منحوتات فسيفسائية من ستيفان رولان.. وحديقة متحركة بالورود من كريستيان ديور

اليوم الأول لأسبوع الموضة لربيع وصيف ‏2009‏‏ في باريس

TT

انطلق أسبوع الموضة للملابس الراقية «الهوت كوتير» يوم أمس كعادته كل سنة في عز الشتاء، لكن مشرئبا بعنقه لربيع وصيف 2009. وكالعادة، لم يخيب توقعاتنا في إبداعات تحاكي التحف في فنيتها وجمالها، وإنْ كانت تأثيرات الأزمة الاقتصادية قد بدأت تظهر على سوق المنتجات المترفة عموما، وهذا الأسبوع خصوصا. فقد تبنت بعض الأسماء الصغيرة مبدأ «مد رجلك على قد لحافك»، وانسحبت من الساحة حتى تمر العاصفة المالية بسلام، مكتفية بدعوة وسائل الإعلام والمشتريات لمعاينة تشكيلاتها في معاملها الخاصة، أو في قاعات مخصصة لهذا الغرض. ففي الموسم الماضي مثلا، شهدنا 23 عرضا، مقارنة بمشاركة 20 اسما فقط هذا الموسم، تترأسهم بيوت مثل: «ديور»، و«شانيل»، و«كريستيان لاكروا»، و«جيفنشي»، و«جون بول غوتييه»، و«فالنتينو»، و«إيلي صعب»، فضلا عن باقة من المصممين اللبنانيين، مثل جورج شقرا، وجورج حبيقة، وغيرهما. إن تنظيم أي عرض، مهما كان بسيطا، يتكلف عشرات أو مئات الآلاف من الدولارات. ومن هؤلاء، المنسحبين الواقعيين، نذكر المصممة الفرنسية، آن فاليري هاش، التي قالت إنها لن تشارك هذه السنة، لأنها تريد أن تقتصد حتى تتمكن من دفع رواتب العاملين معها. كما سيفتقد الأسبوع أيضا كلا من موريتزيو غالانت، وجون بول نوت، ومارك لوبيهان، وإيمريك فرانسوا، وماركة «بوديكا» البريطانية. من جانبه قال المصمم الفرنسي فرانك سوربييه إنه سيقدم عرضا متواضعا، حتى لا يغيب تماما. أما أبرز العروض التي يترقبها الجميع هذا الأسبوع في عاصمة الجمال والأناقة، إلى جانب عرضي المؤسستين الفرنسيتين العريقتين «ديور»، و«شانيل»، فهو عرض «فالنتينو»، والسبب هو متابعة بداية المصممين ماريا غراتزيا تشيوري، وبير باولو بيتشيولي اللذين حلا محل اليساندرا فاتشينيتي، التي كانت الدار قد استغنت عن خدماتها في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، بعد سنة فقط من تعاونهما معا. يتميز اليوم الأول دائما بالإثارة، نظرا إلى التوقعات من جهة، ولأن دار «كريستيان ديور» تكون حاضرة فيه، من جهة ثانية. ومعنى هذا أن مصممها جون غاليانو سيعمل على إبهارنا بخياله وجنونه على كل الأصعدة، بدءا من الأزياء إلى صعوده إلى المنصة لتحية الحضور وتلقي تصفيقهم الحار، مرورا بالإخراج والموسيقى والماكياج. وكالعادة بدأ العرض متأخرا، لكن هل هناك أي علامات تشير إلى تذمر الحضور؟. أبدا، فحتى قبل بدء العرض يستمتع الجميع هنا بالإبهار والجمال، ويتسلى بمتابعة وصول النجمات الواحدة تلو الأخرى، وركض المصورين نحوهن، بل إنك في عتمة المكان وجلبته، قد لا ترى من يجلس أمامك، لكنك حتما سترى بوضوح ما هو أبعد، بفضل الضوء المنبعث من عدسات كاميرات المصورين، الذي يوجه نظرك إلى مكان هؤلاء النجمات. فها هي ميشا بارتون تجلس إلى جانب كلير شازال، وماريون كوتيارد إلى جانب أوليفييه داهان، وإيستيل لوفيبير ليس ببعيد عن كل من ديتا فون تيس، وإلسا زايلبرشتاين، وآخرين. خلاصة الأمر أن عرض جون غاليانو، يعتبر الأكثر استقطابا للجميلات وسيدات المجتمع. ولم يخيب التوقعات، وإنْ غاب الجنون المسرحي. خلفية العرض هذه المرة كانت بسيطة، عبارة عن قطعة تبدو وكأنها زجاج معشق بألوان متوهجة، قال المصمم إنه استوحاها من الرسامين الفلمنديين ولوحات فيرمير، الأمر الذي انعكس على تشكيلته التي تضج بالحنين إلى الماضي والأمل في الحاضر في الوقت ذاته. فعلى نغمات مجموعة من أغنيات فرنسية رومانسية مفعمة بالحنين إلى موطن الطفولة السعيد في بيت قديم تحيطه حديقة غناء متفتحة بالورود والأزهار، توالت التحف على شكل قطع تغازل الماضي الجميل، لكنها تبحث عن الجمال في الحاضر أيضا. وجاءت النتيجة حديقة متحركة بورود من كل الأشكال والألوان، برزت فيها فساتين حالمة بتنورات ضخمة ببتلات تتفتح بسخاء، أو مطرزة بالورود من الخارج أو من الداخل، أي التبطين، وأكمام منفوخة بسخاء. الخصر وحده ظل، كما أراده المؤسس السيد كريستيان ديور عندما أطلق «دي نيو لوك»، مشدودا ونحيلا . بعد مجموعة من الفساتين القصيرة والمبتكرة، بدا وكأن هناك لفتة خفيفة للإمبراطورة أوجيني، من خلال فساتين فخمة بتنورات واسعة بطبقات سخية تستحضر مناسبات القصور في القرن الثامن عشر، مع العلم أن أوجيني هي التي أطلقت شعلة ما أصبح يعرف اليوم بـ «الهوت كوتير» عندما جعلت المصمم وورث مصممها الخاص في القرن الثامن عشر. طبعا لا يمكن أن يكتمل عرض غاليانو من دون إكسسوارات، فالقبعات مدهشة، لكن الأحذية كانت تحفا بحق، حيث إن كعوبها كانت أيضا على شكل ورود وبتلات متفتحة تجعل أي واحدة تحصل عليها محظوظة للغاية بغض النظر عن مدى عمليتها. العارفات بخبايا الأمور من النخبة والمشتريات لا يحضرن العرض بالضرورة لاختيار قطعة يمكنهن استعمالها مباشرة، كما هو الحال بالنسبة لباقي المصممين، ويعرفن مسبقا أن أغلبها ليس قابلا لذلك قبل إجراء تعديلات واقعية عليها، وهذا ما يجعل عرض غاليانو ممتعا وعبقريا في الوقت ذاته، لأنه يجسد مفهوم «الهوت كوتير» بمعناه الفني. صحيح أن البعض يأخذ عليه إغراقه في السريالية والفانتازيا، لكن ما يحسب له أنه يفهم احتياجات المرأة المتطلعة للتميز، التي تعرف تماما كيف توظف جنونه ضمن أسلوب حياتها. ديدييه غرامباش، رئيس غرفة الموضة الفرنسية ومؤسسها، يتفق أن هناك مرحلة من حياة أي مصمم يجد نفسه فيها محتاجا إلى استعراض فنيته. وصرح مرارا أن «الكوتير ليست صناعة.. إنها معرفة، ويمكن اعتبارها إضافة للأزياء الجاهزة، لكن في الأخير الموضة صناعة، وعلى المصمم أن يتنازل بعض الشيء، وإن كان عليه في فترة من حياته أن يتعامل معها كفن.. بل يجب أن تكون فنا، وإلا فإن أي ماركة لا يمكن أن تستمر».

لكن على ما يبدو، فإن جون غاليانو، وفي كل مواسم الهوت كوتير يجد نفسه مستحليا وغارقا في هذا الاستعراض الفني، الذي يغذي نرجسيته من جهة، وجوع الأنيقات إلى تحف رسمتها أنامله المبدعة، من جهة ثانية. وإذا عشقت هذه التشكيلة؛ فهذا يعني أن أسلوب حياتك، بلا شك، مثير وغني مثلها.في اليوم الأول، عرض المصمم ستيفان رولان أيضا تشكيلة، أقل ما يمكن أن يقال عنها إنها من تحت أنامل معلم وفنان. صحيح أن الفانتازيا غابت، لكن الفنية حضرت من خلال منحوتات وفسيفساء متنوعة. بدأ العرض بعشرة فساتين، كان القاسم الأبرز بينها أنها باللون الأسود، وأنها منحوتة بشكل يعانق الجسم. كل تصميم جاء مختلفا تماما، ويجعلك تحتار.. أيهم تفضل، فهذا بطيات أوريغامي، وهذا بطيات مستوحاة من الفسيفساء تتوجه إلى كل الجهات. فرولان، كما قال لنا، لا يريدها أن تكون بخطوط متوازية، بل حرص أن تبدو وكأنها عشوائية بعض الشيء. بعد هذه التشكيلة الخاصة بالكوكتيل، قدم مجموعة متنوعة لم يغب فيها الأسود، وإن كان هناك الأبيض والأحمر، سواء من خلال توكسيدو بجاكيت بوليرو وحزام على شكل كورسيه ضخم، أو على شكل تايورات بتنورات. التأثيرات كانت مختلفة، ففترة السبعينات كانت حاضرة من خلال قطع أشرك فيها البنطلون الضيق مع الصدر، لتتدلى من الظهر قطعة من الشيفون أو الأورغنزا وغيرها من الأقمشة الخفيفة التي تم التركيز عليها كثيرا.

الخمسينات أيضا كانت حاضرة من خلال فستان رائع ضيق عند الصدر، يشده حزام عند الخصر ليتسع على شكل تنورة مستديرة تغطي الركبة، وتزينه حوالي 150 قطعة زجاجية صغيرة مقطعة بالليزر بعناية شديدة لتضفي عليه البريق. ويقول المصمم إنه استوحاها من نفس الأسلوب الذي يستعمله حاليا لتصميم حقائب يد ينوي طرحها في الأسواق قريبا. وبالنسبة للمرأة العربية، فهناك أيضا فساتين سهرة يمكن أن تحل محل العباءة الشرقية تبدو على شكل فستان من الأكمام، لكن أكمامها ومنطقة الظهر تنسدل بسخاء لتمنح الراحة والأناقة على حد سواء.