السعودية حليمة.. صانعة قهوة شعارها «التركيز قبل السرعة»

راتبها الشهري لا يتجاوز الـ307 دولارات

حليمة وهي تصنع القهوة تفخر بعملها في مجال تندر فيه السعوديات (تصوير: إيمان الخطاف)
TT

تتراقص أصابع حليمة البيشي (20 عاما) يوميا بخفة وهي تحضر أكواب القهوة «متعددة اللغات»، من أميركية وفرنسية وتركية، وأحيانا عربية، بحسب طلب زبونات المقهى النسائي الذي تعمل فيه، بينما تستمتع بالتجول بينهن لمعرفة أصداء قهوتها وطرح بعض الأسئلة مثل «أعجبك طعمها؟ السكر مناسب؟ ثقيلة أو خفيفة؟».

حليمة، الحاصلة على شهادة الثانوية العامة، أكملت شهرها الثاني في مقهى «زيزون» الذي افتتح مؤخرا كأول مقهى نسائي شرق السعودية، مما يجعلها مزهوة بعملها، قائلة: «هو مجال جديد ومرغوب لنا كسعوديات، وأهلي دعموني فيه، ولم أتعرض لأي مشكلات أو إحراجات، كما يتوقع البعض».

ورغم أن وظيفة حليمة التي تأتي تحت مسمى «صانعة مشروبات» تعد حديثة التأنيث بالنسبة إلى قطاع المقاهي السعودية، فإنها تصف نفسها بـ«صاحبة الخبرة»، والتي اكتسبتها من عملها السابق بأحد المعاهد الخاصة بالدمام، لمدة 3 أشهر، ثم انتقلت بالمصادفة إلى المقهى الذي روَّجت له لدى طالبات ذاك المعهد، لتجعلهن زبونات للمقهى، كما تقول وهي تبتسم. صرير ماكينات القهوة، جلجلة الملاعق، أصوات الزبائن... سيمفونية تستمتع بها حليمة، وهي تتناوب على تحضير نحو 40 كوبا يوميا، تتضمن جميع أنواع القهوة، إلى جانب الشاي والعصائر والمشروبات المثلجة، قائلة: «لا تهمني السرعة أو تأخر الطلب، بقدر اهتمامي بأن يضبط المشروب بالشكل الذي يرضيني».

وعن مصدر تعلمها تحضير هذه الأصناف المختلفة، تقول بثقة: «صنع القهوة يحتاج تركيزا، والأهم حفظ المقادير والاهتمام بالشكل»، وتضيف: «في بداية عملي التزمت بالمقادير التي حددها المقهى لأسبوعين، لكنها لم تعجبني، فغيرتها وأضفت إليها بعض لمساتي»، وترجع ذلك إلى قاعدتها التي تقول: «مثلما أشرب القهوة أحب أن يشربها الزبون».

ورغم أن حليمة التي تعمل نحو 5 ساعات يوميا لا تتقاضى شهريا سوى 1150 ريالا (307 دولارات)، فإنها تقول بتفاؤل: «هذا المبلغ كبداية فقط، وإدارة المقهى وعدتني إن استمررت أن يرتفع راتبي إلى 1350 ريالا»، حيث حددت حليمة، التي تطمح إلى أن يكون لها مقهى خاص مستقبلا، سقفا أدنى لراتبها بالقول: «بأقل من ألف ريال لا أقبل العمل».

وبقرب حليمة، كانت فاطمة الشمري، التي تعمل بمسمى «مضيفة»، تتناوب على نقل الطلبات بثقة، قائلة: «في البداية كنت خجولة، لكن بمرور الوقت اكتسبت الكثير من العلاقات وصرت استمتع بعملي»، وعن خبرتها بهذا المجال تقول: «عاداتنا وتقاليدنا السعودية تجبرنا على استقبال أي ضيف بأفضل وجه، وأضيف إلى ذلك مراعاتي اختلاف مستوى الناس».

ومن داخل المطبخ، تعتقد فاطمة العرب (طاهية) أن المرأة السعودية تنتظرها فرص عمل كثيرة في قطاع المطاعم والمقاهي، مضيفة: «بالنسبة إليّ فالطبخ هوايتي، وتعلمت وصفات عديدة من كتب الطبخ ومواقع الإنترنت وبعض الدورات»، وتشير فاطمة إلى تجارب فتيات الخليج السباقة بهذا المجال، فيما تحلم هي الأخرى بمطعم خاص تطلقه مستقبلا.

من جهتها، ترى نهى سعد مديرة المقهى، أن الفتاة السعودية تمتاز بذوق عال وسرعة في التعلم، مضيفة: «توجد 9 عاملات سعوديات، خبرتهن الأولى كانت من مطابخ بيوتهن»، فيما أكدت على حرصها أن لا تنادَى العاملة بلقب «جرسونة»، لكونها تراه قد يضايق بعض الفتيات، مفضلة مسمى «مضيفة»، الذي تجده مشجعا أكثر لدخولهن هذا المجال. وقد يوصف توجه السعوديات للعمل بالمقاهي بأنه نوع من التحول الاجتماعي، فبعد أن كان شرب الفتيات غير المتزوجات للقهوة «عيبا» في الأعراف السعودية، قبل نحو 25 سنة، واجه الشباب السعودي معارك حامية قبل سنوات قليلة تجاه نظرة المجتمع إلى هذه الوظائف، مما دفع الدكتور غازي القصيبي وزير العمل، إلى الظهور مضيفا بأحد المطاعم قبل أشهر. يأتي ذلك في ظل النمو المتسارع الذي يشهده هذا القطاع، حيث تقدر التقارير الاقتصادية الحديثة الحجم السنوي لسوق المقاهي في السعودية بنحو 15 مليار ريال (4 مليارات دولار)، فيما يصل صافي أرباح هذه المقاهي إلى نحو 60 في المائة من العائد الكلي.