مربو الخيل في لبنان يترحمون على «خواجات» السباق

أعدادها تراجعت من 1500 إلى 200 رأس في الفترة الأخيرة

أكثر من 400 عائلة لبنانية تعيش من هذا القطاع («الشرق الأوسط»)
TT

يتفق مربو الخيل في لبنان على أنهم تجاوزوا العصر الذهبي، حين كان «خواجات» (وجهاء) بيروت و«ذواتها» (أعيانها)، يسهرون على هذا القطاع ويشملون المربين بعطفهم ورعايتهم. أما اليوم فالواضح أن هذا القطاع يشهد ضمورا بدءا من جنوب لبنان، حيث زالت هذه الظاهرة كليا، مرورا بالبقاع الذي لم يتبق فيه سوى مركزين لتربية الخيول، وصولا إلى محافظة عكار (في شمال لبنان) التي لا تزال تحتفظ بنحو سبعة مراكز تعاني الكثير من المشكلات والصعوبات التي عبر عنها أصحابها، أخيرا، في كتاب وجهوه إلى رؤساء الجمهورية والحكومة ومجلس النواب ووزير الزراعة، وطالبوا في كتابهم «حماية الإنتاج وتعويض المربين وإيجاد جوائز خاصة للخيول حصرا في عكار».

وكان مربو المنطقة قد تجمعوا في ساحة بلدة «حلبا» العكارية معتصمين ضد انقطاع التيار الكهربائي «الذي انعكس خسائر جسيمة وتعطيلا للأعمال وتوقفا لتجارة الخيل» على حد قول رئيس لجنة المربين والرئيس السابق لبلدية حلبا عبد الرحيم الحلبي، الذي أكد لـ«الشرق الأوسط» أن هناك أكثر من 400 عائلة تعيش من هذا القطاع، كما أشار إلى تراجع أعداد الخيول من 1500 إلى 200 رأس تقريبا.

ويستفيض عضو جمعية مربي الخيول في عكار جمال خضر في شرح أبعاد هذه المشكلة، فيقول، «مشكلتنا الأساسية هي مشكلة عدم القدرة على تصريف الإنتاج، خصوصا أن سوقنا الأساسية هي سوق سباق الخيل حيث كنا نبيع المهر الذي لم يتجاوز سنه الخمسة أشهر بنحو 5 آلاف دولار، أما اليوم بالكاد نحصل على هذا الرقم ثمنا لحصان عمره ثلاث سنوات. وعندما كان الطلب كبيرا على المهور كان واضحا وجود منافسة تجلت في زمن «الخواجات» و«الذوات» أمثال هنري فرعون، والماركيز موسى دوفريج، والأمير منصور (من العائلة المالكة الأردنية) ومحمد فستق. وكان هؤلاء يعاملوننا معاملة لائقة، أما الحاليون فيسحبون اللقمة من الفم».

ويضيف، «كان الخواجات يوكلون إلينا مهمة تربية الفرس وعندما تضع مهرها يتقاضون منا نصف سعر المهر حتى سنته الثالثة، وبعد ذلك تعود ملكيته إلينا لتشجيعنا ودعمنا. وكانوا يؤمنون لنا 10 في المائة من جوائز السباق وأحيانا تصل النسبة إلى 20 في المائة، أما اليوم فلا يتجاوز ما نتقاضاه المائة ألف ليرة. ولهذا السبب صارت خيولنا الأصيلة في الكويت والبحرين ومصر والعراق وغيرها لأن تربيتها مكلفة لنا».

ويعتبر خضر أن 99 في المائة من خيول عكار عربية أصيلة ولا تجد من يعطيها حقها في سباق الخيل، الذي يفضل الخيول المهجنة من سورية والعراق. ويقول، «في العصر الذهبي، عندما كان يصل إلينا حصان مهجن من العراق وغيره نسارع إلى خصيه، ونذكر هنا ما أقدم عليه إمبراطور السباق يومذاك المرحوم هنري فرعون لجهة تعقيمه خيل «عسيرات» العراقية حتى لا تختلط بأنساب الخيول العربية». ويستغرب الفوضى التي تطال القطاع حاليا والاستهتار بالمحافظة على نسل الخيول الأصيلة على الرغم من تسمية لجنة السباق الحالية «جمعية حماية وتحسين الجواد العربي في لبنان».

وتعبيرا عن ارتفاع الكلفة يشير خضر إلى أن كيلو التبن ارتفع من 150 ليرة (عشرة دولارات) إلى 500 ليرة العام الماضي، وكيلو الشعير من 250 ليرة إلى 700 ليرة، وهذا ما ساهم في تراجع عدد المزارع إلى مزرعتين في البقاع وبعض المربين الصغار، ومن 30 مزرعة في عكار إلى 7 أو 8 مزارع، وكانت المزرعة الواحدة تضم بين 25 و40 رأسا. ولا ينسى دور وزارة الزراعة في الماضي التي كانت تنظم مباريات كبيرة في بلدة «العبدة» أو مطار القليعات العسكري (وكلاهما في عكار) لاختيار أجمل مهر أو أجمل فرس.

ويعتبر الطبيب البيطري سمعان يوسف السبعلي أن الخيل «تفترض معاينة دورية، سواء لجهة هندمة الحوافر واستكشاف ما إذا كانت مصابة بأي أمراض كالمغص أو احتقان البول، أو التهاب الرئة، أو عقدة المعي، أو انقطاع الوتر نتيجة استخدام نضوات الحوافر».

ويقول السبعلي إن «نضوات الحديد من صنع أوروبا وهي تستخدم للخيول التي لا تستعمل للسباق، أما النضوات التي نستعملها لخيل السباق فهي من الألمنيوم لأنها أخف وزنا. وبين زيارة المعاينة والزيارة الأخرى فترة لا تتجاوز 40 يوما، علما أن متوسط عمر الحصان هو بحدود 30 عاما».

ويعتبر أن المهر الأصيل يباع في عمر السنة ويتم كبسه في سن السنتين والنصف، وفي سن الثلاث سنوات يبدأ الركض. أما الخيل الأجنبية، فلا تركض قبل ست سنوات.