الإسكندرية تستقبل العام الجديد بتكسير الأطباق في الشوارع

عادة يونانية قديمة ترمز للتخلص من السوء والشرور

كثيرا ما تتعطل حركة المرور صباح اليوم الأول من العام في الاسكندرية بسبب عادة تكسير الزجاج والأطباق («الشرق الأوسط»)
TT

لو لم تكن من الإسكندرية لربما أصبت بالهلع ليلة رأس السنة، إذا صادفتك الأقدار إلى عروس المتوسط ليلة استقبال العام الجديد، حيث لا أحد ينام في الإسكندرية في تلك الليلة الموعودة.

وسيخلب ناظريك كرنفالات من ألعاب نارية وأضواء وارتطامات وفرقعات وزجاج متناثر في كل مكان.. هذا هو المشهد في منتصف ليل اليوم الحادي والثلاثين.. وهي لحظة ينتظرها الاسكندريون بمزيج من الترقب والإثارة والفرح، اعتادوا عليها لعشرات السنين.

عادة تكسير الزجاج والأطباق تعود في الأصل إلى اليونانيين الذين عشقوا المدينة واقتبسوا من حنوها، بقيت تلك العادة رغم رحيل أغلب أصحابها الأساسيين مرة أخرى عائدين إلى بلادهم، ينتظرها الاسكندريون ويتعدون لها بجمع كل ما هو قديم وغير صالح للاستعمال في المنزل من سيراميك وأطباق وحتى ملابس قديمة، ويتم التخلص من كل ذلك مع دقات الثانية عشرة ليلا، وهي لحظة الاحتفال التي تجمع بين كل الجاليات الأجنبية وكذلك الاسكندريين من مسلمين ومسيحيين. الطريف هذا العام، أن أهالي الإسكندرية ـ الثائرين بطبعهم ـ قد خرجوا في مظاهرات منددة بالعدو الصهيوني منادين بالتضامن مع أهالي غزة، خرجت السيدات والأطفال والكبار يطلقون الهتافات، وذلك حتى الساعة العاشرة والنصف مساءً، ثم توقفت المظاهرات، وصمتت الهتافات! وبدأت طقوس الاحتفال برأس السنة الجديدة بالاحتماء بالمنازل قبيل الساعة 12 تفادياً لتلقي زجاجة فارغة أو كأساً مكسوراً أو طبقاً أو حتى كيس مياه؛ ففي تمام الساعة 12 يصبح كورنيش الإسكندرية ساحة للاحتفالات حيث تشاهد الصواريخ والألعاب النارية منطلقة من أسطح المنازل والفنادق المطلة على الكورنيش مما يقلب ظلمة الليل نهارا. تقول لوكيا فيريليس، وهي من بقايا اليونانيين المقيمين في الإسكندرية، «كسر الزجاج والأطباق عادة يونانية معروفة جدا، وهي ضمن طقوس رأس السنة، التي له أصول في الأساطير اليونانية وترمز إلى التخلص من من الأشياء السيئة في العام الماضي وفرحة استقبال العام الجديد، وتمنى أمنيات طيبة أثناء كسر الزجاج وهي مرتبطة عندنا برقصة «الرمبتيكا»، وعادة في حفلات الزفاف ما نكسر الكأس الذي شرب منه العروسان لتمني حياة سعيدة لهما». أما شريف عليش، 30 عاماً، وهو من الجيل الثالث لليونانيين في الإسكندرية، «من الطقوس المعروفة في الأسرة لدينا سواء هنا أو في اليونان كسر الأطباق الصيني البيضاء في المناسبات، وكذلك في حفلات الزواج وفي أعياد الميلاد، وفي رأس السنة يتضمن الاحتفال قضاء سهرة في منزل العائلة أو خارج المنزل حتى الصباح الباكر».

كارولين كمال، 23 سنة، من الطائفة الكاثوليكية، اختارت أن تحتفل بالسنة الميلادية بإطلاق الصواريخ والألعاب النارية من شرفتها، وتقول «فعلا الاحتفال في الإسكندرية مميز جدا وأعتقد أنه يدخل الشعور بالبهجة والمتعة في قلوبنا جميعاً، وأنا وصديقاتي ننتظر هذا اليوم من كل عام لنشاهد مظاهر الاحتفال، لكن أعتقد أننا أخذنا من الأجانب هذه العادة السيئة التي تخلو عنها». ويؤكد ميخالي سولومونيدس، 45 سنة، وهو مدير النادي اليوناني بالإبراهيمية، أن كسر الحاجيات القديمة مظهر مميز لاحتفالات العام الجديد، لافتا إلى أن الجالية اليونانية تحتفل بالعام الجديد من خلال التجمع في النادي اليوناني بالشاطبي أو الأنفوشي وتعم الأجواء مشاعر البهجة.

وتقول هبة حجازي، مهندسة جرافيك: «أحرص على التواجد في منزلي قبل الساعة الثانية عشرة وأضع سيارتي في أحد الجراجات المجاورة خشية تحطم زجاجها نتيجة وقوع الأطباق عليها، ورغم ارتباط هذه العادة بالتراث اليوناني إلا أن لها أصلا مصريا، فالمثل الشعبي يقول «اكسر وراه قلة» إذا صادف الشخص ظرفا أو شخصا أو موقفا سيئا لا يريد تكرار ملاقاته».

وعن احتفالات الجالية الأرمنية، تقول هوري جورونليان، أخصائية مكتبات بمكتبة الإسكندرية، وهي من الأرمن الموجودين في الإسكندرية «هذه العادة ليست إلزامية في احتفالات الأرمن، وعادة ما أشفق على أصحاب السيارات مما يحدث لها من هذه العادة السخيفة، لكن بشكل عام احتفالات الأرمن تقتصر على شراء شجرة الكريسماس والزينة الخاصة بها، وتقيم الجالية المعارض في نوادي الأرمن منها نادي «الجمرك»، ونادي «ديكران يرجاد» بمنطقة الإبراهيمية، وغالباً ما يكون الاحتفال هاماً بالنسبة للأطفال حيث تقيم المدارس حفلات غنائية لأغاني الكريسماس». وعن أصل هذه العادة أكد الدكتور عبد الحليم نور الدين، أستاذ اللغة المصرية القديمة بجامعة القاهرة لـ«الشرق الأوسط»: «هذه العادة غريبة جدا على المصريين قديماً وحديثاً، والمصري القديم لم يكن أبدا ليحتفل بالعام الجديد بمثل هذه الأمور، وارتبط في ذهنه ببداية قدوم الفيضان، وهو ما يعني قدوم الخير، فكان يهلل ويفرح ويركب القوارب في النيل».

ويعاني أهالي الإسكندرية من هذا الاحتفال وكثيرا ما تحدث إصابات بسبب ذلك وتتعطل حركة المرور صباح اليوم الأول من العام بسبب الزجاجات المتحطمة. وأخيراً أدخل بعض الاسكندريين تعديلاً على هذه العادة وأصبح من الطقوس اجتماع العائلة والجيران وتقديم الحلويات والمشروبات وتجهيز البالونات الملونة وإلقائها من الشرفات للأطفال في الشوارع ليتهافتوا عليها ويلعبوا بها تهللا بالعام الجديد.