7 رؤساء سود سبقوا أوباما.. لكن على الشاشة فقط

كيف صنعت السينما رئيساً

كريس روك في فيلم «رئيس الدولة» وهو من الأفلام التي ساعدت على تخيل وقوع النقلة النوعية التي حققها أوباما قبل أن تقع بفترة طويلة (نيويورك تايمز)
TT

أبرز انتصار باراك أوباما في منتصف نوفمبر (تشرين الثاني)، للكثيرين ممن عقدت ألسنتهم الدهشة من الأميركيين والكثيرين في مختلف أصقاع العالم، أننا كنا نتوقع رؤية رئيس أسود، وقد كان هناك سبعة رؤساء من السود ولكن ليسوا في البيت الأبيض الحقيقي بل على شاشات السينما والتلفزيون.

وهؤلاء الرؤساء هم جيمس إيرل جونز في فيلم «ذا مان» ومورجان فريمان في فيلم «ديب إمباكت» وكريس روك في فيلم «هد أوف ذا ستيت» ودنيس هايسبيرت في «24» وقد ساعدتنا تلك الأفلام في تخيل انتصار أوباما التحولي قبل حدوثه. وبصورة أخرى لقد سرّعت تلك الأفلام من قدوم تلك اللحظة.

عبارة لا تخطئ: يستمر رفض هوليوود التاريخي لاحتضان فنانين سود وإصرارها على استخدام لغة التشويه العنصري المبالغ فيه والتقليد حتى يومنا هذا. وخلال الأعوام الخمسين الماضية - أو لكي نكون دقيقين، في الأعوام الـ 47 التي توازت مع مولد أوباما - تبدلت حياة السود في أفلام هوليوود من العيش في أحياء المنبوذين إلى مكاتب مجلس الإدارة ومن العمل في المطابخ والاسطبلات والأفلام الاجتماعية إلى الاجتماعات رفيعة المستوى للنجوم من الفئة الأولى في هوليوود. وقد ساعدت الأفلام في تلك السنوات على إبراز صور الحياة اليومية للسود، من خلف ما أسماه دبليو إي بي بويز «حجاب كبير» وخلق مساحات عامة يمكننا من خلالها إلقاء نظرة على ماهيتنا وإلى ما يمكن أن نؤول إليه.

وقد أسهم العاملون في الحقل السينمائي على اختلاف أشكالهم كتشارلز بيرنت وسبايك لي وجون سينجلتون بصورة كبيرة في هتك ذلك الستار، تمامًا مثلما فعل الممثلون الذين حاربوا وتجاوزوا تلك الأنماط الثابتة من التوحش والخنوع والاستسلام، لنقل صور جديدة أكثر صدقًا وثراءً لحياة السود.

بمرور الوقت، ظهر نموذج البطل الأسود مثل ويل سميث في «يوم الاستقلال» الذي يخرج من الرماد - في حالة هذا الفيلم من الرماد الكامن في البيت الأبيض - لكي يصحح الأوضاع أو عطلة العائلة، ولا تعد أفلام نصف القرن الماضي نبوءة على ما نشهده اليوم لكنها تقدم صورًا ولوحات سريعة ومناقشات وأحيانًا صوراً غنية للرجل الأسود تتناول موضوعات تتعلق بالهوية وإمكانية الارتقاء للسلطة. وقد ساعدت تلك الأفلام في تسطير فترة ما قبل رئاسة أوباما.

تاريخ الأميركيين ذوي الأصول الأفريقية الحديث، ككل الأمور الأخرى سلسلة من الأوائل، فأول نجم سينمائي أسود - أول من يفوز بجائزة الأوسكار على دور البطولة وأول من يوضع اسمه فوق عنوان الفيلم في الإعلانات - هو سيدني بواتييه. وقد حمل بواتييه خلال فترة الستينيات عبئاً خاصًا، كونه الأسود الوحيد في السينما، وقد أصبح صورة رمزية ليس فقط لكل الأميركيين السود وإنما للأمة بأسرها.

في عام 1961 لعب بواتييه دور والتر لي ينج الشخصية الطموحة غير السوية في فيلم «ريزين إن ذا صن». وتسلط الأدوار التالية على بعض من غضب الشخصية ومثاليتها، لكنهم كانوا مشغولين بالتعامل مع الأسئلة الشائكة حول سلطة الأميركي الأسود ذي الأصول الأفريقية. وكيف يمكن لرجل أسود أن يؤكد قيادته في المجتمع الذي يتوقعه وهو ومستعد في أغلب الأوقات لتقديم تبعيته؟ كيف تمكن من التوافق مع عالم البيض دون التضحية بتكامله أو احترامه لذاته.

وبمواجهة تلك التحديات في أفلام مثل «إن ذا هيت أو ذا نايت» و«خمن من الضيف على العشاء» أصبح بواتييه سفيرًا إلى أميركا البيضاء ورمزا معتدلا لقوة السود بالرغم من أن حركة السود لم تكن تعتبره كذلك. وما إن انطلقت تلك الصور الحماسية والتكاملية والحرة في عام 1967 حتى بدأت تبدو وكأنها عتيقة الطراز وساذجة، وعندما غطت المظاهرات ساحات المدن الأميركية وهدد الرجال السود المسلحون بالقضاء على رمز الحرية المدنية. وقد اتهم بواتييه المفكر السياسي بعيد النظر والناشط الجاد بكونه غير ملم بالعرق على نحو كاف.

وفي عام 1971 بعد عامين من توبيخ المفكر الأسود لاري نيل لسيدني بواتييه في صحيفة النيويورك تايمز (ليس هناك من معنى في أن تكون فتى ثريًا ترتدي أحذية لامعة) أسهم إنتاج مالفين بيبلز المستقل «سويت سويتباكز بآداس سونج» في تقديم صورة جديدة للأميركيين ذوي الأصول الأفريقية. وقد أشاد به هيوي بي نيوتن كأجرأ فيلم ثوري صنعه رجل أسود، حيث «قدم هذا الفيلم المشاكس محدود الميزانية وبطله الأسود بديلاً لشكل الرجل الأسود الذي دأب بواتييه على تقديمه».

وعلى الرغم من وقوفه كرمز لقوة السود أو الشهوانية الجنسية والأشياء الأخرى، إلا أن هذا الرجل الأسود المحب للجنس أصبح مطمحًا لاستغلال الرجل الأبيض، وفي السنوات التي كان فيها الكثير من العذارى والعاهرات من كل لون موجودة في الأفلام الخاصة بالنساء، كانت الشخصيات الذكورية السوداء في الأفلام منقسمة عبر محاور الفضيلة والخطيئة ومجبرين على لعب إما دور الشرطي أو قاطع الطريق، أو القديس أو الشخصية المعقدة نفسيًا. تلك هي الغواية بالنسبة للخارجين عن القانون من السود، وبعد مشاهدة مورجان فريمان يظهر على الشاشة كقواد يدعى فاست بلاك في غمرة دراما 1987 «سمارت ستريت» تحفزت باولين كايل لتسأل عما إذا كان أفضل ممثل أميركي.

وقد شهدت سينما أبطال الأفلام من الزنوج انتعاشة على الشاشة كآباء ملهمين وكتابعين، على غرار معلم الجيدي الأخضر الصغير الذي يعلم لوك سكاي ووكر في الجزء الخامس من سلسلة حرب النجوم - «الإمبراطورية ترد الضربة». وعلى عكس الممثلين قليلي الخبرة من أمثال كيانو ريفز وآشلي جد وبن أفليك، يمكن الاعتماد على مورجان فريمان، على نحو خاص، في تقديم الاستشارة حتى إلى أدق سبل الحياة اليومية بالتوافق مع الشعور بالهدف والجدية الأخلاقية. نبرة الحنق في صوته إنما هي دليل على طرق السفر الشاقة والطويلة وتشير في الوقت ذاته أيضًا إلى الإرهاق، وعيون حزينة كما لو أنها شاهدة على ألم حقيقي، مثل جيمس إيرل جونز قبله على الرغم من كونه أقل رخامة في الصوت إلا أن فريمان أصبح المقصد الأول لرواية صوت الرب للعب دور بيج مان أبيستيرز.

ويودا ذاته خيال علمي مناقض لجينمي كريكت ذلك المخلوق الجميل الذي كان يسدي النصح لبينوكيو في رائعة ديزني الكلاسيكية التي عرضت عام 1940 بالقول: «ليكن ضميرك هو مرشدك على الدوام»، وغالبًا ما قدمت الشخصيات السوداء في هوليوود ذلك النوع من النصح والاستشارة الصديقة من الخطوط الجانبية كما فعلت هاتي ماكدانيل عندما وبخت بصورة أموية (وحمت) فيفيان لي في فيلم «جن وز ذا ويند» أو عندما علّم العم بيل روبنسون (إيه كيه إيه بوجانجلز) شيرلي تمبل كيف ترقص في فيلم «ذا ليتل كولونيل». وقد أحدثت تلك العلاقات بين الناصح والمعلم ما أسماه المؤرخ دونالد بوجل «التعلق بهاك فين» وهي الأفلام التي يقوم فيها الرجل الأبيض بمحاربة الفساد المتفشي (بين البيض)، ودائمًا ما يكون مصحوبًا «بأسود موثوق به لا يتشاجر أبدًا مع الرجل الأبيض والذي يخدمه كشخص موثوق به». وقد ارتقت مكانة الرجل الأبيض من هذا الاتحاد لأن السود يبدو أنهم يمتلكون الروح التي يبحث عنها الرجل الأبيض». مخلّصون ومستشارون وبطارقة ووسطاء روحانيون وآخذون بالثأر، تلك هي نماذج الأدوار التي يلعبها السود ولكن مقارنة بكل ذلك فكونك رئيساً يبدو وظيفة مباشرة جيدة. باراك أوباما، مع ذلك كله، هو رجل واحد (نصف أسود)، ويعمل من نص لم يكتب بعد، لكن فانتازيا الأبطال السود التي عمت مجتمعنا تعطي بعض الشعور بما تأمله هذه الدولة من قائدها الجديد، والذي لن تكافئ أعباؤه القادمة أعباء الرؤساء الاثنين والأربعين الذين سبقوه.

* خدمة «نيويورك تايمز»