التصوير الفوتوغرافي بنظام «ستيدج» في القاهرة لأول مرة

إنجاز الصورة الواحدة يكلف آلاف الدولارات وشهورا من الإعداد

برجا مركز التجارة العالمي على شكل مضختي وقود وشخص يمثل وحدة مصدر الديانات السماوية («الشرق الأوسط»)
TT

برجا التجارة العالمي الشهيران عبارة عن مضختي بنزين، وذلك قبل أن يتم استهدافهما عام 2001 وينفجرا. ويبدو أمام البرجين شخص واحد لكنه متعدد الوجوه، يرمز إلى وحدة مصدر الديانات السماوية، لكن هذه الوحدة غير قادرة على منع الانفجار والاقتتال في خلفية الصورة، والذي يمثله الشاب الشرق أوسطي الجالس على يسار الصورة، يلهو بأعواد ثقاب يتطاير شررها قرب مضخة البنزين اليسرى، بينما يسكب جندي من البنزين على الفتاة (يمين الصورة)، ليكتمل المشهد بأن النار إذا اشتعلت ستحرق الجميع.

مثل هذه الصور ليس لها أصل على أرض الواقع، وهي ليست من الصور التي يتم تركيبها ومزجها باستخدام تقنيات الكمبيوتر، كما قد يتبادر إلى ذهن البعض، بل هي تعود إلى نوع شديد التعقيد من التصوير الذي يطلق عليه في أميركا «stage»، أو «conceptual»، دون أن تعني الترجمة الحرفية التي تعني بالعربية «التصوير المسرحي»، أو التصوير المزجي.

هذا النوع من التصوير، والذي يتطلب عدة أشهر من العمل لإنجاز صورة واحدة منه، قام به المصور والفنان المصري ذو الأصول اللبنانية السورية توفيق عرمان، الذي شارك في عدد من المعارض في الولايات المتحدة وهولندا وعدة بلدان غربية أخرى.

وعرمان خريج الجامعة الأميركية بالقاهرة قسم الفنون الجميلة، يحترف العمل في التصوير الفوتوغرافي العادي، سواء بتصوير المشاهير أو الإعلانات الخاصة بالشركات التجارية أو معارض الموضة، وغيرها. لكن هوايته هي إعادة تجسيد حالة من الحالات العامة المعاصرة، مثل الصراع العربي الإسرائيلي أو النزاعات حول العالم أو التغير الثقافي لمجتمع ما، وتجعله يلهث في عمله الاحترافي لتغطية نفقات هوايته المكلفة ماليا، إذ يتطلب تصوير وإخراج صورة واحدة من نوع «stage» أو «conceptual» آلاف الدولارات والعديد من الأيام التي قد تصل إلى شهور، إضافة إلى عرضها في شكلها النهائي بالحجم الطبيعي للأشخاص، أي ما بين 120 سنتيمترا طولا، و80 سنتيمترا عرضا، وليس مجرد «كارت فوتوغرافي».

وجرت عملية تصوير وإخراج الصورة لبرجي مركز التجارة العالمي في استوديو قام بتأجيره بمدينة بروكلين الأميركية عام 2006، واستخدم في الصورة 4 أشخاص (أصبحوا 6 داخل الصورة) متطوعين، فيما كان فريق العمل يتكون من 15 من المساعدين والفنيين.

وقال عرمان إن الصورة التي استغرق العمل فيها نحو 3 أشهر تعبر عن حالة الصراع الموجودة بين الغرب والعالم العربي والإسلامي، «وهي بالنسبة لي تلخص العنف والمصالح المتضاربة الواقفة خلفه، وعدم القدرة على التدخل لوقفه».

وعرضت هذه الصورة للمرة الأولى في فبراير (شباط) من العام الماضي، في أتيلييه «براخت فوريم» بالولايات المتحدة لمدة شهر، ونشرت عنها الصحف الأميركية المتخصصة العديد من التعليقات. كما عرضت بعد ذلك بنحو شهرين في معرض «نوردليخت» السنوي بهولندا، والذي يعتبر من أكبر 12 معرضا في العالم للتصوير، المعروفة باسم «فيستفيال أوف لايت».

ومن الصور الأخرى صورة تظهر في خلفيتها الأهرامات التي قال عرمان إنها ترمز لقلب ثقافة الشرق الأوسط المحافظة، لكن الشاب والفتاة في هذه الصورة، رغم الجلسة الفرعونية، لا يرتديان ملابس تعبر عن ثقافتهما المحلية، بل إن الثقافة الطاغية عليهما هي الثقافة الغربية، ممثلة في العلم الأميركي (الأقلام الحمراء والنجوم الزرقاء)، بما يعني إجمالا تمسك شعوب المنطقة بخلفياتها الثقافية وعدم قدرتها على الاستمرار في السير نحو المستقبل دون التأثر بالحضارة الغربية الحديثة.

وتم تصوير هذه الصورة وإخراجها في مصر عام 2005 أمام أهرامات الجيزة، واستُخدم فيها صديق وصديقته. وقال عرمان: «تعرفت عليهما ووجدتهما، كما هما في الطبيعة، يمثلان مرحلة تمر بها شعوب الشرق الأوسط. وحين عرضت عليهما التقاط صورة لهما بالطريقة التي أريدها ترددا في بداية الأمر، لكنهما وافقا بعد ذلك»، وأضاف: «هذه الصورة ترمز إلى أشياء كثيرة، أهمها أننا في منطقة الشرق الأوسط أصبحنا نرى كل شيء في مجتمعاتنا أميركياً، ولو لم تكن قضية فلسطين ووقوف أميركا وراء إسرائيل لكان للثقافة الأميركية دور أكبر وأكثر إيجابية في المجتمعات العربية والإسلامية. الصورة التي عرضت في معرض بدبي بالحجم الطبيعي للأشخاص ترى فيها البنت الشرقية المحتشمة المحافظة، ومع ذلك هي ترى الحياة من منظور أميركي، هي ترتدي فستانا من قماش الجينز، هذه ثقافة أميركية، وكذلك الشاب الجالس بجوارها».

واستغرقت عملية التصوير بجوار الأهرامات نحو 3 ساعات، أما عملية إخراجها فاستغرقت نحو شهر، سواء من حيث ضبط الألوان أو غيرها من تفاصيل الصورة.

ويبلغ عدد الصور التي أنجزها عرمان بطريقة «stage» أو «conceptual» حتى الآن 7 صور، تتحدث عن قضايا الشرق الأوسط، وفي القلب منها القضية الفلسطينية، عرضها في عدة معارض أميركية وأوروبية، إضافة إلى معرض «غولف آرت فير» في دبي العام الماضي، وهي المرة الأولى التي يعرض فيها أعمالا من هذا النوع في بلد عربي.

وعرمان من مواليد القاهرة عام 1975، لأب وأم مصريين لكنهما من أصول لبنانية، وبعد نحو 8 سنوات من العمل في دبي قرر ترك الاستوديو الخاص به هناك والعودة للإقامة في القاهرة، قائلا إنه يريد أن يتوسع في تجربة التصوير هذه، غير المعتادة في مصر، مشيرا إلى أن العديد من المعارض الفنية والمجلات المتخصصة، التي طاف بها في القاهرة، بدأت تستوعب الفكرة وتفكر في إقامة عروض لهذه الصور، وإلقاء محاضرات حولها للتعريف بها.