الركود الاقتصادي يبدل آداب التعامل داخل المطاعم

انتهى الجدل حول من يدفع الفاتورة.. والحلوى والمياه المعدنية ضمن الكماليات

TT

مساء أحد أيام الاثنين، توجهت كريستين بيترز، منتجة فيلم «كيف تخسرين رجلا في 10 أيام»، إلى مطعم بولو لونج داخل فندق بيفرلي هيلز، وبصحبتها منتجة أخرى وإحدى الممثلات. وتجاذب الثلاثة أطراف الحديث لمدة ساعة حول فيلم محتمل، ثم استأذنت بيترز للتوجه إلى دورة المياه. ولدى عودتها، لاحظت وجود صندوق مصنوع من الجلد على المائدة بداخله فاتورة الحساب. وسألت بيترز رفيقتيها: «هل دفعت أيٌّ منكن هذه الفاتورة؟». وهنا حدقت المرأتان بوجهها في البداية، ثم نحو الفاتورة، وأخيرا أجابت إحداهما: «لم نلحظ وجودها». وعندما لم تعرض أيٌّ منهما دفع فاتورة الحساب، التي بلغت قرابة 100 دولار، اضطرت بيترز للقيام بأمر باتت تؤديه بصورة متزايدة هذه الأيام، حيث أخرجت محفظة نقودها وتولت هي دفع الحساب. وفي تعليقها على الموقف، قالت بيترز: «كانتا مهذبتين، لكن لم تود أي منهما دفع الحساب. لقد شعرت وكأنني أرغب في إنقاذهما من التعاسة التي خيمت عليهما». والآن، أصبح هذا المشهد متكررا بمختلف المطاعم، من سباركس حتى سباغو، بعد أن كان رواد المطاعم يتشاحنون فيما بينهم حول من سيدفع فاتورة الحساب. إلا أنه منذ حدوث حالة الركود الاقتصادي، بدأت بعض العادات الاجتماعية الرقيقة التي ميزت فترة الازدهار الاقتصادي في التلاشي. بدلا من الحلوى، أصبح الكثيرون ينهون وجباتهم بإجراء حسابات باردة لما يستحق أن يدفع المرء مالا للحصول عليه، وما لا يستحق ذلك. وغالبا، ما تأتي الإجابات على نحو يثير عدم ارتياح الجالسين على جانبي طاولة الطعام. على مدار سنوات، حرص لاري كيرشبوم، الرئيس التنفيذي السابق في «تايم وارنر بوك غروب»، على دعوة كثيرين من الوكلاء والكتاب إلى مطاعم مثل مايكلز وباترون، مغدقا عليهم من الثناء، وكان يسدد حساب هذه اللقاءات بنفس راضية. وفي عام 2006، تحول كيرشبوم نفسه إلى العمل وكيلا أدبيا. وقال: «طوال حياتي كنت أدعو الوكلاء لتناول الغداء وكنت أتطلع لأن أحظى بالمعاملة ذاتها». لكن الحياة الرغدة التي كان يأملها كيرشبوم تحولت إلى سراب، فبدلا من التوجه إلى مطعم بمستوى مايكلز، أشار إلى أنه غالبا ما يلتقي زملاءه في مطعم كمفرت دينر بشارع 45 إيست، حيث تبلغ تكلفة ساندويتش الجبن المشوي 8.95 دولار. وفي كثير من الحالات، يطلب منه المحررون والناشرون تسديد قيمة الوجبة التي تناولها أو التخلي عن فكرة تناول الغداء من الأساس. في الأسبوع الماضي، على سبيل المثال، دعاه أحد كبار الناشرين لتناول الغداء وأبدى موافقته على أن يتولى هو دفع الحساب. إلا أن بهجة كيرشبوم في البداية تلاشت عندما علم أن الناشر يرغب في لقائه داخل ماكدونالدز. ويقول كيرشبوم: «هل هذا ما آل إليه الأمر؟ حيث يسألك الآخرون: هل يمكن أن أحضر إلى مكتبك وأتناول كوبا من الماء؟ لقد بات الناس متخوفين من إنفاق المال. وأي أمر ينطوي على قدر بالغ من المتعة أو التدليل يلقى رفضا». ويظهر هذا التخوف بدرجات متباينة في مختلف المطاعم. على سبيل المثال، في مايكلز الكائن بمنطقة مانهاتن، اعتاد بعض العملاء تناول الغداء بالمطعم ثلاثة مرات أسبوعيا، لكنهم قلصوا الآن عدد الزيارات الأسبوعية إلى مرتين، طبقا لما قاله المدير العام للمطعم، ستيف ميلينغتون. وبات العملاء يرفضون الكماليات الإضافية مثل زجاجات المياه المعدنية، ونادرا ما يطلبون مقبلات وحلوى في ذات الوقت. وأضاف ميلينغتون أن عدد العملاء الذين يتناولون الإفطار في المطعم - الذي يقل سعره عن وجبة الغداء بحوالي 40% ـ ارتفع بنسبة 20%. ومن غير المثير للدهشة أن نجد تقاليد تناول الغداء في المطاعم بين العاملين بالحقل التجاري باتت تميل لصالح من يملكون المال مقابل من يملكون القليل منه، بمعنى أنه عندما يلتقط شخص ما فاتورة الحساب ليدفعها هذه الأيام، فإن ذلك غالبا ما يعكس أن شركته تتمتع بوضع مالي أفضل. من ناحيتها، قالت تيري برس، المستشارة بمجال تسويق الأفلام والتي تتنقل باستمرار بين نيويورك ولوس أنجليس، حيث تقدم النصح لاستوديوهات الأفلام حول كيفية الترويج لأفلامها: «أشعر أني محظوظة، فأنا لا أجلس هنا أسجل من دعوتهم لتناول الغداء وما إذا كانوا دفعوا الحساب أما لا. في الحقيقة، بمقدوري أن أدعو الآخرين لتناول الطعام وهذا يجعلني محظوظة». ونوهت برس إلى أنه في أغلب الحالات، ينتهي الأمر بالتقاطها فاتورة الحساب، لأن الوضع يصبح غير مريح عندما لا تفعل ذلك. وأوضحت أن: «ذلك لا يعني أن وجوه الآخرين تعكس شعورا بالارتياح عندما أمد يدي لتناول الفاتورة، لكنهم في الوقت ذاته لا يمدون أيديهم لتناولها بأنفسهم. أمد يدي دائما لاستلام الفاتورة، لأنه سيكون من الغريب ألا يفعل أحد ذلك. من يرغب في الجلوس على طاولة عليها فاتورة حساب؟ إنها تبقى لفترة طويلة، ويصبح الوضع غير مريح. إذا لم يكن باستطاعتك استلام فاتورة حساب عن وجبة غذاء، فعليك الامتناع عن الذهاب من الأساس». واستطردت برس موضحة، أنه إذا كان وصول فاتورة الحساب بات أمرا مثيرا للحرج بصورة متزايدة في الفترة الأخيرة، فإن ذلك يرجع إلى أن البعض لم يتكيف بعد مع الواقع الاقتصادي الجديد. ويبدو أن مسألة التكيف تلك تنطوي على صعوبة خاصة في هوليوود، حيث تتفوق مظاهر استعراض الثروة على الحقائق القائمة على أرض الواقع. في هذا السياق، شددت برس على أنه: «ينبغي التمييز بين دعوات الغداء المراد من ورائها التفاخر، والغداء العادي. ليس من الحتمي التعامل مع الغداء باعتباره مؤشرا يعبر عن مكانتك». وبالنسبة للمحظوظين الذين لا يزالون يحظون بوظائف، من الممكن أن تثير مسألة تناول الطعام مع الزملاء الذين فقدوا وظائفهم مؤخرا معضلة اجتماعية جديدة، ففي هذا الموقف، هل يتعين على من يعمل استلام الفاتورة؟ وفي هذه الحالة، هل ينبغي أن يطالب الشركة بسداد ما دفعه، أم عليه تحمل تكاليف الفاتورة من ماله الخاص؟ وبالنسبة لمن يشكون في أن رؤسائهم يعكفون على مراجعة تقارير النفقات التي يقدمونها بدقة، بات تناول القهوة الحل الأمثل. مثلا، اعتاد بيتر ثونيس، رئيس قسم الاتصالات بشركة فيريزون كمينيكيشنز، تناول الطعام بانتظام مع المراسلين الذين كان يتعين عليهم سداد قيمة الوجبات التي يتناولونها تبعا لما تنص عليه السياسات الأخلاقية التي حددها رؤساؤهم. وعليه، وجد ثونيس نفسه في ورطة: فهل من المناسب أن يدعو مراسلا صحافيا للغداء، مع علمه أنه ربما يكون من الصعب سداد قيمة الفاتورة؟ أم أن عليه التخلي عن اللقاءات المباشرة، على الرغم من علمه أن ذلك ربما يضعف علاقاته بوسائل الإعلام؟ وبالتالي، أصبح تناول قدح من القهوة تسوية مناسبة للخروج من هذا المأزق، وذلك لأنه يجنب المراسل حرج الاضطرار لسداد قيمة وجبة مرتفعة التكاليف. كما أن ذلك يسمح لثونيس بالإبقاء على علاقاته وصلاته المهمة. والأهم من ذلك، أن تناول القهوة يكلف أقل من عشرة دولارات. إلا أن هذا التقشف الجديد شكل مصدر ارتياح للبعض. من بين هؤلاء سيدة ثرية متزوجة من رئيس تنفيذي لإحدى شركات الأوراق المالية، قالت إن زوجها وأصدقاءه في العمل اعتادوا ممارسة لعبة عند تناول العشاء يطلقون عليها «يانصيب بطاقات الاعتماد» لتحديد من يتولى دفع الحساب. وأوضحت أن كل رجل من المشاركين كان يقذف بطاقة الاعتماد الخاصة به على الطاولة، ثم يُطلب من شخص ما التقاط بطاقة ويعلن اسم صاحبها بصوت مرتفع بحيث يسمعه كل من بالمطعم. عندئذ، يتعين على «الفائز» سداد قيمة الفاتورة التي غالبا ما كانت تصل لـ1.000 دولار أو أكثر. وقالت: «كان أمرا بشعا للغاية. كانت النادلة تمقته. وتشعر الزوجات بعدم ارتياح حياله.. أحمد الله أنه لم يعد أحد يمارس هذه اللعبة الآن».

* خدمة «نيويورك تايمز»