حلاقو البلقان.. آمال لا تتجاوز لقمة العيش

البعض يفتحون صالات حلاقة وتصفيف شعر من دون خبرة كافية

الحلاق محرم يزيل الشعر من أنف أحد الزبائن وهي خاصية في البلقان («الشرق الاوسط»)
TT

حظي بعض الحلاقين في تاريخ الأمم والشعوب بمنزلة كبيرة، ومنهم من تبوأ مقاماً عظيماً في وجدان الأمة كالصحابي الجليل أبو زمعة البلوي، الذي استشهد في خمسينات القرن الأول للهجرة على أراضي إفريقية (تونس اليوم) وقبره مقام عظيم ما زال مشهورا في مدينة القيروان، ولقد اشتهر لكونه حلاق الرسول (صلى الله عليه وسلم). وعندما يتطرق الحديث إلى الحلاقين يتبادر للذهن تلك القصة المشهورة عن ذلك الفتى الذي ضربه المعلم فقال له «كيف تضربني وأبي يطاطئ له رأس الوالي ومن في المدينة؟، وعندما سأل عن والده قيل له إنه حلاق معروف.

ولكن الحلاقة في عصرنا اتخذت منحى جديدا ولم تعد رمزا ثقافيا أو اجتماعيا، بل غدت مهنة كسائر المهن التي يتعاطها الرجال والنساء على حد سواء. كما عرفت تغييرات كثيرة في نظرة الناس للحلاقين، ونظرة الحلاقين أنفسهم لمهنتهم، ومن ذلك أهل المهنة في البلقان. محرم أيدينوفيتش (28 سنة) حلاق أعزب ويعمل في هذه المهنة منذ 13 سنة عندما كان طالبا في التعليم الثانوي، وهو من إقليم «السنجق»، حيث يعد أغلب الحلاقين في المنطقة من ذلك الإقليم الواقع بين البوسنة وصربيا. وهو يقول «منذ أكثر من 10 سنوات بدأت تعلم الحلاقة من جارنا حتى أتقنت المهنة ومنذ 2004 انتقلت إلى زغرب» ( عاصمة كرواتيا). وعن أسباب انتقاله من السنجق إلى زغرب أجاب «البحث عن الأفضل، فهنا لدي عدد أكبر من الزبائن وباستطاعتهم الدفع أكثر». كما ذكر أسبابا أخرى لانتقاله هو البحث عن الحرية، إذ «لا يشعر الإنسان بالحرية في السنجق فنحن أقلية لم تشعر بالتحول الديمقراطي في صربيا، وإنما زادت الشمولية السابقة من قيودها، وأكثر مظاهرها التمييز العنصري». وفي رده على سؤال لـ«الشرق الأوسط» حول سبب اختياره للمهنة قال «أحببت مهنة الحلاقة منذ صغري، عندما كان والدي يأخذني للحلاق وفي ذلك الصالون نفسه تعلمت الحلاقة» وعن كيفية تعامله مع الزبائن وردود فعلهم عند بداية مشواره ذكر أنه مر بمرحلة حرجة جدا «عندما بدأت العمل حصلت عدة مشاكل، منها مع والدي فقد كان حريصا على تعلمي هذه المهنة وكان شعره ولحيته أول الضحايا، فقد سالت دماء كثيرة من وجهه قبل أن أتعلم الحلاقة، وكان يشجعني على الاستمرار رغم جراحه البليغة». وعن بقية الزبائن قال «كان بعضهم يحاول الفتك بي، وبعضهم الآخر يشبعني سبا فلم يكن التعلم سهلا ومن دون ثمن». وللعلم، من النادر في منطقة البلقان أن يكون الحلاق صاحب الصالون، فهو إما أجير عند صاحب المحل، كما هو حال محرم أدينوفيتش أو يعمل بنسبة من الأرباح. وثمة من يقوم بتأجير الصالون ومن ثم يدعو حلاقين آخرين للعمل معه بالأجرة. وإذا كان البعض يعمل منفردا أو مع مجموعة من الحلاقين، أحيانا من الجنسين، فإن مجموعات أخرى منهم تعمل في إطار شركات متفاوتة الحجم ومدى الانتشار، ومنها شركة «فريزر». مصففة الشعر فضيلة (44 سنة) قالت إنها تعمل في هذا المجال منذ 25 سنة بعدما تخرجت من مدرسة إعداد الحلاقين عام 1984، لكنها كغيرها من أصحاب المهنة لا تملك المال الكافي لفتح صالون حلاقة. وفي حوارها مع «الشرق الأوسط» قالت: «لم أتوقف عن العمل سوى في فترة الحرب (1992 - 1995) حيث تفرغت لرعاية أبنائي وهم الآن كبار، فلدي ابن بلغ 23 سنة وابنة بلغت 20 سنة وابن في سن 16 سنة» وذكرت أنها عملت قبل الحرب اليوغوسلافية في عدد من صالونات الحلاقة التابعة لعدد من الفنادق مثل برستول وهوليداي إن وغيرهما. ونفت تعرضها لأي مشاكل مع زبائنها الذين يحق لأي منهم اختيار من يحلق أو يصفف شعره من بين العاملين في الصالون، لكنها اشتكت كغيرها من أهل المهنة من كثرة صالونات الحلاقة ولا سيما من الخريجين الجدد. وتفضل فضيلة الرجال على النساء «الرجال أقل ملاحظات وأسهل في التعامل داخل صالونات الحلاقة وأنا أفضل أن أحلق شعر رجل من أن أصفف شعر امرأة».

وعن أسباب عجز أغلب العاملين في مجال حلاقة الشعر والتصفيف عن امتلاك صالون حلاقة فضلا عن تكوين ثروة قالت سميرة سيفيتش (55 سنة) وهي رئيسة المصففين في شركة «فريزر» إنه «لا يمكن من خلال المقص بناء ثروة أو امتلاك صالون حلاقة، فلدي في هذه المهنة 34 سنة خبرة، ومع هذا بالكاد أساعد زوجي في توفير لقمة العيش للعائلة». وتابعت «النساء يخترن هذا العمل لأنه لا يحتاج لقوة عضلات بل لطول البال والصبر»، وأردفت بندم «لو عاد بي الزمن لما اخترت هذه المهنة». أما نائبة «اتحاد الحلاقين والمصففين» في البوسنة مليحة سريموفيتش (32 سنة) فتقول عن اتحاد الحلاقين والمصففين: «تأسس الاتحاد عام 1990 وهو الذي يشرف على المسابقات التي تجري على المستوى المحلي أو الإقليمي والأوروبي، ويضم 40 عضوا فقط حتى الآن». وعن المسابقات التي تجري على المستوى الأوروبي، ذكرت أنها «تشارك كل دولة في القارة بثمانية متبارين 4 رجال و4 نساء ومنذ عام 2000 أشارك بمفردي وعلى حسابي الخاص». لكن حتى مليحة اشتكت من «الدخلاء» قائلة على المهنة « كثيرون يفتحون صالات حلاقة وتصفيف شعر من دون خبرة كافية والكثير من الزبائن يأتون إلي لإصلاح أخطاء الآخرين، فهناك حالات حرق للشعر وإفساد له بالأصباغ المختلفة».