حكومة الظل الشبابية في لبنان

مشاريعها الإنسانية تطغى على المشاريع السياسية

تحظى البرامج الإنسانية في لبنان بقبول أكثر من المشاريع السياسية («الشرق الأوسط»)
TT

«ما رأيكم بمشروع فلافل بعد الانتهاء من اجتماع العمل؟». يقول احد وزراء حكومة الظل الشبابية لزملائه. يوافقون ويعودون الى درس الملفات الملحة على جدول الاعمال، ثم يناقشونها بجدية ومن دون تسويات او تجاذبات سياسية كالتي نعهدها بين حاملي الحقائب الوزارية في الحكومة اللبنانية.

هم ثمانية وعشرون طالبا جامعيا. وآلية تكليفهم بمهامهم تأتي عبر اختيار كل جامعة لبنانية مرخص لها من أن تجد لديه الكفاءة والأهلية ليتسلم حقيبة وزارية معينة. وبالطبع من دون مراعاة للتوزيع الطائفي، كما هي الحال في عملية تأليف الحكومة الدستورية. مشروع الحكومة الشبابية كان حلم النائب والاعلامي الراحل جبران تويني. عمل فترة طويلة لتنفيذه، وكان يستعد لإطلاقه، لكن يد الغدر عاجلته، فأبصر المشروع النور بعد ثلاثة أيام من جريمة اغتياله، ودخل حيز التنفيذ مع حصول جمعية «نهار الشباب» على ترخيصها في العام 2006 بفضل مثابرة ابنة جبران نايلة تويني التي قررت استكمال مشروع والدها. الأمين العام لحكومة الظل عياد واكيم يقول لـ«الشرق الاوسط»: «حكومة الظل هي ترجمة لفكرة جبران تaويني ويقوم عملها على مراقبة الحكومة الدستورية من جهة. ومن جهة أخرى اقتراح مشاريع جديدة يمكن أن تؤخذ بعين الاعتبار من المسؤولين الحكوميين. فالسنة الماضية مثلا تبنت الحكومة الدستورية ثلاثة مشاريع تتعلق بوزارات البيئة والعدل والاقتصاد طرحها وزراء الظل على الوزراء الفعليين». ويضيف: «في حكومتنا لا رئيس ولا مرؤوس والمناصب تبقى شكلية. فكل وزير في حكومة الظل هو رئيس لهذه الحكومة والبيانات لا تصدر عن حكومتنا إلا بالتصويت.» وفي حين تملك حكومات الظل الموجودة في الدول المتطورة وجودا فعالا على الساحة السياسية، والتي تشكلها المعارضة بعد خسارتها الانتخابات وتنتشر في أغلب بلدان العالم المتطور، وتتميز بأنها حكومات سياسية بامتياز وليس بالضرورة أن تكون شبابية، نجد ان مثل هذه المؤسسات لا وجود لها في بلدان العالم الثالث أو في البلدان النامية، واذا وجدت فهي لا تغير شيئاً من المعادلات التي تتحكم بالساحة السياسية. اما لبنان فيشكل حالة فريدة وسط محيطه العربي والاقليمي. فمجرد وجود حكومة كهذه يعدّ خطوة كبيرة في الديمقراطية من جهة، وخطوة أكبر تجاه الشباب، لذا يمكن القول ان هذه الحكومة هي الأولى من نوعها في العالم.

والمتابع لعمل كل وزير في الحكومة الشبابية، يلاحظ مدى الجدية في طرح الأفكار الجديدة من خلال رؤية معينة لتعزيز المشاريع الجديرة بالمتابعة في كل وزارة. فالشباب ينكبون على ملفات وزاراتهم بحماسة ورغبة في التجديد. وهذا ما تبينه وزارة حقوق الإنسان المستحدثة داخل «حكومة الظل». يقول الوزير المسؤول عن هذه الحقيبة أديب أسعد: «ولدت الفكرة عندما وجدنا أن شرعة حقوق الأنسان تنتهك كل يوم، ان كان في غزة حاليا أو في لبنان سابقا أو في معتقل غوانتنامو وفي معظم البلدان، حتى التي تتغنى بالديموقراطية. لذا وضعنا نصب اعيننا هدفا هو المطالبة بتحقيق الشرعية والمواثيق الدولية، بداية مع السجناء في لبنان الذين لا يملكون ادنى حقوق الأنسان. النتيجة جاءت فورية، فقد اسست المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي مكتبا لحقوق الإنسان. وانا أتمنى أن يكون دوره فعالا».

تضمن مشروع جبران تويني بندا يقضي بعقد وزراء الظل اجتماعات دورية في السراي الحكومي مع الوزراء الفعليين ورئيس الوزراء للاطلاع على مشاريع وزاراتهم وأعمالها، إضافة الى الاطلاع على مقررات مجلس الوزراء وابداء ملاحظاتهم. الا أن الوزراء ليسوا جميعا متعاونين. منهم من لا يعترف بمبدأ حكومة الظل، كما هي حال وزير الخارجية فوزي صلوخ حسبما قالت «نظيرته» في حكومة الظل رومي نصر. وأضافت: «أن حكومة الظل ليست حكومة للفرجة فقط. كل وزرائها خريجو جامعات ولهم آراؤهم التي يجب أن تؤخذ في الاعتبار، فلبنان بحاجة الى أفكار جديدة ووزارة الخارجية بالنسبة إلي هي العصب الذي يجمع اللبنانيين المقيمين باللبنانيين المغتربين وانا أحاول تقديم مشروع جديد في هذا الإطار. خلال انتخابات 2013 سيصبح للمغترب الحق بالتصويت. من هنا علينا أن نجري احصاءات بواسطة الإنترنت لنحصي عدد الراغبين في المشاركة بالتصويت. ونعلم بالتالي مدى الإقبال ونوع التوازن الجديد الذي يمكن أن تفرضه هذه المشاركة.» كما أن ذوي الحاجات الخاصة كانت لهم حصتهم من الوزراء ومشاريعهم. فوزير المعلوماتية والاتصالات سامر فيصل عرض مشروعا لتطوير المواقع الالكترونية عامة والمواقع الرسمية للدولة خاصة. يقول سامر: «اذا أخذنا مثلا الأشخاص الذين يعانون من مشكلة في السمع يمكن أن يكون الكلام الصادر عن اي مسؤول مكتوبا في أسفل الفيديو، اما من لديه مشكلة نظر مثلا فيجب ان يحصل على المعلومات من خلال نص صوتي». ويضيف «ان هذا المشروع سهل التنفيذ ونحن ننسق مع الشركات الخاصة في هذا السياق.» اما محاربة الفساد، التي اجمع عليها الوزراء، فكانت عنوان مشروع وزير الصحة شربل قبلان. وهو يعطي الاهمية الاكبر لمحاربة الدواء المزور في لبنان. لأن حياة المواطنين تأتي في المرتبة الأولى. ولهذا الهدف يقول شربل: «يمكن محاربة الدواء المزور من خلال عدة طرق. منها انشاء مكتب الدواء اللبناني على غرار ما هو موجود في الدول المتطورة وهدفه اخضاع الدواء الداخل الى الأراضي اللبنانية الى التحليل في المختبر المركزي. وكذلك تعزيز التفتيش الصيدلي. والأهم ان يوضع خاتم وزارة الصحة لا على الغلاف الخارجي فقط، وانما أيضا على ورقة الدواء الداخلي دون ان ننسى ان نعين يوما للسجناء لمعرفة حالتهم الصحية واحتياجاتهم».

ولا يتعب وزراء حكومة الظل من عرض مشاريعهم التي لا تضع السياسية في اولويات اجندتها. احلامهم أكبر منهم. فهم يسعون الى معالجة الهموم الانسانية التي لا يجد السياسيون الكبار وحتى الصغار وقتا للاهتمام بها.