5 أنوال يدوية فقط في دمشق تنتج البُسُط

انقرضت المهنة تماما في مدن سورية أخرى اشتهرت بها منذ مئات السنين

أحد الحرفيين الدمشقيين القدامى في صناعة البسط اليدوية («الشرق الأوسط»)
TT

عرفت مدينة دمشق ومدن سورية الأخرى حرفة صناعة البسط اليدوية منذ مئات السنين، حيث عمل بهذه المهنة عشرات الحرفيين وتوارثوها أبا عن جد، كما ورثوا معها الأنوال التي كانوا يستخدمونها لحياكة البسط، ولكن في السنوات الأخيرة اتجهت هذه الصناعة إلى الانقراض بسبب مزاحمة العمل الآلي لها ووجود معامل كثيرة تنتجها بشكل آلي.

وفي السنوات الخمس الأخيرة، هجر العديد من الحرفيين اليدويين المهنة عبر النول اليدوي، وبخاصة أولئك الشباب الذين كان أجدادهم وآباؤهم يعتزون بأنوالهم اليدوية، وعشقهم لحرفة الحياكة عليها، وإنتاج أشكال متنوعة من البسط التي هي أشبه ما تكون بلوحة فنية كانت توضع على البلاط بدلا من السجاد في القصور والبيوت الشامية التقليدية، وفي مرحلة لاحقة أصبحت تعلق على الجدران في الصالونات والبيوت كعمل فني تراثي. ولكن حتى الطلب على البسط كشكل تراثي انخفض كثيرا باستثناء بعض السياح والزوار وبعض الأثرياء، والسبب ثمنها المرتفع قياسا بما هو منتج بشكل آلي.

ارتفاع ثمنها سببه الوقت الطويل في إنتاجها، فالمتر المربع الواحد من البساط الملون والمزخرف يحتاج إلى يوم عمل كامل، في حين تنتج الآلة مئات الأمتار، ولهذا السبب تخلى الكثير من الدمشقيين عن هذه المهنة وتخلوا عن أنوالهم اليدوية، ولم يبقَ في دمشق كلها سوى خمسة أشخاص يعملون بها.

ويقول أحد هؤلاء الخمسة، وهو الحرفي غسان وردة في سوق المهن اليدوية بدمشق (التكية السليمانية)، متحدثا لـ«الشرق الأوسط»: «تحتاج حرفة صناعة البسط وتصليحها وترميم السجاد الذي نعمل عليه منذ عشرات السنين وورثته عن أسرتي، إلى جهد وصبر وطول بال، فنحن نعمل على نول يدوي يتألف من السدي واللحمة، وهي غالبا من الصوف والسدي من شعر ماعز، أو صوف خروف نقوم بصبغه ونغير ألوانه ونزينه بزخارف مستوحاة من التراث القديم أو برسومات معاصرة».

الألوان المستخدمة حاليا في هذه الصناعة عبارة عن أصباغ كيماوية، «بينما كنا سابقا نستخرج الألوان من النباتات أو الحيوانات والحشرات»، كما يقول وردة.

ولكن لصعوبة الحصول على الألوان الطبيعية حاليا بدأ هؤلاء استخدام الصبغة، ومع ذلك تبقى جميع مراحل العمل في البساط يدوية، حيث تقوم الغزّالة بغزل الصوف، وبعد ذلك يصبغ من جديد، ومن ثم يلف على مواسير، وبعد ذلك يتم حياكته على النول اليدوي.

ويتأوه غسان متابعا حديثه قائلا: «يمكن القول إن صناعة البسط بطريقة النول اليدوي انقرضت تقريبا، فليس في دمشق سوى خمسة أنوال موجودة في ورش بدمشق القديمة».

وهناك مدن سورية انقرضت منها المهنة تماما، ولم يعد فيها أي نول يدوي، والجيل الجديد يرفض العمل بهذه المهنة رغم أن هناك معاهد متوسطة في سورية تعلم الصناعة بكل أنواعها، ولكن يرفض الطلاب بعد تخرجهم العمل على الأنوال اليدوية، مبررين ذلك بأن العمل عليها صعب وتحتاج إلى جهد كبير، ولذلك يتجهون مباشرة إلى العمل في مصانع النسيج الحديثة الآلية. ويضيف غسان متحسرا ومرددا المثل الشعبي: «رضينا بالبين والبين لم يرضَ بنا.. فنحن قبلنا أن نعمل على النول اليدوي وتقبلنا الأمر الواقع في عزوف الناس عن شراء البسط، كما كان آباؤهم يفعلون، وقمنا بتحويل صناعتنا جميعها إلى إنتاج بسط للزينة فقط، ولكن هذه أيضا عزف الدمشقيون عن شرائها، ولولا أنني أشترك في معارض داخل وخارج سورية باستمرار وأحمل معي نولي اليدوي أعمل عليه أمام الجمهور، لما وجدت زبائن لمنتجاتي اليدوية. وفي أوروبا يعتبرون منتجاتنا من البسط اليدوية المزخرفة ثروة فنية، ويحبون مثل هذه الأعمال، ولذلك فزبائننا غالبا من السياح ورواد المعارض التقليدية، وأولئك الأشخاص الذين لديهم قدرة شرائية جيدة».

وحول إمكانية ابتكار رسومات جديدة غير مألوفة أو من خلال استخدام الكومبيوتر من قبل المصنع اليدوي للبساط قال غسان: «نحن نستخدم الرسومات المعروفة، حتى إنه في السابق كانت كل منطقة سورية مشهورة بصناعة البسط بالنول اليدوي تُعرف من خلال الرسومات المستخدمة على البساط، حيث لا تتكرر هذه الرسومات والزخارف، وبالتالي كان كل بساط يُعرف أين تم تصنيعه من خلال الزخارف المستخدمة عليه».

«فمثلا منطقة دمشق مختصة بزخارف معينة وبألوان معروفة، وكذلك مدينتا حماة وسط سورية وأريحا شمال العاصمة دمشق، وهما مشهورتان بهذه المهنة اليدوية. وفي مجال الرسوم والزخارف نستخدم الرسومات التقليدية القديمة كالنجوم والأشجار والحيوانات والطيور والرسوم والخطوط الهندسية. لكننا» يضيف غسان «نحدّث بما يتطلبه العصر الحالي، ونساير الذوق الحديث، خصوصا في مجال الألوان، حيث نستخدم ألوانا جديدة مثل البيج والأخضر، تناسب ألوان الموبيليا والفرش في المنازل، كما أننا، ومسايرة للعصر الحديث، أصبحنا نستخدم الكومبيوتر في تصميم الرسومات فقط، وهذا تطور مهم في عملنا، ونلبي رغبات الزبون أيضا في حال جاء لنا برسمة معينة أو زخرفة يريدنا أن نضعها على بساط خاص به، فننفذها له بشكل تقريبي. ورغم كل ذلك لم يعد لعملنا اليدوي ذلك البريق والشعبية الواسعة كأيام زمان».