عثمان بليهو لـ «الشرق الأوسط»: الإيطاليون يشترون الملابس الصينية ويبيعون لنا بضاعتهم

خياطو البلقان يخسرون الرهان أمام الملابس الجاهزة

الخياط شمس موييتش في مشغله («الشرق الأوسط»)
TT

يعتبر الكثيرون في البلقان أن زمن خياطة الملابس عند الخياط قد ولى، وأصبح من مخلفات الأناقة الكلاسيكية، في عصر يتسم بالاختزال والتركيز والسرعة، وتهجين كل شيء حتى الملابس، حيث يضع البعض ربطة عنق على قميص متدل على بنطلون جينز، وما شابه ذلك. لاسيما فئة الشباب، ولهذه الأسباب وأسباب أخرى يشكو الخياطون من انفضاض الزبائن. وقال الخياط شمس موييتش (51 عاما) لـ«الشرق الاوسط» «أعمل في هذا المجال منذ 1975، وهو تقليد في العائلة منذ عشرات السنين، ولكن يبدو أنني سأكون آخر خياط في العائلة»، وتابع «لدي 4 بنات إحداهن متزوجة والبقية طالبات في عدد من الكليات، فواحدة في كلية الاقتصاد، والثانية في كلية هندسة الطرقات، والثالثة في كلية الدراسات الاسلامية». وعما إذا كان هناك تغير في ميول الناس، من تاريخه الطويل في المهنة قال: «في السابق كان هناك عمل، وكانت هناك رغبة لدى الناس في خياطة الملابس، ولذلك راهنت كالكثيرين على هذه المهنة، أما الآن فقد تغير كل شيء تقريبا». وتابع «الملابس الجاهزة تزحف من كل الاتجاهات والزبائن، ولظروف متعددة منها الأزمة الاقتصادية وتغير النظرة للملابس وفارق الأسعار، أصبحوا يفضلون الملابس الجاهزة فهي أرخص سعرا بينما خياطتها عند خياط يكلفهم كثيرا». وذكر شمس موييتش أن «الصناعات المحلية كانت محمية قبل انهيار الأنظمة الشمولية السابقة في البلقان، أما اليوم فهناك موجات من السلع الرخيصة القادمة من مختلف دول العالم ولاسيما الصين». لكنه أشار إلى أن لديه حرفيون دائمون إلى جانب احتياج الكثير من الحرفيين لإدخال تعديلات على الملابس الجاهزة التي يشترونها من المحلات المختلفة».

وذكر موييتش أن له شقيقا في كاليفورنيا بالولايات المتحدة، يعمل هو الآخر خياطا، ولكن هناك فرقا كبيرا بين دخله وما يدره محل شقيقه من مال: «لدي أخ في كاليفورنيا بالولايات المتحدة الاميركية يجني يوميا 300 دولار بينما لا يزيد دخلي اليومي عن 25 يورو، فهو إذا قام بتحديد طول بنطلون مثلا يحصل على 15 دولارا أما هنا فسعر ذلك لا يتجاوز 2.5 يورو فقط». وقلل من تأثير المصانع المحلية على عمل الخياطين: «هناك الكثير من المصانع التي تضررت بسبب الحرب، ولم تعد للإنتاج أو عادت بطاقة إنتاج أقل ويد عاملة أقل، بعد أن كان الواحد منها يستوعب أكثر من 15 ألف عامل، والمصنع الوحيد الذي ظل يعمل أصبح متخصصا في خياطة ملابس الجيش والشرطة». وعما إذا يفكر في توريث مهنته لأحد من أسرته قال: «بناتي يفضلن العمل في مجالات أخرى، فإحداهن متزوجة والثلاث الباقيات يدرسن بالجامعة، الاقتصاد وهندسة الطرقات والدراسات الاسلامية» وأشار إلى شاب يعمل معه قائلا «ربما هذا من سيبقى هنا في هذا المحل بعد وافاتي». وقال الخياط عثمان بليهو من مواليد (59 سنة) «منذ 1967 وأنا أعمل خياطا، وكنت قد قضيت مدة 8 سنوات في مصنع الهوست، الذي كان يوظف الآلاف من العمال» وعما إذا كانت مهنة الخياطة أفضل في السابق، أخذ بليهو نفسا عميقا، وحرك رأسه بالايجاب «العمل في السابق أفضل، كان هناك حرفيون كثيرون، ولم تكن هناك سوق سوداء، مثلما هو الحال حيث فتحت الأبواب للانتاج الصيني بدون مراعاة للانتاج المحلي، ولآلاف الخياطين الذين يعملون لحسابهم الخاص ويعيلون أسرهم من هذا العمل» ولكونه متخصصا في خياطة الطواقم والبدل الرجالية والنسائية فإنه صب جام غضبه على الملابس الايطالية «الايطاليون يحتلوننا اقتصاديا، مواطنوهم يشترون الملابس الصينية وهم يبيعون لنا ملابسهم، وهذا أثر على عملنا، ليس لأن عملهم أفضل قطعا، ولكن لأن الدعاية كبيرة جدا والناس يصدقون البروباغندا الايطالية، إضافة لعقد مركبات النقص تجاه أوروبا الغربية». وعما إذا كانت هناك أسباب أخرى غير البروباغندا والدعاية، تدفع الناس لاختيار الملابس الصينية والايطالية قال «نسبة الفقر تزداد بين سكان البلقان وأوربا الشرقية، بل بين سكان العالم، ولذلك هناك إقبال على السلع الصينية الرخيصة في مختلف الدول الاوروبية بما فيها الصناعية، وطبقة الأثرياء يميلون لانتاج الشركات العالمية، وضعنا نحن بين الطرفين، بيد أننا لم نخسر كل شيء فنحن لا زلنا نعمل ولكن بمستوى دخل أقل من السابق مع ارتفاع تكاليف المعيشة». بدوره قال صاحب مصانع ومحلات كرانوف للملابس الجاهزة، أمير كرانوف «لدينا تقاليد عريقة في هذا المجال تعود لاربعة أجيال خلت، حيث بدأت أسرتنا العمل منذ 1886: « لدينا مجموعات كبيرة من المحلات و6 شركات للخياطة و3 مصانع أحدها في غوراجدة ( 90 كيلومترا شرق سراييفو) واثنان في سراييفو، ولدينا 100 محل لبيع منتوجاتنا داخل منطقة البلقان».

ووفقا لصاحب محلات كرانوف فإن لديهم في سراييفو فقط 650 عاملا، ولا يكتفون بالسوق المحلية والإقليمية وإنما يصدرون لعدة دول. وعن كيفية توزيع منتوجاتهم في الداخل والخارج، أشار إلى أن «50 في المائة لداخل منطقة البلقان وشرق أوروبا، ولا سيما كرواتيا وسلوفينيا و25 في المائة للسوق الماليزية و15 في المائة للولايات المتحدة والبقية نوزعها في عدد من الدول الاوروبية الغربية». وحول كمية الانتاج أوضح كرانوف أن مصانعهم تنتج «20 ألف بدلة، و30 ألف قميص و60 ألف ربطة عنق سنويا» وإلى جانب ما تنتجه مصانع كرانوف توجد شركات تعمل لصالحها مثل شركة مورا في سلوفينيا.

وعن التأثير الصيني قال كرانوف: «الصين تدفع بكميات كبيرة من انتاجها للخارج، ولكن المشكلة تكمن في الجودة فهي قليلة الجودة لذلك ليست لدينا مخاوف من الانتاج الصيني». وعن تفسيره للاقبال على المنتوجات الصينية قال «لانها رخيصة، ولكنها لا تعمر كثيرا فبعضها يبلى بعد غسله لمرة واحدة، لذلك نحن على ثقة بأن المستهلك الذي يجربها لن يعود إليها». كذلك هو الحال مع باعة الملابس المحلية الجاهزة إذ أنهم بدورهم من قلة الإقبال على بضاعتهم، لكن من يطلع على الأسعار تصعقه الأرقام المرتفعة مقارنة بالرواتب المجمدة منذ عدة سنوات، وزاد الطين بلة انخفاض صرف سعر العملة. وتتراوح أسعار القمصان المحلية بين 60 و40 يورو، فيما تصل أسعار السترات والمعاطف إلى ما بين 300 و800 يورو. وهذا ما يكشف عن سر لجوء الناس للاسواق الشعبية والملابس الصينية، حيث لا تفي الرواتب بما فيها رواتب الموظفين التي تتراوح بين 500 وألف يورو بمستلزمات الحياة في ظل أزمات القرن 21 المستعصية والمعقدة والمتفاقمة.