اللوحات الإعلانية صيادة الزبائن في الشوارع المغربية

تعلن عن حلول الأعياد وجديد السيارات و«الموبايلات» والمواد الغذائية

لوحة إعلانية منصوبة في أحد شوارع الرباط («الشرق الأوسط»)
TT

سواء كنت راجلا أو راكبا سيارة خاصة أو حافلة نقل عمومي ستثير انتباهك لوحات ضخمة مزروعة في الشوارع الرئيسية تجبرك على التطلع إلى ما تحتويه من إعلانات متحركة أو ثابتة، وعليها صور بارزة مصحوبة بتعليقات باللغتين العربية والفرنسية، أو حتى بالعامية المغربية التي تسللت إلى وسائل الإعلام والإعلان خلال السنوات الأخيرة.

اللوحات الإعلانية في شوارع العاصمة المغربية الرباط تعلن عن كل شيء. نعم كل شيء، من المنتوجات الغذائية ذات الاستهلاك الواسع كالشاي والكسكس وزيت المائدة، الذي تنتشر الإعلانات عنه في كل مكان مقترنا بوجه المطربة سميرة سعيد.. إلى عروض السكن والسيارات والهواتف الجوالة (الموبايلات) والمشاريع السياحية ومطاعم الوجبات السريعة، مروراً بمواد التجميل والأجهزة المنزلية وقروض الاستهلاك التي تمنحها المصارف. وهكذا، أضحت وسيلة يتعرف من خلالها المغاربة عن اقتراب حلول المواسم والأعياد كعيدي الفطر والأضحى وموسم العطلة الصيفية. فقبل ظهور أكباش الأضاحي في الأسواق، تجد صورها معلقة على تلك اللوحات الضخمة برسوم كاريكاتورية تحث الناس على شرائها عن طريق قروض تمنح بسهولة ويسر وتسدد بالتقسيط المريح في مدة زمنية اختيارية، رغم الجدل المثار حول «شرعيتها» في كل مناسبة.

ولكن تبقى اللوحات الإعلانية في المغرب محصورة في هذه المجالات التجارية المذكورة، ولا توظف بشكل أوسع من ذلك كالمجالات الفنية أو السياسية.

فبالنسبة للمجال الفني، كانت هناك تجربة وحيدة خاضها قبل سنوات مطرب شعبي أعلن عن أحد ألبوماته من خلال لوحة كبيرة نصبت على مفترق طرق عدد من الشوارع الرئيسة في الرباط، ولم تتكرر التجربة بعد ذلك مع أي مطرب آخر. ربما بسبب الكساد الفني الذي تعيشه سوق الأشرطة الغنائية المغربية منذ سنوات طويلة، وإن كانت صور بعض الفنانين المغاربة من الممثلين تظهر من حين لآخر على تلك اللوحات كوجوه إعلانية للترويج لسلعة من السلع الاستهلاكية أو عروض شركات الاتصالات أو الوحدات السكنية. وهنا لا ننسى، طبعاً، الوجوه الرياضية المغربية في مجال كرة القدم على الخصوص التي تظهر أيضا على تلك اللوحات في التظاهرات الرياضية الكبرى سواء الإقليمية أو الدولية، وإن كان الاعتماد على وجه «كروي» للترويج لمنتج ما غدا مجازفة بالنسبة للمعلنين في الفترة الأخيرة بسبب النتائج المخيبة للآمال للكرة المغربية.

أما في المجال السياسي فالمناسبة الوحيدة التي ظهرت فيها إعلانات في الشوارع ذات مضامين سياسية هي ما بعد أحداث 16 مايو(أيار) 2003 الإرهابية في الدار البيضاء حين ظهرت إعلانات بخلفية بيضاء، عليها صورة يد أو «خميسة» باللون الأحمر كرمز للحماية من العين والحسد في الموروث الشعبي، مصحوبة بعبارة مكتوبة بالعامية المغربية هي: «متقيش بلادي» بمعنى «لا تمس بلدي».

أحد المارة يقول إنه يستحيل تجاهل هذه اللوحات، لأكثر من مرة في اليوم، فقد أصبحت «مثل ظلك»، فهي تثير انتباهك بشتى الطرق والسبب في رأيه، هو أن تلك الإعلانات تعنيك بشكل مباشر كالعروض المقدمة من طرف شركات الاتصالات.. التي تتغير باستمرار بسبب المنافسة لكسب الزبائن، وهي تستحوذ على نسبة مهمة من الإعلانات على هذه اللوحات، كما تستوقفه إعلانات الأسواق الكبرى (السوبر ماركت) بخصوص فترة التنزيلات.

أما قروض الاستهلاك فأصبحت أساسية في هذه اللوحات، على حد قوله، لأنها تظهر في مواسم الأعياد ودخول المدارس والعطلة الصيفية المقترنة بارتفاع الاستهلاك وزيادة المصاريف، لذلك يلجا كثيرون للاقتراض بسبب الإغراءات التي تقدمها المصارف من خلال الإعلانات في الشوارع.

بدورها قالت أمينة، وهي طالبة جامعية، إنها تتطلع إلى اللوحات الإعلانية «من دون شعور»، على حد تعبيرها، حتى وإن كانت غير معنية بالمنتوج المعلن عنه «لأن طريقة الإعلان في كثير من الأحيان تكون جذابة وذكية، بالإضافة إلى أنها تمنحك فرصة للتعرف على الجديد في كثير من المجالات.. لقد أصبحت هذه اللوحات جزءا من الحياة اليومية للناس».

من ناحية أخرى، يقول كمال لحلو، صاحب مجموعة «نيو بوبليسيتي» الإعلامية لـ«الشرق الأوسط» إنه كان أول من استخدم اللوحات الإعلانية داخل ملاعب كرة القدم عام 1986. وعام 1997 كانت شركته ضمن الشركات الأولى التي تخصّصت في مجال اللوحات الإعلانية في الشوارع، ليصل عددها حالياً إلى 13 شركة.

تصل تكلفة الإعلان ما بين 600 و1500 دولار، إلا أن هذه التعريفة تزيد أو تنقص حسب موقع اللوحة، ومدة الإعلان، إن كان لأسبوع أو لشهر أو لسنة، بالإضافة إلى المدينة الموجود فيها. وتحتل مدينة الدار البيضاء المرتبة الأولى من حيث ارتفاع التكلفة وعدد اللوحات الإعلانية فيها، تليها الرباط، ثم مراكش، واكادير، وطنجة.

ويؤكد لحلو أن المغرب كان سباقاً على المستوى العربي والإفريقي إلى اعتماد اللوحات الإعلانية في الشوارع، كما أنه مواكب للتطور الحاصل في هذا المجال على المستوى الأوروبي، مثل استخدام اللوحات ذات الشاشات المتحركة. ويقول لحلو إن عدم استغلال هذه اللوحات من طرف السياسيين، خصوصا إبان الحملات الانتخابية، «عائد إلى تكلفتها العالية» نافياً وجود أي مانع في ذلك، «فما هو ممنوع الترويج له على تلك اللوحات هو الخمور والتبغ لا غير» على حد قوله. أما بخصوص أهمية إعلانات الشوارع ودرجة تأثيرها مقارنة بوسائل الإعلام الأخرى، فهي برأيه تحتل مرتبة جيدة بعد التلفزيون والصحف اللذين يسيطران على النسبة الأكبر من صناعة الإعلان أو «الإشهار» كما يُعرف في المغرب.

ويقول لحلو إن «اللوحة الإشهارية الناجحة تعتمد على مجموعة من المقاييس، أهمها الصورة المختارة بعناية، ثم العبارة المرافقة لها أو «الرسالة» التي يريد المعلن تبليغها للزبون، وهي عبارات قصيرة مختزلة تؤدي المعنى بوضوح من دون أي تشويش لكي تبقى عالقة في الذهن، لأن من المفترض أن يقرأها الزبون بشكل عابر وسريع».