السعودية: اقتناء السيارات القديمة.. من هواية إلى تجارة

يعود تاريخ بعضها إلى النصف الأول من القرن الماضي

نماذج مختلفة لسيارات كلاسيكية قديمة («الشرق الاوسط»)
TT

هواية اقتناء السيارات القديمة واحدة من أكثر الهوايات تكلفة في العالم، وهي هواية تكاد تتحول لدى المعجبين بها إلى هوس، يشبه هوس جامعي التحف النادرة، لا سيما أن الكثيرين من أصحاب هذه الهواية يعتبرون أنفسهم جامعي تحف، لكن التحف هنا هي «سيارات» حقيقية، وهي هواية مكلفة، ليس فقط على الصعيد المادي، وإنما على صعيد الوقت والجهد أيضاً.

الكثير من الهواة توارثوا هذه الهواية من الآباء، فهي لا تعرف عمراً زمنياً يختص بالشغوفين بها، وبشكل خاص في بلد كالسعودية تجد مقتني السيارات من هذا النوع من مختلف الأعمار، لكنهم قطعاً ليسوا إلا من شريحة اجتماعية واحدة تمكنهم من متابعة شغفهم الذي يتطلب دخلاً عالياً، وهم في الغالب يهوون سياراتهم إلى الحد الذي يمنعهم من مجرد التفكير في بيعها أو التخلي عنها، وقد يصل الأمر بالبعض إلى الاحتفاظ بها داخل كراج منزله، بعيداً عن أعين مَنْ لا يقدِّرون مثل هذه التحف النادرة، محاطة بكل سبل العناية والتكريم. سري سعيد شعبان،37 عاماً، بدأ هوايته المكلفة من عمر السابعة، من خلال مشاهدته للأفلام السينمائية القديمة، حيث بهرته تصاميمها، ليتنامى شغفه بها مع مرور الزمن، معززاً بالمعلومات التي بدأ بجمعها عن السيارات القديمة وصناعتها وتاريخها وقطع غيارها، ليبدأ بعدها رحلة البحث عن سيارة تناسب شخصيته. وتضم مجموعة سري سيارتين كلاسيكيتين غير معدلتين، لا تزالان تحتفظان بسماتهما الأصلية، وبحالة جيدة، رغم مرور السنوات، وهما من طراز كاديلاك، حيث يعود تاريخ الأولى إلى عام 1937م، والثانية من نوع سيفل كوبيه موديل 1951م، وهو فخور جداً بأن سيارته هذه لم يُصنع منها سوى 4 آلاف سيارة فقط، تبقى منها حالياً 500 سيارة في العالم كله، إلى جانب سيارة كلاسيكية معدلة، فازت بالعديد من الجوائز في معارض ومسابقات خاصة لعرض هذا النوع من السيارات. وتضم المجموعة سيارة إمبالا شفر 1964م، كانت نجمة لامعة في مسابقات عالمية ومحلية، بالإضافة إلى طلتها الهوليودية في بعض الأفلام وأغاني الهيب هوب. يقول سري إن سيارته الإمبالا، التي لا يمكن أن يفكر في بيعها، تندرج ضمن نوع السيارات الكلاسيكية المعدلة، التي يقوم صاحبها بتعديلها وتحديثها وإظهارها بشكل جديد يختلف عن مظهرها في أول تصنيعها؛ ليكون أكثر تعبيراً عن شخصية المالك، وهي أقل سعراً، مقارنة بالسيارات الكلاسيكية غير المعدلة. ومن وجهة نظر خبير متابع ومحنك في هذه الهواية، يقول سري شعبان بأن سيارات أوائل الخمسينات أغلى سعراً وأكثر ندرة، بسبب ارتفاع سعر الحديد آنذاك، نتيجة التأثيرات الاقتصادية المترتبة على الحرب العالمية الثانية، وهو ما أدى إلى ارتفاع أسعار الحديد بشكل كبير، وأثر في إنتاج السيارات حينها، وحدَّ من عددها، رغم عدم وجود مميزات صناعية في كثير منها. وتعتبر الولايات المتحدة السوق الأكبر لهواة جمع السيارات القديمة، على اعتبار أنها أهم الدول المصنعة لهذا النوع من السيارات، الأمر الذي جعل الكثير من المسابقات العالمية الخاصة بأصحاب هذه الهواية وتجمعاتهم تقام فيها، إلى جانب توفر قطع الغيار الملائمة للموديلات القديمة جداً.

يكون لتاريخ السيارة ـ في أحيان كثيرة ـ الكلمة الأعلى في تحديد سعرها، كما يقول سري، خاصة إذا كانت السيارة قد ارتبطت بشكل أو بآخر بمشاهد سينمائية، أو بأحداث تاريخية معينة، فعلى سبيل المثال.. زاد الطلب على السيارات من طراز فور جالكسي كثيراً بعد حادثة اغتيال الرئيس الأمريكي جون كينيدين، عندما كان يستقل إحداها. ويعتمد تقييم سعر السيارة عادة على عمرها، ومتانتها واحتفاظها بصلابة تصنيعها وتسلسل أرقام قطع غيارها التي تؤكد أصالتها، وكونها لم يطلْها أي تغيير، وحالة السيارة من الداخل، وتزداد قيمتها على قدر حفاظها على هيئتها الأولى بشكل جيد.

وتزداد صعوبة إيجاد قطع غيار هذا النوع من السيارات التي مر على صنعها أكثر من خمسين سنة. يقول شعبان: «إيجاد قطع الغيار محكوم عادة بعدد إنتاج هذا النوع من السيارة، فكلما ازداد عدد إنتاجها، ازدادت سهولة إيجاد قطع الغيار المطلوبة، والعكس صحيح».

أما عن الصعوبات التي تواجه مقتني السيارات القديمة في السعودية، فـ «حدث ولا حرج»، كما يقول سري، الذي يؤكد أن معظم مقتني السيارات يقومون بشرائها واستيرادها من الخارج، وقليلة جدا هذه السيارات التي تباع داخل السعودية، والتي غالباً ما تكون مهملة، وتكمن الصعوبات في بعض الإجراءات، مثل عدم وجود سياسة جمركية واضحة للتعامل مع السيارات من هذا النوع، فليس هناك رسم محدد، إضافة إلى إشكاليات ناجمة عن تصنيفات هيئة المواصفات والمقاييس التي لا تراعي عدم وجود مزايا معينة في السيارات المصنعة في فترة الخمسينات والستينات، فهي ليست مزودة بحزام أمان، ولا مسَّاحات، وبعض الاشتراطات الأخرى التي يستلزم النظام وجودها في السيارات حالياً لمنحها تصريحا جمركياً، وهو ما يُوقع هواة السيارات في إشكالية، نظراً لأن السيارة المستوردة ليست للاستخدام اليومي، ولكنها تحفة فنية يريد صاحبها الاحتفاظ بها وصيانتها، أكثر من كونه يستخدمها كوسيلة مواصلات. الوجه الآخر للمهتمين بهذه الهواية يمثله عبد الرحمن المرشدي، وهو يلاحق أخبار السيارات ومزاداتها، ليس لاقتنائها ـ كما يفعل سري ـ ولكنه يتابعها بشغف لسبب مادي بحت، وهو الربح الوفير الذي يحصل عليه من تجارة هذه السيارات.

يقول المرشدي: «تدر هذه التجارة أرباحا مرضية في ظل إقبال الشباب على شرائها، فبعض هذه السيارات القديمة جدا تباع بأسعار غير معقولة، فقد تباع بأكثر من 60 ألف دولار بعد مزايدات عدة بين الزبائن، في حين أنه في بعض الأوقات قد لا نستطيع إرجاع رأس ماله». وأضاف المرشدي أنه يتطلع إلى فتح صالة متخصصة لبيع السيارات القديمة، عقب تنامي الطلب عليها من الهواة من شريحة الشباب.