السمسار.. إمبراطور الحياة التجارية في مصر

يمتد عمله من العقارات وحتى تجارة الأعضاء البشرية

حوار.. مع سمسار («الشرق الاوسط»)
TT

«جلست انتظر عند الحلاق لكي أقص شعري، وعندما جاء دوري لم أتمكن من القص، لأن العامل المكلف بذلك كان جديدا، واختلف مع السمسار الذي أحضره للعمل، حول النسبة التي سيحصل عليها من أجره، فرفض إكمال العمل وانصرف».

هكذا بدأ محمد إبراهيم، حديثه عن أحدث أنواع السماسرة في الحياة اليومية للمصريين، الذي يمكن وصفه بأنه «ملك السوق».

فحتى وقت قريب، كان نشاط «السمسار» يقتصر على العقارات والمحلات التجارية والسيارات، أما اليوم فيمتد نشاط «السماسرة» ليشمل، إلى جانب ما سبق، الهواتف المحمولة والأجهزة الكهربائية والعمال والأوراق المالية ولاعبي كرة القدم ... وحتى تجارة الأعضاء البشرية.

ولعل المثير أنك لن تجد أحدا من «ملوك السوق» مهنته الأساسية «السمسرة»، بل ستجد أن أغلبهم يعملون في مهن أخرى. فبعضهم حراس عقارات أو عمال أو تجار صغار، أو حتى من الموظفين الحكوميين منخفضي الدخل، ومعظمهم نزحوا إلى القاهرة من محافظات أخرى طمعا في مستوى معيشي أعلى، ومنوا أنفسهم بالثراء السريع، لكنهم عندما صدموا بقسوة الواقع، وجدوا في الجنيهات التي يكسبونها بعد عمل غير شاق، وربما غير طويل أيضا، تحقيقا لبعض أحلامهم.

وما أسهل أن تجد «سمسارا» في شوارع القاهرة. إذ تجد عنوانه مكتوبا على لافتة، أوقد تكون ورقة أو قطعة خشبية، معلقة على شجرة أو عمود إضاءة، وعليها رقم هاتف وكلمة «سمسار» أو «وسيط». وإن لم تجد اللافتة، فما عليك إلا السؤال في أقرب مقهى شعبي عن «سمسار» المنطقة، لتجد ألف من يدلك على شخص، يرتدي في الأغلب جلبابا بلديا، ويتكلم بلهجة غير قاهرية.

ولكن في الآونة الأخيرة، ظهرت نماذج جديدة من «السماسرة»، يجلسون في مكاتب مكيفة، ويتحدثون بلهجة راقية، ويرتدون ملابس فخمة. نشاط مكاتبهم المعلن هو «خدمة رجال الأعمال»، وهؤلاء يقدمون خدمات متنوعة، أهمها تأجير الشقق السكنية أو الشقق المشبوهة، وتأجير السيارات. بل إن انتشار الإنترنت ساهم في إنشاء البعض مواقع تعمل كـ«سمسار إلكتروني»، وتوفر المعلومات عن مختلف السلع، وقد تكون مجانية، أو تأخذ مقابلا ماديا مقابل نشر الإعلان، وهو ما يمكن اعتباره بديلا عن «السمسرة». محمود الخضري (52 سنة)، يعمل بائعا للخضار في «سوق الاثنين» بوسط القاهرة، وإلى جانب ما يبيعه يعمل «سمسارا» للشقق والعقارات السكنية والتجارية، ليكسب مالا يساعده في تكاليف زواج بناته الخمس. ويقول الخضري «الأمر بدأ معي قبل 3 سنوات، عندما أراد أحد أصحاب المحلات المجاورة لي بيع محله، وأحضرت له مشتريا، وعندما تمت الصفقة كسبت منها مبلغا محترما، شجعني على التفكير في العمل بالسمسرة، إلى جانب بيع الخضروات». ويضيف «الذين يطلبون الشراء كانوا أكثر من البائعين، ولكن الآن في ظل الظروف الاقتصادية أصبح طالبو البيع أكثر من طالبي الشراء، وطالما العرض أصبح أكثر من الطلب، فالأسعار انخفضت عن مستواها بشكل كبير».

ويوضح محمود الخضري، أن أصعب أعمال السمسرة هي في الشقق السكنية المفروشة، ويشرح «تصاحب هذه الشقق مشكلات كثيرة، فأتحمل النتيجة إذا أفسد الساكن شيئا في الشقة، كما أن رجال الشرطة يطلبون بيانات مستأجري هذه الشقق، خوفا من استخدامها في أعمال مخالفة للقانون، وقد أقع تحت طائلة القانون في هذه الحالة، أو أصنف كشخص سيء السمعة في مجال السمسرة، وهو الأمر الذي قد يتسبب في إيقاف نشاطي».

أما أم هشام، فسيدة في الثانية والخمسين من عمرها، ترتدي ملابس أنيقة، وتضع غطاء رأس (حجاب) من عدة ألوان، تتماشى كلها مع ألوان بقية ملابسها، ما إن ترد أحيانا على هاتفها الجوال، حتى تجد هاتفها الآخر يرن. إنها «سمسارة» تعمل في بيع وتأجير الشقق السكنية بوسط القاهرة، وتتخذ من أحد مقاهي شارع البورصة مقرا لعملها. ومن يريد التعامل معها فعليه تحمل شروطها، فهي لا تعمل في البحث عن طلب الزبون، قبل أن يترك لها صورة من بطاقته الشخصية، ويدفع 100 جنيه (نحو 18 دولارا) لإثبات جديته، أو كما تقول «علشان تعبي ما يضعش في الأرض». كذلك تشترط أم هشام، على الزبون الذي يريد أن يشاهد شققا معروضة للبيع أو الإيجار، أن يوفر لها سيارة ملاكي أو أجرة، فهي لا تركب المواصلات العامة «لأنها تستهلك وقتا طويلا»، والوقت بالنسبة لها يعنى «رزق وأكل عيش»، فهي لا تعمل في أي مهنة بخلاف «السمسرة»، التي تمارسها لتكسب رزق أولادها الثلاثة اليتامى.

وتضيف أم هشام، «كان الزبائن يأتون لي لأخذهم لمشاهدة شقق لتأجيرها أو شرائها، وقد أذهب مع الزبون الواحد إلى عشر شقق حتى يجد ضالته، إلا أنه كان يتظاهر أن الشقة لا تعجبه ليتمم الصفقة مع أصحابها بعد ذلك، كي لا يدفع لي «السمسرة»، أو على الأقل لا يشتري في النهاية بعد أن ألف معه يومين أو أكثر».

وترفض أم هشام، فكرة اتهام «السماسرة» بالنصب قائلة «كيف ننصب على الناس وهم يعاينون ما سيشترونه قبل دفع قرش واحد؟ نحن فقط نطالب بنسبة معقولة من ثمن البيع ثمنا لجهدنا مع الطرفين، سواء البائع أو المشتري».

أما الحاج جمال عبد العظيم (64 سنة)، فيعمل «سمسار عمال» مهمته توفير العمال للمحلات التجارية المختلفة، على اختلاف نشاطاتها، من عمال أميين للنظافة، وحتى فنيي التحاليل بالمعامل الطبية. ويقول الحاج جمال «أقوم بالدور نفسه، الذي تقوم به مكاتب التشغيل أو مكاتب إلحاق العمالة المصرية بالداخل والخارج»، موضحا أنه «يتعامل مع أصحاب كل المهن أو الحرف المختلفة، مثل الجزارين والحلاقين والمكتبات أو المنجدين، أو محلات العصير، وحتى معامل التحاليل الطبية». ويوضح أنه «يأخذ 20 في المائة من دخل أول شهر للعامل، بالإضافة إلى 10 في المائة من صاحب العمل، ليصبح إجمالي ما يتقاضاه 30 في المائة من أول دخل للعامل من عمله الجديد». ويملك الحاج جمال قاعدة بيانات مهمة في محله، الذي لا تتجاوز مساحته العشرين مترا مربعا، والذي حوله إلى سنترال، أو مركز للاتصالات، يبيع فيه بطاقات شحن الهواتف المحمولة، وفيه خط هاتف أرضى وجوال لخدمة زبائنه. وهو يشترط على العامل قبل إرساله لصاحب العمل، أن يترك صورة من بطاقته الشخصية، لكي يؤمن نفسه، إذا ارتكب هذا العامل ما يخالف القانون.