«القاهرة الخديوية».. تتجمَّل

تجديد وسط العاصمة المصرية من الخارج والداخل

جانب من ميدان التحرير وهو ضمن «القاهرة الخديوية» الجاري تطويرها (تصوير: عبد الله السويسي)
TT

بآلات تشبه مباضع الجراحين، وبحشد من العاملين في البناء والمعمار الذين يشبهون الأطباء، تجري عملية جراحية دقيقة لتجديد شباب «القاهرة الخديوية» والتي يعود بناء عماراتها ذات الطابع الباريسي، والكائنة في قلب العاصمة المصرية، إلى أيام حكم الخديو إسماعيل (من 1863 إلى 1879). ولن تقتصر عملية «تجميل وسط العاصمة» على الجدران الخارجية فقط، بل ستطال أيدي خبراء المعمار والبنائين الممرات الفاصلة بين المباني، وستصل أعمال الترميم إلى داخل البنايات أيضاً. محافظ العاصمة الدكتور عبد العظيم وزير قال إن أعمال ترميم القاهرة الخديوية لن تقتصر على إحياء واجهات بل ستشمل كذلك ترميم المباني من الداخل، مشيراً إلى أن المرحلة الأولى من العمل بدأت من «ميدان طلعت حرب»، فيما سيلحق الترميم في المرحلة الثانية البنايات الواقعة على جانبي امتداد شارع قصر النيل من «ميدان طلعت حرب» حتى «ميدان مصطفى كامل»، فيما تصل المرحلة الثالثة بعملية التطوير من «ميدان مصطفى كامل» حتى ميدان الأوبرا، ومن «ميدان طلعت حرب» إلى «ميدان التحرير».

وتظهر جماليات معالم القاهرة الخديوية بشكل واضح في العديد من أفلام السينما المصرية في القرن الماضي، ومن تلك المعالم كانت مدارس أجنبية وشوارع ومصارف ونوادٍ للطبقات الراقية ودور عرض بها أحدث الأعمال الفنية محلياً وعالمياً. وطالما تمخطر في أرجاء القاهرة الخديوية، التي كانت هادئة، أفندية وباشوات يرتدون الطرابيش وربطات العنق، وصعاليك يبحثون عن الشهرة في شوارع «كلوت بك» و«محمد علي» و«سليمان باشا»، وميادين «العتبة الخضراء» و«باب الحديد»، إضافة للعديد من دور السينما والملاهي والمسارح الصغيرة والكبيرة، ومنها «دار الأوبرا» قبل احتراقها.

وغيَّر الزمن الكثير من معالم البنايات الخديوية، فغطت اللافتات العصرية الكبيرة واجهات العديد من تلك المباني، كما كدس تجار وسط البلد بضائعهم من ملابس وخضراوات وأجهزة كهربائية، أمام فاترينات محالهم التجارية، وكما أصبحت التمشية على أرصفة وسط القاهرة صعبة المنال، كذلك تحولت شوارع المنطقة الخديوية لما يشبه الجراج الكبير، ليس بسبب كثرة المركبات المارة بالطرقات أو المتوقفة أمام إشارات المرور فقط، لكن أيضاً يرجع الأمر لانتشار ورش إصلاح السيارات وأسواق بيع قطع غيارها، إضافة لتزايد أسواق العاديات وبيع الخضر والفاكهة والمشروبات والمقاهي في العديد من الممرات الموجودة بين عمارات القاهرة الخديوية. وتشمل عملية إحياء القيم الجمالية للعمارات القديمة رفع الإعلانات التجارية الضخمة التي تغطي واجهاتها، وإزالة التشوهات عنها وإعادة طلائها بطريقة تعيدها إلى ما كانت عليه قبل نحو 125 سنة. مهندس معماري من المشرفين على أعمال التجديد قال إن إعادة ترميم بنايات وسط العاصمة ستتضمن أيضاً إزالة زوائد أسمنتية وإشغالات كثيرة تراكمت عبر السنين، وشوهت مباني وسط المدينة.. العمل يشمل إخلاء الممرات المفترض أن تكون خالية بين المباني وفقاً لتصميماتها القديمة التي شارك في وضعها مهندسون فرنسيون وإيطاليون ومصريون منذ أكثر من قرن من الزمان».

وألهبت أعمال التطوير الجارية خيال عدد من الخبراء والمسؤولين المحليين، وقال الدكتور طارق رفيق أستاذ التخطيط العمراني بجامعة القاهرة إن الحفاظ على أي نوع من التراث العمراني للمدينة يضيف للرصيد الحضاري، ويسهم في الحفاظ على تماسك الذاكرة الوطنية ويعزز الرصيد الثقافي للشعب، إضافة لرفع مستوى جماليات البيئة، إلا أنه أشار إلى أن التدخل لتطوير المدينة لا بد أن يكون تدخلا شاملا، بمعنى أنه لا ينبغي أن نركز على تحسين المباني، ونترك الشوارع مزدحمة.. الأمر يتطلب تفريغ وسط العاصمة من بعض الأنشطة التي تؤدي للتكدس والازدحام، وكذلك لا بد من التفكير في تحويل بعض شوارع القاهرة الخديوية إلى مسارات للمشاة فقط، ومنع مرور السيارات بها».

وأضاف الدكتور رفيق أن تنفيذ هذا الأمر ما زال صعب المنال في قلب العاصمة الزاخر بالعديد من المؤسسات الخدمية في العديد من المجالات والتخصصات». وسيتم إحياء شارع «قصر النيل» الحيوي، وذلك من ميدان الأوبرا إلى ميدان التحرير، وإعادة تنسيق الميدان وأماكن المشاة واللافتات وإشارات المرور بتكلفة تصل إلى 4.5 مليون جنيه، بحسب رئيس الجهاز القومي للتنسيق الحضاري سمير غريب. فيما قال محمد زكي الحفناوي عضو المجلس الشعبي لمحافظة القاهرة، إن المحافظة تريد، وبشدة، «استعادة الوجه الحضاري للعاصمة»، وأن مسألة التكدس المروري في القاهرة الخديوية موضوعة هي الأخرى على جدول أعمال برنامج التطوير، بحيث يتم التوصل، بعد الانتهاء من التطوير الحضاري، لتحديد شوارع تكون مخصصة للمشاة فقط.