قفزة نوعية تحفظ مكانة النحاسيات الدمشقية

تنافس أرقى اللوحات الفنية وتجتذب جيلا جديدا من الصانعين

منتجات نحاسية يدوية تراثية («الشرق الاوسط»)
TT

على الرغم من تناقص عدد الأسر السورية، والدمشقية خصوصا، التي تعتمد اليوم على الأدوات النحاسية في استخداماتها المنزلية بسبب انتشار الأدوات الحديثة التي لا تلصق والزجاجية وغيرها، فإن أعداد العاملين في حرفة النحاسيات في دمشق لم تنقص بل يلاحظ إقبال متزايد عليها. واللافت، أن جيل الشباب يقبل عليها ويبدي اهتماما كبيرا بها، كما يزداد عدد محلات بيع النحاسيات وتصنيعها ليس في الأسواق التراثية فحسب، بل في الأسواق العصرية والحديثة أيضا. عبد الله تيناوي، أحد أصحاب ورش النحاسيات في منطقة باب الجابية بدمشق، قال لـ«الشرق الأوسط» إن «الصناع الدمشقيين تمكنوا من التأقلم مع التطورات التي حصلت في السوق خلال السنوات الأخيرة، وما عادوا يصنعون أدوات نحاسية للمطبخ حصرا، بل ابتكروا مصنوعات جديدة أخذت شكل التحف الفنية، وغدت مخصصة للعرض المنزلي كقطع فنية وليس للاستخدام العادي. كما تمكن هؤلاء من التأقلم مع عصر السرعة، وادخلوا الآلة ولو بشكل محدود مع العمل اليدوي لكي يتمكنوا من إنتاج عدد أكبر من القطع النحاسية الفنية، وبالتالي تباع بسعر مقبول، في حين أن القطع المنفذة يدويا بشكل كامل تكلف الحرفي جهدا كبيرا ووقتا أطول، ولذا يكون سعرها مرتفعا». وتابع «في هذه القطع التي حولناها كنحاسيين إلى تحف فنية اعتمدنا أسلوب تنزيل خيوط الفضة والذهب عليها. كذلك ابتكرنا رسوما وتصاميم شرقية زخرفية جديدة على القطع النحاسية تتمسك بالهوية التراثية.. ولذا لاقت رواجا كبيرا خاصة من الميسورين والسياح العرب والغربيين، ومن أصحاب الفنادق والمطاعم والمقاهي. وأصبحت هذه القطع النحاسية المزخرفة وتلك الموشاة بخيوط الفضة والذهب تنافس الأعمال الفنية في المعارض المتخصصة. اليوم نسمع من كثيرين أنهم استغنوا عن تعليق اللوحات الفنية المرسومة والمطبوعة المقلدة على جدران بيوتهم واستعاضوا عنها بالقطع النحاسية الفنية أو وضعوها إلى جانب هذه اللوحات لتنافسها في الجمال والإتقان الفني ففيها حرفية وإبداع وتراث ومعاصرة في الوقت نفسه». ويبتسم تيناوي ثم يستطرد «.. كنا نتصور قبل عشرين سنة وكنت يومذاك أعمل مع والدي في هذه المهنة أو الحرفة اليدوية بورشتنا التي ورثها أبي عن جدي أن مهنتنا ستنقرض وسنضطر للبحث عن عمل جديد معاصر، ولكننا أثبتنا مع ورش النحاسيات الأخرى أننا قادرون على حماية مهنتنا من الانقراض، بل وإنعاشها من جديد. وأعتقد حسب معلوماتي أن هناك أكثر من 2000 ورشة تعمل في النحاسيات حاليا، وهناك أكثر من 5000 حرفي يعملون في هذه المهنة، كثيرون منهم من جيل الشباب. أما أشكال القطع التي ننتجها فكثيرة ومتنوعة من حيث الحجم والطراز والعمل المبذول فيها، ومنها الصواني الصغيرة والكبيرة والصحون والقطع المستطيلة والمربعة المزخرفة على أطرافها بشكل فني والأباريق والكؤوس وغيرها. وأحيانا نكتب ونحفر ما يريده الزبون على هذه القطع النحاسية كأسماء الله الحسنى والآيات القرآنية الكريمة وعبارات الترحيب وغيرها». وعن المنتجات المطلوبة أكثر من غيرها، قال «المطلوب بكثرة خاصة من قبل زوار دمشق من دول الخليج والبادية دلال القهوة النحاسية والمناقل، بمختلف الأحجام والأشكال، التي أصبحت تستخدم أيضا لتزيين المضافات والصالونات والقصور والفيلات والحدائق، وما زال الكثير من أهل البادية يستخدمون الدلال والمناقل لطبخ القهوة المرة وتقديمها لضيوفهم من منطلق حرصهم على التراث وتقاليد الآباء والأجداد. ونحن نحرص أيضا على تزيين الدلال والمناقل بالزخارف الهندسية والخيوط العربية والخطوط والرسوم المعبرة كشجر النخيل أو الصقر أو الغزال، وتلقى هذه المنتجات رواجا حتى من السياح الأوروبيين الذين يعتبرونها تحفا شرقية نفيسة». وحول مراحل صنع المنتجات النحاسية الفنية قال راتب السكري، وهو من العاملين في مجال النحاسيات من خلال ورشة ورثها عن والده في حي مئذنة الشحم بدمشق القديمة، «تمر صناعة المنتجات النحاسية بعدة مراحل، فبعد الحصول على النحاس الخام نقطعه بواسطة آلة خاصة تشبه الفرجار، ومن ثم نذيبه ونصهره، ويرسل بعد ذلك إلى الفرشاة، وبعدها يوضع في القالب. ولكل قالب شكل يميزه عن الآخر، علما بأن هذه العملية تجرى الآن آليا. وبعد ذلك تبدأ مرحلة العمل اليدوي من خلال التحلية بالفضة أو الذهب والزخرفة والتطعيم إذ نجهز الرسوم المطلوبة على الورق ومن ثم نحفرها على النحاس بواسطة أقلام حفر خاصة. وفي ما يتعلق بالتطعيم بالفضة فإننا نستخدم الفضة الخام عيار 1000 التي تسحب حين تكون طرية، وتصبح على شكل خيوط بقطر 7 مم، ويصار إلى طلي القطعة النحاسية بالفضة في حفر خاصة تتجمع فيها الفضة، وتتحول لقطعة واحدة بالنسبة للعرق النحاسي».