دمشقيون يحولون المقاهي المتنقلة إلى مطاعم وكافيتريات

في سيارات شاحنة صغيرة جعلوا من صناديقها الخلفية مطابخ

مطاعم وكافيتريات متنقلة بسيارات شاحنة صغيرة في دمشق («الشرق الأوسط»)
TT

انطلقت الفكرة قبل نحو عشر سنوات من قِبل عدد من العاطلين عن العمل في دمشق ومن أصحاب الدخول الشهرية أو اليومية المحدودة، حيث قاموا بابتكار ما أسموه المقهى المتنقل على دراجة هوائية، وكانت الانطلاقة بسيطة حيث وضعوا على الدراجة صندوقا يضم مستلزمات تحضير القهوة التركية والنيسكافيه والكابتشينو، وطبعا الشاي.

ولأن عملهم بسيط فقد كانت أسعار مشروباتهم رخيصة، ولأن أكثر من هم بحاجة إلى خدماتهم هم سائقو حافلات النقل الداخلي والسرفيس وزوار الحدائق العامة، حيث لا توجد في داخلها مقاهٍ مرخصة من قبل محافظة المدينة، تمركز هؤلاء على مواقف النقل الداخلي وداخل الحدائق العامة يقدمون خدماتهم للسائقين والعابرين من روادها المتقاعدين والشباب والشابات. ومن لم يمتلك دراجة هوائية أو لا يحب قيادتها استخدم رجليه وظهره ويديه أحيانا، ليكون مقهى متنقلا راجلا وفي مناطق محددة.

ولأن الفكرة كانت ناجحة ومربحة إلى حد ما، تفتق ذهن العديد من الدمشقيين ممن يمتلكون سيارات شاحنة صغيرة وليس لديهم عمل، بأن حولوا صندوق سيارتهم الخلفي، ليس فقط إلى مقهى متنقل، بل إلى مطعم متنقل. ولم يكتفوا بالوجود في مواقف الباصات والسرفيس والحدائق العامة، بل انتشروا وبشكل واضح في الأسواق وحارات دمشق القديمة وعلى تقاطعات الطرق العامة.

ويقول أحد أصحاب هذه السيارات، ويدعى محمود كجو لـ«الشرق الأوسط»: أقدم في سيارتي الشاحنة كل ما يريده الناس من وجبات إفطار، فأنا أجيد تحضير المسبحة والفول والحمص باللبن، وكذلك لدي سخانة لتصنيع ساندويتشات الوجبات السريعة من الجبنة واللبنة وغيرها، وأتنقل بسيارتي المطعم في أماكن عديدة، وألقى إقبالا من الزبائن، وأنا وزملائي نقدم خدمات للناس بأسعار رخيصة، حتى أقل من أسعار المطاعم الشعبية، فنحن نصنف أنفسنا بأقل من الشعبية. وعادة ما نوجد في الأماكن التي فيها متسوقون أو مراجعون لدوائر حكومية لديهم معاملات يريدون إنجازها، ومنهم من يكون قادما من المحافظات البعيدة، فعندما يشاهدنا يطلب منا وجبة فطور، كصحن مسبحة أو فول أو ساندويتش جبنة ومربى وغيرها فنقدمها إليه. كذلك نوجد في بعض الأسواق الشعبية حيث هناك متسوقون يبقون لفترات طويلة في السوق، فيشترون منا الساندويتش لهم ولأطفالهم.

وأسأل محمود عن مدى نظافة وتوفر مستلزمات تحضير هذه الوجبات في صندوق سيارته الشاحنة، فيجيب حازما ومؤكدا أن النظافة لديه لا يساوم عليها مطلقا، فهو يستخدم أواني بلورية ومعدنية لا تصدأ، والصحون ينظفها باستمرار، ولدية مجموعة احتياطية من الصحون، ولديه أيضا الصحون التي تستخدم لمرة واحدة في حال رغب الزبون في تناول الوجبة فيها. ويقول إنه كل يوم في الليل وبعد أن يذهب إلى منزله تقوم زوجته بجلي الأواني التي استخدمها، وبمواد منظفة قوية، ولكن يضيف محمود: «لا أضمن بقية زملائي ممن لديهم سيارات مطعم مثلي، فهذا يعود إلى ضمائرهم وتربيتهم وأخلاقيتهم»، ويشكك في نظافة البعض منهم خاصة.

كما يقول أولئك الذي يعملون طوال اليوم وحتى في الليل، حيث البعض منهم يذهب في الليل إلى الأماكن التي يوجد فيها ساهرون أو عمال ليليون، ويعبرون ساحات وشوارع مثل الميدان وساحة المرجة، فيقدمون خدماتهم لهم. هؤلاء، يقول محمود: «يقلدون تلك المطاعم الشهيرة في دمشق التي تفتح 24 ساعة في اليوم، ولكن متى ينظف هؤلاء أدوات مطبخهم المتنقل؟!» يتساءل محمود مستغربا ومشككا.

وسؤال محمود مصيب، ولكن ليس فقط عن هؤلاء الذين يتجولون بسياراتهم ليلا ونهارا، بل حتى على جميع أصحاب هذه المطاعم المتنقلة، فهؤلاء كما يؤكد مسؤولو الصحة وحماية المستهلك في دمشق، لا يمتلكون رخصة نظامية، ولا توجد رقابة على خدماتهم الغذائية، ولذلك تلاحقهم شرطة المحافظة باستمرار وتصادر أدواتهم، ولكن يعودون بعد ساعات أو في اليوم التالي للعمل نفسه مع أدوات جديدة.

ويبرر ماهر ملاحفجي، وهو يمتلك سيارة شاحنة ولكن كمقهى فقط، ويوجد في أسواق قديمة مثل القباقبية والبزورية وغيرها، وأحيانا يوجد في سوق الشعلان، يبرر عودته هو وزملاؤه إلى العمل الجوال قائلا لـ«الشرق الأوسط»: تقدم لي هذه السيارة التي حولتها إلى مطعم متنقل دخلا مقبولا يساعدني في توفير متطلبات أسرتي الصغيرة، ولذلك نحن نعمل ولا نؤذي أحدا، ولا نسبب ازدحاما على الرصيف، فنحن لا نتوقف على رصيف كما يفعل أصحاب البسطات، وإنما نقف على طرف الشارع ولا نعيق حركة المرور. ونأمل أن ترخص الجهات الرسمية لنا هذا العمل كمقهى متنقل أو مطعم بسيط متنقل، خاصة وأن زبائننا يتزايدون باستمرار، وحتى من قِبل بعض السياح، خاصة الأوربيين منهم، فالبعض من هؤلاء - كما قالوا لي - عندما قدمت لهم فنجان قهوة إيطالية بناء على طلبهم، وكنت في سوق القباقبية، قالوا لي إنها فكرة جميلة أن يشرب السائح والزائر لدمشق فنجان قهوة «على الواقف» وهو يستمتع بالنظر إلى المحلات الفلكلورية، وبحركة مرور الناس والمتسوقين، وبسعر رخيص. وهناك بعض رواد المقاهي الدمشقية يشربون القهوة عندنا ويقولون لي إننا كرماء معهم أكثر من تلك المقاهي التي تقدم مثلا فنجان القهوة الإيطالية بكمية قليلة جدا أو حتى كأس الشاي، ولذلك صاروا يشربون من عندنا الشاي والقهوة وبسعر أقل من المقاهي».

وطبعا هذه الأمور لا تروق أصحاب المقاهي والمطاعم الصغيرة، ويحاول بعضهم محاربة أصحاب هذه المقاهي والمطاعم المتنقلة، من منطلق أن هؤلاء يعملون بشكل مخالف ولا يدفعون ضرائب للحكومة كما يفعل أصحاب المطاعم والمقاهي الثابتة، على الرغم أن زبائنهم يختلفون عن زبائن هؤلاء، فمن يريد شرب فنجان قهوة ولوقت طويل سيتجه إلى المقاهي والكافيتريات ولن يأتي إلى المقاهي المتنقلة، ولكن على ما يبدو، يضيف ماهر: «أصبحنا ننافس هؤلاء، خاصة عندما نوجد في الحدائق العامة أو في أماكن يمكن للزبون أن يجلس على مقعد مثلا، كمواقف الباصات، وأن يشرب من عندنا الشاي والقهوة وغيرهما».