مقهى النوفرة: نقطة استقطاب لامعة في قلب دمشق

ما زال يحتفظ بالحكواتي وعمره يتجاوز الـ 5 قرون

مقهى النوفرة في قلب دمشق القديمة وأقدم مقاهي العاصمة السورية («الشرق الاوسط»)
TT

على الرغم من أن مساحته الداخلية لا تتجاوز الستين متراً مربعاً وجزءه الخارجي حوالي الثلاثين متراً مربعاً، فان مقهى (النوفرة) الدمشقي يتمتع بشهرة كبيرة واسعة خاصة بين السياح الأجانب الغربيين والشرقيين. والسبب ببساطة أنه أقدم مقهى في دمشق بل وفي سورية، وهو ما زال يستقبل زبائنه منذ 500 عام، كما انه المقهى الدمشقي الوحيد الذي ما زال يحافظ على مفردة تراثية هامة وهي فقرة الحكواتي، بعد أن تخلت عنها كل مقاهي دمشق قبل خمسين عاماً مع انتشار التلفزيون وانطلاقه بدمشق عام 1960، فاستبدل أصحاب المقهى الحكواتي الذي كان يماثل التلفزيون بقصصه المثيرة وأدائه التمثيلي الحماسي اللافت بالتلفزيون الذي وضعوه في صدر المقهى ليحل محل كرسي الحكواتي، باستثناء النوفرة فقط، حيث ظل الكرسي موجوداً، وظل الحكواتي يعمل، بل وكرم أصحاب النوفرة الحكواتية بأن علقوا صورهم على جدران المقهى احتفاء بالراحلين منهم.

يكشف صاحب المقهى أبو شادي الرباط السر في شهرة النوفرة رغم صغر مساحته لـ«الشرق الأوسط» رغم صغر مساحته قائلا: «شهرة مقهانا جاءت من قربه من الجامع الأموي الشهير ووجوده في منطقة ذات ثراء معماري أثري فريد، حيث منها تتفرع كل حارات دمشق القديمة وصولاً للعمارة وباب توما وبالتالي كل من يريد التجول في حارات دمشق القديمة بعد أن ينتهي من زيارة سوق الحميدية والجامع الأموي سيمر من أمام مقهانا وستجذبه أيضاً عمارته الجميلة رغم صغر مساحته كما يمكنه الاستمتاع في الهواء الطلق من خلال جلوسه في واجهة المقهى التي تطل على الجامع الأموي، حيث ينزل إلى المقهى من أمام احد مداخل الجامع ببضع درجات. كذلك سر الإقبال الكبير على مقهانا (المسجل أثرياً وسياحياً)، هو أننا ما زلنا نحافظ على أسعار بسيطة للمشروبات لم تتغير كثيراً منذ عشرين عاماً، حيث يقدم المقهى بشكل رئيس المشروبات الساخنة كالشاي والقهوة التركية والكاكاو والميلو والباردة كولا والعصير الطبيعي والزهورات وبأسعار لا تتجاوز الدولار الواحد ونقدم الأراكيل معسل وتنباك ونحن ورثنا المقهى عن أسرتنا منذ 150 سنة، أما تاريخ المقهى فيعود لأكثر من 500 سنة، ويعتبر أقدم مقهى دمشقي وحتى سوري سواء الشعبي منها وغير الشعبي. وشهرته تعود إلى محافظته على التراث القديم وخاصة الحكواتي، وهو الذاكرة الشعبية للزبائن، ويتفوق على التلفزيون أحيانا. ومنذ تأسيس المقهى يوجد الحكواتي وعمارته أيضا تراثية، حيث فيه أعمدة أثرية وزخارف وزبائن المقهى أكثرهم من السياح الأجانب والعرب ويزور المقهى الكثير من الوفود والشخصيات الرسمية التي تزور الجامع الأموي، كما يجلس فيه وبشكل دائم عدد من الأدباء والشعراء والفنانين ومنهم شوقي بغدادي وعادل أبوشنب وكان من زبائنه الشاعر الراحل محمد الحريري وآخرون. أما التسمية فجاءت من الحارة التي يقع فيها المقهى وهناك بحرة مجاورة (فيها نافورة ماء) يمر منها نهر يزيد بارتفاع متر، وعندما توقف نهر يزيد عن الجريان من 50 سنة بقيت البحرة تعمل على المياه العادية المكررة.  في مسيرة مقهى النوفرة أيضاً أنه كان سباقا في استقبال أعمال الفنانين التشكيليين رغم صغره، فقد أقامت فيه التشكيلية السورية ريم الخطيب معرضاً وكذلك التشكيلي الفلسطيني محمود شاهين، حيث احتضنت أعمدة المقهى ولسنوات عديدة أعماله ولوحاته الفنية بالاتفاق مع أصحاب المقهى قبل أن يتركه منهياً تجربة فنية تسويقية سياحية لافتة ومميزة. وأسأل أبو شادي الرباط: مع انتشار مئات المقاهي والمطاعم والفنادق في دمشق القديمة وبمساحاتها الواسعة وزخارفها المتنوعة، ألم تؤثر على شهرة النوفرة؟! فيجيب أبو شادي مؤكداً أنها لم تؤثر حتى المقاهي الحديثة وبخدماتها العصرية علينا، فزبائننا لا يتركوننا مطلقاً كما أن الحكواتي لا يتخلى عن المقهى ونحن لا نتخلى عنه مطلقاً حتى عندما ترك لفترة قصيرة جئنا بحكواتي آخر ممن يجيدون العمل أو عملوا فيها قبل سنوات. والطريف هنا أيضاً أن مقابل مقهى النوفرة يوجد حمام يعتقد أنه أقدم حمام دمشقي ما زال قائماً ويسمى أيضاً بالنوفرة، وهو الوحيد الذي يصعد إليه بدرج بينما كل حمامات دمشق أخفض من الأرض وينزل إليها بدرج، ولكن مع الشهرة التي اكتسبها مقهى النوفرة قرر أصحاب الحمام تحويله لمقهى على مبدأ (ما حدا أشطر من حدا) وأطلقوا عليه أصحابه مطعم الشام القديمة وهو ليس مطعم ـ يقول أبو شادي الرباط ـ ويشغله مقهى مثلنا؟!