إيلي صعب يبعث الربيع في سماء باريس.. وفرانك سوربييه يحتمي بالفنية

في اليوم الثالث من أسبوع الموضة الراقية

الرومانسية تتجلى في فستان الزفاف عند صعب (أ.ب)
TT

شعر منفوخ ومرتب، أناقة متناهية، فرو ومجوهرات.. إنه عرض قبل العرض في «باليه دو طوكيو» الذي احتضن عرض المصمم اللبناني إيلي صعب يوم أمس. حضور من كل الأعمار والجنسيات.. جدات وبنات وحفيدات.. نجمات من كل الأقطار احتللن الصفوف الأمامية، نذكر منهن على سبيل المثال ميشا بارتون، الراقصة ديتا فون تيس، الممثلة رشيدة براكني، ميشال يو، هيفاء وهبي وأخريات. الجو كان مختلفا عما رأيناه في العروض السابقة، ربما لأن نوعية الحضور مختلفة. فهنا تشعر بأنك في عرس فخم، وأن الحاضرات يشعرن بنوع من الألفة مع مصممهن المفضل، إن لم نقل الحب، ومع بعضهن البعض، إذ يمكن القول إن العرض كان بالنسبة للعديدات مناسبة اجتماعية تبادلن فيها القبلات وأخبارهن الخاصة.

والحق يقال، إن متابعة منظر القاعة بما فيها من تنوع عرقي وأناقة وجاه وحميمية، فيه نوع من رد الاعتبار إلى هذا المصمم الساحر، الذي يمكنه الآن أن يبتسم ملء فيه، بل يقهقه بأعلى صوته منتشيا بنجاحه في وقت بدأ فيه العديد من بيوت الأزياء الكبيرة ومصمميها المخضرمين يشدون الحزام، بعد أن بدءوا يكتوون بنار الأزمة المالية العالمية. فالأيام أكدت أن وصفته أنجع وأنجح، وأن ولاءه للأسلوب الذي تفضله زبوناته، وانتقد من قبل البعض بسببه، أتى بنتائج إيجابية. كما أنه بالمثابرة في وسط لم يكن يعترف بالمصممين العرب في البداية، استطاع أن يحفر اسمه بقوة بينهم، ويتفوق على العديد منهم. فاليوم لا يكتمل أسبوع الموضة بباريس، سواء موسم الهوت كوتير أو موسم الملابس الجاهزة، من دون إيلي صعب، ولا تأخذ الرومانسية حقها من دونه أيضا.

مع بداية العرض، بدأت رائحة الربيع تنبعث في الأجواء من خلال ألوان هادئة وورود متفتحة، وإن كانت مصنوعة من الأقمشة فقط. إيلي لم يقدم يوما إخراجا فنيا، ولا ماكياجا صارخا من أجل الإثارة فحسب، بل يحرص أن تكون تسريحات الشعر واقعية والماكياج رومانسيا وخفيفا، حتى يبرز جمال الفساتين نفسها وحرفيتها، وأيضا حتى لا يرهق عيون زبوناته ويتعبهن في التفكير عن كيفية ارتداء فستان أو تنسيقه، إذ بإمكانهن شراء الفستان كما هو إذا كانت لديهن الإمكانات. فمهمته هنا هي إعطاؤهن فكرة عما يمكن أن يحصلن عليه ويلبسنه مباشرة لمناسبة خاصة، وربما لهذا السبب يغدقن عليه الكثير من الحب. ومن هذا المنطلق، أصبح يركز أكثر على التفاصيل وعلى فنية الفستان نفسه بالانتباه إلى أدق الإضافات من دون أن يشطح بخياله بجنون. بيد أن ما يحسب لإيلي وما أكدته هذه التشكيلة، أن تقنياته نضجت بشكل كبير، وبأنه فنان أولا وأخيرا. وككل الفنانين فهو متجرد نوعا ما بما يقال عن الأزمة وشد الأحزمة، لأنه جاد على زبوناته بتوليفة متنوعة ومختلفة لعب فيها على ألوان البشرة، مثل البيج الوردي الهادئ، إلى جانب ألوان البنفجسي المائل إلى الرمادي والسماوي والأخضر. وبعد أن نسينا الأسود تماما في غمرة هذا الكم من الألوان الفاتحة، فاجأنا بمجموعة عذبة، وإن كانت كلاسيكية نوعا ما، من فساتين الكوكتيل والسهرة بهذا اللون. فيما يتعلق بالبريق، فقد جاد بكمية لا بأس بها من اللؤلؤ والخرز لكن بشكل رومانسي خفيف بعيد كل البعض عن المبالغة، خصوصا أن أغلبية التفاصيل كانت من نفس القماش. فما يبدو مثل الريش من بعيد هو جزء من قماش الفستان، تم التعامل معه بطريقة متطورة ليبدو على هذا الشكل، كذلك الأمر بالنسبة للورود التي زينت أذيال عدد من فساتين السهرة والكوكتيل، والتي كانت من نفس اللون والقماش. في العديد من القطع، استعمل إيلي أنواعا مختلفة من الأقمشة، في حين حافظ على نفس درجة اللون حتى تأتي النتيجة متناغمة. فالساتان كان جارا للأورغنزا والحرير والتول واللاميه. كما أن الكثير من التصميمات المنسابة في بليسيهات رائعة، ماركته المسجلة، تزاوجت مع خطوط هندسية جديدة لم نرها في أي من تشكيلاته السابقة. إيلي قال إنه استوحى هذه التشكيلة من رومانسية الشعر وفن العمارة في الستينات، بخطوطها وجرأتها. وهذا ما انعكس على الأحجام التي تلاعب عليها بشكل أنثوي رائع، يمكن أن يناسب كل المقاسات، بل يمكن أن يخفي الكثير من عيوب الجسم، التي يمكن أن تعاني منها المرأة مثل بروز البطن، لأن الطيات التي استعملها كانت ذكية جدا، كما أنه اعتمد على استدارة خفيفة حول الأوراك وتحت الخصر، فضلا على اعتماده على فن الأوريغامي في بعض الفساتين، وهي تقنيات تبرز جمال الجسم أكثر مما تبرز تضاريسه. خلاصة الأمر أن التشكيلة كانت عبارة عن باقة مشكلة يمكن لأي واحدة لها الإمكانات، أن تختار منها ما تهفو له نفسها من دون أن تندم، لأن كل ما فيها مضمون، سواء من ناحية كلاسيكية الألوان، أو فنية التصميمات وروعتها أو فخامة الأقمشة. فإيلي صعب، ربما يكون من بين قلة من المصممين، الذين لم ينسوا أن التشكيلة خاصة بموسم الهوت كوتير، وبالتالي يجب أن تحترم مبادئه، عوض الاحتماء بالأزمة والتحجج بها.

* المصمم فرانك سوربييه، كان من المصممين الذين يبدو أن الأزمة وصلته، لكنه تصدى لها بفلسفة فرنسية محضة. فقد اكتفى بتقديم عرض مبتكر في صالة سينما على شكل فيلم صامت بالأبيض والأسود. لا أحد ينكر أن الطريقة جد مبتكرة، الأمر الذي لقي إعجابا من كل الحضور، كون الجديد دائما ينجح في انتزاع الإعجاب، خصوصا هنا في فرنسا. بدأ سوربييه عرضه من النهاية، حيث أرسل عروسه إلى القاعة قبل بداية الفيلم، ثم تبعها لتحية الحضور مرفوقا بكل من فرانسوا لوساج، ملك التطريز في باريس، ورايموند ماسارو، مصمم الأحذية المخضرم، كونهما من الداعمين الرئيسيين للعرض. بعد ذلك بدأ الفيلم بتقديم لوحات فنية تظهر فيها العارضة/ الممثلة كل مرة بقطعة مختلفة وتسريحة مختلفة، وكأنها من طبقة وثقافة مختلفة، وإن كان أكثر من 90% من القطع عبارة عن كورسيهات وتنورات طويلة. لا شك أن التصميمات كانت مبتكرة وتحترم تقاليد الهوت كوتير، إلا أنها لم تكن مبهرة مقارنة بفكرة العرض وطريقة التصوير والإخراج.