوزيفوفيتز عام 1978 وتخرجت من معهد كيرتس للموسيقى بمدينة فيلادلفيا الاميركية عام 1997 ولم تمض سنوات حتى بدأت شهرتها العالمية وكان كونشرتو الكمان الأول للموسيقار الروسي الكبير ديمتري شوستاكوفيتش هو طريقها إلى المجد، ومنذ ذلك الحين لمع نجمها وانهالت عليها عروض الحفلات والتسجيلات على الاسطوانات المدمجة ووصلت صورتها إلى غلاف مجلة الـBBC الموسيقية المرموقة عام 2006 كإحدى النجوم الصاعدة في عالم الموسيقى التي وصلت إلى القمة خلال سنوات معدودة نظرا لموهبتها وتفوقها وكان عمرها 28 سنة آنذاك.

برنامج حفلاتها هذا العام كان حافلا في المدن الاميركية من شرق البلاد إلى غربها كما أذهلت الجمهور في الصيف الماضي في سويسرا في منتجع فيربييه الجبلي ثم نجحت بشكل لافت للنظر في حفلاتها للموسيقى الكلاسيكية القديمة والمعاصرة في مانشستر بانجلترا في شهر اكتوبر (تشرين الأول) المنصرم وستبدأ العام الجديد بحفلات بيعت تذاكرها بالكامل في هلسنكي بفنلندا ثم تنتقل في الشهر التالي الى حفلات اخرى في ايسلندا ثم مدريد باسبانيا وينتظرون زيارتها لروما في الخريف المقبل بعد جولاتها في المهرجانات الصيفية القادمة بين اوروبا وكندا واميركا. مازال شوستاكوفيتش موسيقارها المفضل حتى الآن وتكاد لا تخلو حفلة من حفلاتها من قطعة له فهو مفتاح نجاحها وتعويذتها السرية كي تلهب الجمهور حين تقدم بعض مقطوعاته المعقدة بأسلوب نغمي رنان يعكس صدى الكمان الثمين الذي تملكه ثم تقدم مقطوعات اخرى تحسب وكأن مؤلفا آخر قد لحنها لبساطتها وحلاوة ألحانها. يذكر أن شوستاكوفيتش الذي توفي عام 1975 كان يخاف من مزاج ستالين لكنه كان يحب بعض القطع الأميركية ومن أشهرها اغنية «الشاي لأثنين» tea for two فقام باعادة صياغتها وتوزيعها خلال عشر دقائق وأصبحت نسخته أجمل من النسخة الأصلية وما زالت تعزف باستمرار تحت اسم آخر حتى اليوم لذا لم ينتبه ستالين إليها فقد كان معجبا بسمفونيات شوستاكوفيتش البطولية حول انتصارات الجيش الأحمر في الحرب العالمية الثانية بعد أن غضب على شوستاكوفيتش قبل ذلك لأنه ألف مسرحية غنائية حول خيانة زوجية وجريمة قتل وكانت دعايات الاتحاد السوفياتي ترفض الاعتراف بأن مثل هذه الأحداث قد تقع في بلادها بل تلصقها دوما بالغرب المتفسخ.

فازت ليلى منذ اسبوع بجائزة مؤسسة ماك آرثر المعروفة في شيكاغو التي تبلغ قيمتها نصف مليون دولار «نظرا لالتزامها القوي بالموسيقى وابتكاراتها الاستثنائية» كما ورد في بيان المؤسسة، وأحد أسباب فوزها أنها ابتكرت نغمة نهائية (كادينزا باللغة الموسيقية) جديدة لكونشرتو الكمان للموسيقار الخالد بيتهوفن ويقال ان ليلى تضع كمانها بجانبها حين تنام ولعل الاثنين يحلمان معا.