المكسيك تخوض حربا ضد العلكة

ضمن معركة بيئية أكبر داخل مكسيكو سيتي

من بين مختلف أنماط الفضلات والقمامة التي يجابهها عمال النظافة داخل الضاحية التاريخية تمثل قطع العلكة المشكلة الأكبر (رويترز)
TT

في نضالها الدءوب لمواجهة أكوام القمامة، تخوض عاملة النظافة غابرييلا إيبارا معركة من نوع خاص ضد قطع العلكة الملقاة على الأرض. وخلال ذلك، تنحني إيبارا على الأرض لتبدأ مهمتها بالتخفيف من صلابة قطعة العلكة باستخدام خرطوم لإطلاق البخار باتجاهها، ثم ترش عليها مادة كيميائية، وأخيرا تزيل قطعة العلكة من على الرصيف. والتساؤل الآن، كم يبلغ عدد قطع العلكة الملقاة على جنبات الطرق داخل واحدة من أكبر وأقذر مدن العالم؟ وفي رده، قال ريكاردو جارال فيرناندز، المنسق التنفيذي لشؤون الحفاظ على المساحات العامة التابع لحكومة المدينة: «كأنك تسأل تماما: كم عدد النجوم في السماء؟». «هناك الكثير والكثير».

وأضاف: «في بعض المناطق، مثل مخارج الأنفاق أحصينا مئات من قطع العلكة في كل متر مربع. لكننا نعتقد أن المتوسط يبلغ 70 قطعة تقريبا». وفي سؤال له حول إلى متى يعود وجود قطع العلكة على جانبي الطرق داخل المدينة القديمة، أجاب جارال أنه ربما منذ اختراع الشكل الحديث للعلكة - أي في القرن التاسع عشر. إلا أن جارال تعهد بتغيير هذا الوضع، حيث ينوي وفريق العمل المعني بإزالة قطع العلكة المعاون له الشروع في محاولة تنظيف الضاحية المركزية التاريخية داخل مكسيكو سيتي، التي تعد بمثابة القلب النابض ليس للعاصمة فحسب، وإنما الدولة بأكملها. وتضم هذه الضاحية القصر الوطني والكاتدرائية المطرانية ومئات المباني ذات التصميمات المعمارية الرائعة، علاوة على أطلال معبد أزتكي ضخم دمره الفاتح الإسباني هيرنان كورتيس، وعدد كبير من المحال والشقق والفنادق وميدان زوكولو، ثاني أكبر ميدان عام في العالم، حيث يمكنه استيعاب ما يزيد على 100.000 شخص. بداية من الأول من فبراير (شباط)، لن تشرع المدينة في تنظيف الشوارع والطرق الجانبية لهذا المكان، الذي يوجد في قائمة مواقع التراث العالمي التابعة لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) فحسب، وإنما يتعهد المسؤولون بالإبقاء عليها نظيفة طوال الوقت: 24 ساعة يوميا وسبعة أيام في الأسبوع. وإذا كان الطريق واضحا أمام جارال، فإنه سينظر في كيفية إعادة صياغة الوعي المدني لدى مواطنيه المكسيكيين. يقول جارال: «سننظر فيما إذا كنا نستطيع إقناعهم باستخدام الأوعية المخصصة للقمامة». وفي الواقع، يعد تنظيف هذا المركز التاريخي أحد عناصر معركة بيئية أكبر داخل مكسيكو سيتي، التي تضم 20 مليون نسمة وتجابه خطر التعرض للدفن تحت أكوام القمامة. وفي هذا الإطار، تقرر إغلاق مقلب القمامة الهائل الذي تضمه المدينة، ويحمل اسم بوردو بونيينتي، والذي ينتج 15% من إجمالي انبعاثات الغازات المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري في المنطقة، هذا العام. وفي الوقت ذاته، تهدد الحكومة المحلية بفرض قوانين خاصة بها لإعادة التدوير. وطبقا لما حدده المخططون المعنيون بالمدينة، كان ينبغي حاليا أن يقوم ثلاثة أرباع سكان مكسيكو سيتي بفصل القمامة المنزلية لإعادة تدويرها. لكن اليوم، لا يقوم بذلك فعليا سوى 10% فقط من سكان العاصمة. ومن جهته، قال هيكتور كاستيلو بيرثيير، المتخصص في مجال الأنثروبولوجيا في الجامعة الوطنية المستقلة في المكسيك: «أعتقد أن تنظيف وتجديد الضاحية التاريخية القديمة يمكن أن يشكل نموذجا نتعلم منه استغلال والتشارك في المساحات العامة». وأوضح كاستيلو، الذي عكف على دراسة أساليب التعامل مع القمامة على مدار 30 عاما، أنه في الوقت الذي يحرص غالبية سكان العاصمة على الإبقاء على أماكنهم الخاصة نظيفة، فإنهم ربما لا يبدون الحرص ذاته داخل المتنزهات والأسواق والشوارع. وأضاف كاستيلو: «يرى الناس أنهم يدفعون ضرائب، وأنه لذلك ينبغي على الحكومة أن تقوم بعملها وتجمع القمامة». ومن ناحية أخرى، وسعيا لتنظيف الضاحية المركزية التاريخية، ينوي جارال نشر 700 عامل، بينهم 350 من عمال نظافة الشوارع، والذين سيفرغون أوعية القمامة الجديدة البالغ عددها 1.200 ليس مرة أو مرتين يوميا، وإنما 11 مرة يوميا. كما سيقومون بكنس الشوارع والطرق الجانبية يدويا ثماني مرات يوميا. وينوون كذلك غسل المنطقة المحيطة بأوعية القمامة بالماء والصابون مرة يوميا. جدير بالذكر أن المنطقة التي سيعمل بها هؤلاء العمال تزيد قليلا على ميل مربع. والواضح أن نشر مثل هذا العدد الكبير من أوعية القمامة في مكسيكو سيتي يعد ظاهرة في حد ذاتها وجزءا من التجربة. وفي هذا الصدد، أشار دايفيد ليدا، صاحب كتاب «المحطة الأولى في العالم الجديد» الذي يتناول الحياة المعاصرة في مكسيكو سيتي، إلى أن: «ما يثير دهشة الكثير من الزائرين نقص أوعية القمامة، مقارنة بمدن مثل نيويورك، حيث توجد بها في كل مكان. على سبيل المثال، هنا يمكن أن تمخط في منديلك الورقي وتبحث عن مكان لتلقيه فيه. ويمكن أن تسير لمسافة بناية أو بنايتين، بل وربما أميال، قبل أن تجد سلة قمامة. إذا ماذا عليك أن تفعل بالقمامة التي بحوزتك؟ إنه تساؤل مهم للغاية». ومن جهته، قال فرانسيسكو بادرون غيل، مدير المبادرة المكسيكية للحفاظ على البيئة والتعليم، إن المشروع الجاري تنفيذه بقلب مدينة المكسيك «يمكن أن يشكل سبيلا عظيما لتعليم الناس بشأن الاستهلاك وإعادة التدوير». واستطرد موضحا أن الكثير من المجالس المحلية في المكسيك تجد نفسها مضطرة للتعامل مع كميات ضخمة من القمامة، بينما لا يعد الوعي بكيفية التعامل مع الفضلات واحدة من القضايا ذات الشعبية. وقال بادرون: «قلب المدينة يمثل مكانا جيدا لنغير من خلاله علاقتنا بالقمامة، والقلب التاريخي للمكسيك، ستخبر الناس بالسبب وراء أهمية حفاظهم على نظافة المدينة. إن هذا أحد السبل لبناء مجتمع أفضل». وقال ليدا: «لا أعتقد أن الناس أغبياء. إنهم عمليون. لا توجد ثقافة مدنية كبيرة هنا، لكن هناك ثقافة قائمة بالفعل. وحال توفير سلال قمامة كافية لهم، أعتقد أن سكان مكسيكو سيتي سيشرعون في استخدامها». ومن الواضح أن هذا الأمر لم يغب عن ذهن جارال، حيث أعرب عن اعتقاده بأن: «المدينة الأنظف ليست المدينة التي يجري كنسها عددا أكبر من المرات، وإنما التي يبدأ العمل منها وهي نظيفة. أما المهمة الأصعب فهي خلق تفهم لدى الناس بتكلفة الحفاظ على نظافة المركز. ولا أتحدث هنا عن التكلفة الاقتصادية فحسب، وإنما العدد الضخم للأفراد الذين يجب عليهم العمل بجد بالغ لتنظيف هذه المنطقة الصغيرة». ومن بين مختلف أنماط الفضلات والقمامة التي يجابهونها داخل الضاحية التاريخية، تمثل قطع العلكة المشكلة الأكبر أمام جارال وفريق العمل المعاون له. وفي هذا الصدد، شرح جارال «إنها الأسوأ على الإطلاق. فمن المستحيل كنسها لالتصاقها بجانب الطريق حيث تبقى. ثم تتحول إلى قطعة من القذارة. وتصبح بمثابة معمل لإنتاج البكتريا». ومن أجل التخلص من قطع العلكة الملتصقة بجوانب الطرق، اشترت المدينة 10 آلات جديدة للتنظيف العميق، بتكلفة 5.000 دولار للواحدة. وتجمع الآلات الجديدة بين البخار والمواد الكيماوية المنظفة. ويقدر جارال أن كل قطعة علكة تحتاج لعشر ثوان على الأقل لإزالتها. ويعتقد أنه مع توفير الوقت الكافي لفرق العمل للبحث عن وإزالة قطع العلكة الملتصقة، فإن كل آلة ربما تتمكن من إزالة 1.200 قطعة على مدار نوبة العمل الممتدة لثماني ساعات.

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»