فول وطعمية وحمص الشام في معرض القاهرة للكتاب

موسم شعبي ينتظره المصريون كل عام

تحول معرض الكتاب إلى مكان ترفيهي يمكن أن تتجول فيه الأسر خلال العطلات («الشرق الأوسط»)
TT

أصبح «معرض القاهرة الدولي للكتاب» الذي يقام سنويا في شهر يناير (كانون الثاني) بمثابة موسم شعبي ينتظره المصريون كل عام، ليس فقط لما يحويه من كتب وإصدارات حديثة وقديمة في كافة المجالات، وإنما أيضا باعتباره مكانا ترفيهيا يمكن أن تتجول فيه الأسر خلال العطلات، وتستمتع بالأنشطة الفنية، من عروض سينمائية ولقاءات مع النجوم وحفلات موسيقية، وكذلك يمكنها التجوال في المساحات الخضراء الأشبه بالحدائق العامة، والمتنزهات المنتشرة في أرجاء أرض المعرض.

محمد عبد الله ـ مهندس ميكانيكا يقيم في شارع الهرم، اصطحب زوجته جيهان وابنيه مازن (10) سنوات وأحمد (12) سنة إلى المعرض في يوم إجازته. يقول عبد الله إنه اعتاد زيارة معرض الكتاب سنويا منذ سنوات دراسته الجامعية، ومازالت عادة تلازمه حتى الآن، بل أصبح يتشارك ممارستها مع أفراد أسرته الصغيرة، مؤكدا أن وضعه كطالب للهندسة في الماضي، وكممارس لها في الوقت الحاضر، خلق لديه حرصا على مطالعة كل ما هو جديد في فرع تخصصه، أي الهندسة الميكانيكية، التي يندر وجود كتب أو مراجع متخصصة بشأنها باللغة العربية، لذا.. فالمعرض فرصة للبحث عن تلك المؤلفات بين أجنحة الدول الأجنبية. وأبدى عبد الله ترحيبه بالتقليد السنوي المتبع لجعل دولة ما ذات ثقل ضيف شرف المعرض، لأن ذلك يضمن ـ في نظره ـ مزيدا من الاستفادة للزوار المترددين عليه، وثراء ووفرة أكثر في معروضات تلك الدولة من الكتب والوسائط المعرفية المختلفة. وضرب المثل بالعام الذي كانت فيه ألمانيا ضيف شرف المعرض، حيث حاز العديد من المؤلفات والأقراص المدمجة القيمة الخاصة بمجال عمله، فالمعروف أن ألمانيا من أهم الدول التي تتسيد مجال الهندسة الميكانيكية عالميا، كما أنه يجيد اللغة الألمانية، أما في هذا العام، فقال إنه وأسرته زاروا جناح بريطانيا، ضيف شرف المعرض، إلا أنهم فوجئوا به فارغا. ورغم ذلك، فإن أبناءه استمتعوا جدا بالعروض المسرحية الحية التي يقدمها ممثلون بريطانيون في طرقات أرض المعارض، ووقفوا طويلا أمام رجل وسيدة يرتديان أزياء أرستقراطية راقية، ورأساهما غير موجودتين، بل مكسوّتان بحوضين من الورود، وكان معظم زوار المعرض يلتقطون الصور الفوتوغرافية معهما، بالإضافة إلى رجل وسيدة آخرين تبدو على ملامحهما الإنجليزية العتيقة، ويرتديان زيا عسكريا، ويمسك كل منهما بلعبة عبارة عن كلب يمشي على عجلات، ويتجولان في طرقات المعرض. وشاهدوا عرضا آخر لرجل وامرأتين، تملأ وجوههم المساحيق، ويحملون حقائب سفر تعود إلى فترة الثلاثينات، أو الأربعينيات، ويهرولون كأنهم يريدون اللحاق بقطار. وبرغم آراء لزملائه تقلل من أهمية المعرض، بعد أن أصبح كل شيء متوافرا على الإنترنت، يصر عبد الله على زيارة المعرض، فهي من ناحية تفيده في الانتفاع بعروض التخفيض المقررة لبعض الكتب العلمية، التي كانت ستكلفه أكثر بكثير لو اشتراها عبر الإنترنت، ومن ناحية أخرى تطلعه على أحدث الإصدارات في فروع الثقافة والفنون والفلسفة، البعيدة عن تخصصه المهني، لأنه قارئ بطبعه، محب للمؤلفات الفكرية والتاريخية، كما تعيده إلى ذكريات دراسته بأحداثها وصداقاتها ونوادرها.

وأوضح عبد الله أن زيارة المعرض فرصة لقضاء يوم مختلف مع الأسرة، يجمع بين الاستفادة والنزهة، خاصة أنه نادرا ما يخرج مع عائلته بسبب مواعيد وضغوط عمله. وبدلا من أن ينجز زيارته للمعرض لشراء ما يلزمه من كتب بمفرده، فهو يفضل اصطحابهم، طالما تسمح الظروف بذلك، لأنه عادة ما يختار يوم عطلة ليقصد «معرض القاهرة الدولي للكتاب».

وذكر عبد الله أنه ـ من باب الاستئناس بتوسيع الصحبة ـ اصطحب هذا العام إلى المعرض ـ إلى جانب أسرته ـ بعض أصدقاء أبنائه ممن رغبوا في المجيء والتسلية، لأن أولياء أمورهم يرفضون تماماً ذهاب الأبناء إلى المعرض بمفردهم في هذه السن الصغيرة، نظرا لاتساع المعرض؛ ومن ثم صعوبة توفير الرعاية الأمنية للزوار.

وأشار عبد الله إلى أنه بدأ زيارته للمعرض في وقت الظهيرة تقريبا، وبدأ بزيارة الجناح البريطاني، واشترى منه بعض الكتب العلمية، إضافة إلى أعمال أدبية عالمية مبسطة للصغار، ثم أخذ جولة واسعة بقاعات وأجنحة المعرض، تخلّلتها استراحات قصيرة للجلوس، أو تناول بعض المأكولات والمشروبات الشعبية، كالسحلب وحمص الشام في مكان مخصص لها بالمعرض، يضم جميع أنواع المأكولات الشعبية بأسعار متوسطة، وكذلك الأكلات السورية واللبنانية، إلى جانب الكشري والفول والطعمية، وانتظر فراغ الصغار من لهوهم، للبحث عن أماكن بيع بعض الألعاب الإلكترونية. ويحرص عبد الله كذلك على متابعة بعض الندوات الثقافية قبل مغادرته أرض المعرض، حتى تكمل الوجبة، على حد قوله.

ومن جانبها، أوضحت زوجته جيهان أنها رغم التعب الذي عانته خلال اليوم أثناء تجولها وأسرتها بالمعرض، إلا أنها تشعر بامتنان لما صادفته واكتشفته في هذا اليوم لأول مرة خلال زيارتها للمعرض، رغم أنها «زبونة دائمة» له، على حد تعبيرها، حيث صادفت ركنا بالقاعة المخصصة لدار المعارف يعرض العديد من نسخ الجرائد النادرة والعملات والصور القديمة، وهي أشياء تعلم حب والدها لها؛ لذا.. اشترت بعضها لإهدائه إياها، ومن ضمنها أعداد صحفية تؤرخ لتولِّي السلطان فؤاد للحكم في مصر، وأخرى لقيام الثورة وتأميم قناة السويس، وأيضا بعض العملات القديمة، ومخططات لأفيشات أفلام السينما المصرية في بداياتها. وأكدت جيهان على اتساع المعرض، واستحالة سبر الزائر لأغواره من الجولة الأولى، فالمهتم الحقيقي به وبمعروضاته يحتاج إلى أكثر من زيارة، مشيرة إلى أن خطتها للشراء والتجول تبدلت إلى النقيض بمجرد دخولها للمعرض، فقد جاءت من بيتها وفي نيتها شراء بعض القواميس اللازمة لاستذكار أولادها، وبعض الكتب الضرورية لزوجها، ثم فوجئت بشراء مجلات وكتب لها وللأطفال لم تحتمل إغراءها، بالإضافة إلى بعض اللعب والأسطوانات التي اضطرت لشرائها تحت إلحاح وضغط الأبناء، الذين يميلون إلى تلك الأشياء أكثر من الكتب أو المطبوعات بصفة عامة.

وعلى استحياء، وبتشجيع من والديه، أبدى الطفل مازن عبد الله، الطالب بالمرحلة الابتدائية، إعجابه بالـ «DJ» المنتشر في المعرض، الذي يصدر عنه أصوات الموسيقى والأغاني، ويمنح المعرض جوا مبهجا ومنعشا، قائلا إنه استمتع بالدخول إلى قاعات العرض المخصصة للأطفال، بما فيها من ألعاب وأفلام كارتون وبوسترات لبعض الشخصيات الشهيرة المحببة إلى الأطفال من عالم ديزني، أو من السينما العالمية، كمجسد الرجلين الوطواط والعنكبوت، وأكد أن أكثر ما أعجبه بتلك الأجنحة هي سماحها للزائر بتجربة الألعاب، وتفحّصها، واللعب بها.

أما أخوه الأكبر أحمد، وكل من صديقيه هشام ويوسف، فأوضحوا أن زيارة المعرض لها نكهة مختلفة عما اعتادوه من نزهات، وما يميز المعرض في نظرهم هو الزحام الذي يوحي بأجواء احتفالية شديدة الصخب والالتحام.