الثلوج تشل عواصم أوروبا والخسائر تقدر بملايين اليوروات

عاصفة ثلجية لم تشهد مثلها لندن منذ 18 سنة

TT

على الرغم من توقعات مكاتب الأرصاد الجوية منذ أسبوع بأن هناك عاصفة ثلجية في طريقها إلى إنجلترا آتية من سيبيريا وروسيا، فإن السلطات البريطانية لم تأخذ هذه التوقعات والتنبيه الذي رافقها على محمل الجد، وإذ بالعاصفة تأتي بكل ما تحمله من ثلوج ورياح لتشل الحركة في بريطانيا بشكل شبه كامل، وتحولت عاصمة الضباب إلى عاصمة ثلوج أشبه بمدينة الأشباح، لا تجد في طرقاتها إلا قليلين جاءوا بهدف التقاط صور فوتوغرافية تكون ذكرى ليوم لم تشهد مثله لندن منذ عام 1991.

أقفلت المدارس أبوابها في معظم أنحاء البلاد، توقفت حافلات النقل العام عن العمل، ولم تكن وسائل النقل العام فوق الأرض هي المتأثرة فقط بالعاصفة، بل كان لمترو الأنفاق تحت الأرض نصيبه أيضا، فتوقفت معظم خطوط القطارات، وأعلنت شركة (ترانسبورت فور لندن) أن جميع الحافلات في لندن، لتي تقل ستة ملايين شخص يوميا في العادة، حبت من الخدمة «سبب سوء أحوال الطقس وظروف الطرق الخطرة» وأبلغت عن مشكلات في جميع خطوط قطارات الأنفاق في العاصمة، البالغ عددها 11 خطا، عدا خطا واحدا.

وانتقلت عدوى شلل الحركة إلى المطارات أيضا، ما أدى إلى إقفال بعض المطارات الرئيسية وإلغاء عدد هائل من الرحلات من بينها الرحلات المتوجهة إلى منطقتنا العربية. وفي اتصال أجرته «الشرق الأوسط» مع نعيمة قصير مديرة مكاتب طيران الشرق الأوسط اللبنانية في إنجلترا وآيرلندا، قالت قصير إن حالة الجو الرديئة حالت دون انطلاق الرحلة التي كانت مقررة للإقلاع من مطار هيثرو ومتوجهة إلى بيروت، وأضافت أنه تم العمل على إيجاد مقاعد للمسافرين على رحلات أخرى في يوم آخر حالما تنتهي العاصفة، ولن تقوم الشركة بتغريم المسافرين أي مبلغ إضافي لقاء تغيير الحجز.

وأفادت وكالة «رويترز» للأنباء أن مطار هيثرو أقفل مدارجه بالكامل، وتم إلغاء أكثر من 250 رحلة في الصباح، ومصير 1000 رحلة أخرى ربما سيكون الإلغاء أو التأخير، مما أدى إلى تعطل أعمال وبرامج أكثر من 180 ألف مسافر في هيثرو فقط، كما أغلق كل من مطار غاتويك وستانستيد ولوتن ولندن سيتي أبوابه أمس، بسبب العاصفة.

ويقول خبراء الطقس إن لندن شهدت عاصفة ثلجية مماثلة في فبراير (شباط) في عام 1991، وتوقعوا أن تستمر العاصفة، وسوف تكون هناك عاصفة أخرى آتية من بحر الشمال، وستحط العاصفة التي تعصف بفرنسا حاليا رحالها في بريطانيا أيضا.

وحذرت وسائل الإعلام البريطانية الأرضية والفضائية المواطنين من ترك بيوتهم، إلا إذا دعت الحاجة الملحة إلى ذلك، مما أدى إلى تعطل عمل عدد كبير من الشركات من بينها قنوات التلفزيون نفسها، فتحول مصفف الشعر في القناة الثالثة البريطانية إلى مهندس للصوت والإنارة، في حين انفردت مذيعة واحدة بتقديم أكثر من نشرة أخبار وبرنامج طيلة اليوم، وفي لفتة طريفة قالت إحدى المذيعات التي تقدم واحدا من أشهر البرامج الصباحية في بريطانيا، إن عامل موقع الإنترنت في منزله، ولا يستطيع الوصول إلى الاستوديو، فالرجاء الانتظار ريثما تنتهي العاصفة، ويأتي إلى المكتب للقيام بعمله.

ووصل ارتفاع الثلوج وسط لندن إلى 20 سنتيمترا. وتوجه عدد من الموظفين الذين يسكنون بالقرب من مكاتبهم إلى العمل مشيا على الأقدام، بعد أن تعذر عليهم الوصول عن طريق إحدى وسائل النقل العام، بما فيها سيارات التاكسي، التي اختفت من طرقات لندن في أول يوم عمل من الأسبوع الذي يعرف بزحمته الشديدة.

وقال أحد المسؤولين في محطة القطارات الوطنية إن بريطانيا تشهد حاليا واحدا من أكثر مواسم الشتاء بردا على الإطلاق، مع توقعات باستمرار العواصف وانخفاض درجات الحرارة، وستكون هناك رياح شديدة في طريقها أيضا من روسيا.

وقامت وكالات الطرقات السريعة في بريطانيا بإصدار إنذار للمواطنين، مفاده أخذ أقصى درجات الحيطة والحذر، وعدم القيادة على الطرقات السريعة، إلا عند الحاجة القصوى لذلك، ونبهت السائقين إلى ضرورة وضع بطانيات وأكل وماء ومصباح للنور ورفش في السيارة في حال حدوث أي طارئ.

وقامت المدارس بإبلاغ الأهالي بإغلاق أبوابها عن طريق الرسائل الإلكترونية ووسائل الإعلام المرئية والمسموعة، وأقفلت 400 مدرسة أبوابها في مناطق إيسيكس، و41 مدرسة في ليدز، و50 مدرسة في كينت، وغيرها من مختلف أقاليم البلاد، حيث أقفلت ثلاثة أرباع المدارس أبوابها أمام التلاميذ، الذين استفادوا من العاصفة، من خلال التوجه إلى الحدائق العامة والخاصة للتمتع بالثلج الذي غطى البيوت والسيارات، وشارك عدد من المواطنين في إرسال بعض الصور إلى قنوات التلفزيون، وراح الناس يتكلمون مع أناس لا يعرفونهم من قبل في الشوارع، وكأن برودة الطقس ساعدت على تدفئة برودة النفوس عند البريطانيين، كما ساعدت العاصفة في بث النخوة عند البعض، فراح الناس يساعدون بعضهم بعضا في الطرقات، ويقدمون يد العون للسيارات التي تعرضت للانزلاق في شتى الطرقات الفرعية، مما أدى إلى حدوث عدة حوادث سير وانزلاقات.

و في أوروبا غطت الثلوج فرنسا وإسبانيا وإيطاليا التي اجتاحتها عاصفة استثنائية أسفرت عن سقوط 28 قتيلا وخسائر تقدر بملايين اليورو الأسبوع الماضي حسب تقرير لوكالة الأنباء الفرنسية.

وفي باريس انزلق الراجلون والسيارات على الطرقات والأرصفة. وبقيت الحافلات في مواقفها وتعطلت الحركة في مطاري رواسي (شمال باريس) وأورلي (جنوب) وألغي العديد من الرحلات وتأخرت أخرى بمعدل نصف ساعة. وكانت مديرية الطيران المدني دعت أمس الشركات مسبقا إلى إلغاء 30% من رحلاتها الجوية المبرمجة صباح الاثنين انطلاقا من رواسي.

وألغت شركة إيرفرانس ثلاث رحلات من رواسي، واحتفظت بالرحلات الطويلة، وتوقعت القيام «بكافة رحلاتها في أورلي» مسجلة تأخيرا بساعتين على الأقل بسبب تأخر فتح المطار.

وفي إسبانيا بدأت الثلوج تتساقط الأحد متسببة في قطع العديد من الطرقات السريعة، واكتظاظها على عشرات الكيلومترات في منطقة مدريد، قبل أن تعود الأمور إلى نصابها.

من جهة أخرى عطلت عاصفة حركة النقل البحري في مضيق جبل طارق مجبرة العبارات السريعة على التوقف بين ميناء الخثيراس (جنوب) والمغرب. وفي إيطاليا تسببت موجة البرد والفيضانات في مقتل ثلاثة أشخاص وإجلاء 500 آخرين في جنوب البلاد خلال نهاية الأسبوع. وتساقطت الثلوج على عدة مناطق من شمال البلاد ، لكنها أخذت تذوب صباح الاثنين في ميلانو.

وكانت ثلوج كثيفة تسببت مطلع يناير (كانون الثاني) في تعطيل الرحلات الجوية وحركة السير في فرنسا وإسبانيا، مثيرة جدلا حول عدم جهوزية الأجهزة المعنية. وقررت الحكومة الفرنسية تشكيل خلية أزمة لحركة الطيران الجوي.

كذلك استفاقت ألمانيا، المتعودة أكثر على هذا النوع من الطقس، تحت طبقة من الثلوج، لكن لم يشر إلى أي تعطيل. وفي سويسرا غطت طبقة ثلجية بلغت سماكتها 20 سنتيمترا أكبر مناطق البلاد، متسببة في تعطيل حركة السير على الطرقات لا سيما في جبال الألب.

وأثرت العواصف الثلجية على أول يوم من أسبوع سياسي مزدحم في لندن، فقد تأخر رئيس الوزراء الصيني ون جيا باو نصف ساعة على موعد مع نظيره البريطاني غوردون براون صباح أمس بسبب الأجواء السيئة. وحرص براون على الإشارة إلى الطقس في المؤتمر الصحافي المشترك بينهما وقبل بدء الصحافيين بطرح أسئلتهم على رئيسي الوزراء، خاصة بعدما وجهت جهات عدة ووسائل إعلام انتقادات للحكومة بسبب تعطيل وسائل النقل بشكل شبه كلي يوم أمس. وقال براون: «نحن نعمل كل ما بوسعنا لفتح المطارات وتسيير القطارات».

ومن جهة أخرى، قرر مبعوث الرئيس الأميركي للسلام في الشرق الأوسط جورج ميتشل عدم المجيء إلى بريطانيا بعد انتهاء جولة له في الشرق الأوسط لبحث فرص السلام. وقال مصدر دبلوماسي أميركي لـ«الشرق الأوسط» إن قرار إلغاء زيارة ميتشل التي كانت مقررة ليوم أمس كانت بسبب مخاوف من عدم قدرته على مغادرة لندن صباح اليوم بسبب إغلاق المطارات وإلغاء الرحلات الجوية. ويذكر أن السفارة الأميركية أُغلقت بسبب الثلوج بينما أبقت سفارات عدة مثل السفارة العراقية والصينية أبوابها مفتوحة.