حين تتجرأ 10 نساء على التقاط تفاصيل الحياة اليومية

معرض يقام في المركز الثقافي الفرنسي في بيروت

من صور رولا حلواني («الشرق الأوسط»)
TT

عشر نساء عربيات الجذور، لا يجمعهن إلا الفن. اجتمعن من خلال لقطات فوتوغرافية، لا تميزها إلا درجة حميميتها. ذلك أنهن لم يبحثن عن جمال في طبيعة، أو في ملامح وجه، أو في وضع معين، أو في أشكال معينة. كل ما في الآمر عدسات سعت لـ«تؤرشف» مواقف تفصيلية، للحظات مأخوذة من شريط الحياة اليومية. فكانت مجموعة من الصور التي تجول في معرض متنقل، يعرف اليوم محطته الثالثة، لبنان، وتحديدا في المركز الثقافي الفرنسي في بيروت، بعد فرنسا والجزائر.

صور ملونة، وأخرى بالأسود والأبيض، منها ما هو غاية في الوضوح، ومنها ما جاء مهتزا. صور تجعل من الإنسان عمودها الفقري، وأخرى تحاكيه من دون أن تظهره بشكل مباشر، إنما في كل اللقطات، ومن كل الزوايا، الحميمية هي الأساس، ولذلك هناك سعي واضح لإبراز التفاصيل.

الجزائرية، فريدة حاماك، أدخلت الزوار إلى منزلها بعشرين عملا فوتوغرافيا مؤطرا. التقطت صورا لأمها، لأبيها، لأخيها، لأختها وذيلت كل منها بعبارات توضيحية، وكأنها لا تريد لتلك اللحظات أن يتغلب عليها النسيان. وفي مدوناتها الصغيرة، تتحدث عن ذاك الصراع، الذي يعيشه المهاجرون، بفعل اكتسابهم ثقافتين، لا بل هويتين. الفلسطينية، رولا حلواني، اكتفت بست صور بالأسود والأبيض. وقفت عند نقطة تفتيش إسرائيلية. ومن الزاوية نفسها والإطار نفسه، رصدت العابرين الفلسطينيين من دون إظهار وجوههم. وكأنهم جردوا من إنسانيتهم، وصاروا كائنات يمكن معاملتها كيفما كان. حتى باتت أشياؤهم ومقتنياتهم تعرف عنهم. اللبنانية، أمال سعادة، وهي الفنانة الوحيدة الموجودة في لبنان، قدمت 12 صورة، أرادتها مقاربة مختلفة لحرب يوليو (تموز) 2006. وفي دردشة مع «الشرق الأوسط»، قالت: «خلال حرب تموز، بقيت مرغمة في باريس بسبب إقفال مطار بيروت، والحصار الذي فرضته إسرائيل على لبنان. كل ما تسنى لي رؤيته، هو تلك اللقطات التي بثتها وسائل الإعلام. وبما أنني عشت حرب 1975، فكرت في الناس الذين عانوا من القصف. لذلك، وفور انتهاء الحرب عدت. توجهت مباشرة إلى الجنوب اللبناني، حتى قبل أن يعود إليه الكثير من الأهالي. قابلت الناس، تحدثت إليهم. رووا لي معاناتهم وما قاسوه كل تلك الفترة. حدثوني عن تلك التفاصيل اليومية، التي لا يتسنى لنا الاطلاع عليها عبر وسائل الإعلام المحلية والعالمية، والتي تحول الإنسان مجرد رقم ينساه المشاهدون بعد دقيقة. في حين أن وسائل الإعلام الإسرائيلية تبث سيرة كل إسرائيلي يموت، فيبقى موجودا في الذاكرة. هنا تكمن المفارقة، لذلك سعيت وراء التقاط التفاصيل حتى لا يصبح ما حصل منسيا». ومن بين القرى التي زارت، اختارت أربعا، لتفرد صورها، هي البياضة، المنصورة، الزهراء، عين عرب، التي «تقع في محاذاة قرية الغجر الحدودية. تعمدت وضع صورة كبيرة لهذه القرية، بغية إبراز الإهمال المروع الذي يعيش فيه الأهالي».

كذلك، عرضت سعادة ثلاثة أشرطة فيديو، صورت فيها نفسها وهي تتجول في شوارع ثلاث مدن، باريس، وبيروت، وريو دي جانيرو. فبين هذه المدن الثلاث، أمضت حياتها متنقلة. وتقول عن هذه التجربة: «كأي مهاجر، يسكنني ذاك الشعور الغريب. أعيش في مدينة أحبها، وأتوق إلى مدينة أخرى. وفي كل مدينة لي أقارب وأصدقاء. لذلك أشعر بالانتماء إلى هذه المدن الثلاث بالتساوي. ومن خلال هذه الأشرطة حاولت أن أظهر رغبتي، في أن أعيش وأحقق أحلامي، في هذه المدن الثلاث في الوقت نفسه».