غياب الطلبة مشكلة مستمرة في الجامعات العراقية

أستاذ في الجامعة المستنصرية: نسبة الحضور مخجلة والأعذار جاهزة

استحدثت الجامعات نظاما إلكترونيا لرصد التغيب الذي يعتقد أن أسبابه اقتصادية وأخرى أمنية (ا.ب)
TT

«الأميركان قطعوا الطريق علينا اليوم»، أو «المنطقة التي نحن فيها مطوقة ولم يسمح لنا بالخروج من بيوتنا»، أو «عبوة ناسفة كانت في طريقنا»، أو «أنا معيل لعائلتي وملزم بالعمل ولا أمتلك المال الكافي للاستمرار بالدوام» و«أنا موظف أو عسكري والان حالة إنذار». هذه فقط عينة من الأعذار التي وبحسب كلام أحد أساتذة الجامعة المستنصرية «نسمعها كل ساعة من طلبتنا الذين لا يحضر منهم سوى أعداد قليلة كل يوم للصفوف». ولهذا فقد استحدثت الجامعات نظاما الكترونيا لرصد التغيب. وما يعتبره الأستاذ أعذارا جاهزة أو غير حقيقية ستجدها عند الطلبة هموما كبرى وأعباء. عدد كبير منهم غير قادر فعلا على تحملها في ظل ظروف أمنية واقتصادية صعبة التحمل، وهنا يكون الغياب عن الدوام هو ملاذهم الوحيد.

ظاهرة تغيب طلبة الجامعات عن كلياتهم ومعاهدهم أرهقت وزارة التعليم العالي التي سعت وبكل جهدها للحد منها لكن من دون نتيجة، وكان السبب فيها الأوضاع التي يعاني منها البلد في السابق وبخاصة الوضع الأمني بحسب كلام المسؤولة في الوزارة الدكتورة سهام الشجيري.

هند كاظم طالبة في كلية الفنون قالت لـ«الشرق الأوسط» إن المشاكل التي تعترض انتظامها بالدوام كثيرة، ومن أهمها التنقل الذي يعتبر مشكلة مستمرة. أما الوضع الأمني فهو عادة ما يكون سببا في عدم انتظام الإناث والذكور على حد سواء. فخلال العامين 2006 و2007 نشطت داخل الجامعات جهات متصارعة جعلت من الطلبة هدفا لها، وكثير من الطلبة تركوا دراستهم لعام وأكثر بسبب أسمائهم أو انتمائهم.

وتضيف الشجيري أن الجامعات تقع في مدن هي الأخرى كانت معظمها تمر بحالة عدم استقرار ما تسبب في إغلاق أبواب جامعاتها لفترة طويلة بسبب سوء الأوضاع في المدينة. «الآن الوضع الأمني جيد نوعا ما لكن هناك مشاكل أخرى منها كثرة تكاليف الدوام المستمر، وهناك عوائل لا تستطيع تحمل أعباء دراسة أبنائها في الجامعات وهنا يكون الدوام متقطعا بحسب الحالة المعيشية».

أحمد شعلان طالب جامعي قال هو الآخر إنه معيل لعائلتين، وهذا ما اضطره إلى الاستعانة بفتح مشروع صغير عبارة عن مخبز لتأمين مصدر عيش له ولعائلته الكبيرة، ولهذا لا يتمكن من الدوام لعدم توفر المال الكافي، فمعدل ما يحتاجه الطالب كل يوم يتراوح بين 10 دولارات و20 دولارا أغلبها تذهب للتنقل وتكاليف تأمين المصادر وأجور طباعة الملازم وغيرها، ناهيك عن شراء الملابس، فالجامعات الآن عبارة عن دور أزياء تلزم الطلبة بالظهور أمام الآخرين بمظهر لائق.

الشقيقتان إيمان وسجى وجدتا طريقة لإعانة عائلتهما عندما قررتا أن تدرس كل واحدة منهما عاما دراسيا بينما تجلس الأخرى في البيت، حيث لا تستطع الأختان المحافظة على الدوام سويا. وحسب تعليق سجى فإن تلك الطريقة كانت إجبارية «كنا على يقين بأن أهلنا غير قادرين على تأمين مصروف لنا سويا».

وأضافت سجى أن هذه المشكلة تواجه أغلب العوائل التي لديها أكثر من طالب في الجامعة، إذ توازي نفقاتهم مصروف العائلة اليومي، وهنا يضطر الذكور إلى العمل والدراسة، أما وضع البنت في العراق فلا يسمح لها بأن تعمل وهي ما زالت طالبة في الكلية، وهنا علينا إيجاد ما يسهل على العائلة، فهذه الطريقة التي وجدناها هي الأنسب.

أما رفقة أسعد الطالبة في جامعة ديالى فتقول إن الحالة المعيشية للطلبة يمكن أن تلاحظها من خلال السيارات التي يأتون فيها صباحا، فقسم من الطلبة يستأجرون ما يسمى بـ «الخطوط»، فتجد أن بعض حالتهم ميسورة فيستأجرون سيارة فيها نظام التكييف ومريحة وحديثة، وهذه تكون كلفتها أعلى من السيارات الأخرى، التي لا تتمتع بكل هذه الامتيازات.

وأضافت رفقة أسعد أنها تعرف طالبات في الكلية معها لا يستطعن تأمين تكاليف الدوام بشكل يومي، فكل طالب يحتاج ما معدله 10 آلاف دينار كل يوم ما بين أجرة الذهاب والإياب ومصاريف أخرى مثل الجوال وتصوير ملازم الدراسة.

ومن الأسباب الأخرى التي يعاني منها الطلبة، بحسب رفقة، هو أن ظروف كل جامعة تختلف عن الأخرى. فمثلا جامعة ديالي لا يوحي شكلها بأنها جامعة، إذ لا يوجد فيها حدائق ولا أشجار ولا خدمات، «حالتها بائسة جدا.. الخدمات وطبيعة المكان مهمة جدا لتشجيع الطالب على الانتظام»، مشيرة إلى أنه حتى الماء على الطلاب شراؤه من مطعم الكلية فقط.

أما ظروف الأقسام الداخلية فهي أيضا سيئة وتعاني من الإهمال. هذه الجامعات تخصص لكل طالب خمسة لترات من النفط الأبيض وعليه استخدامها في الطبخ والتدفئة وهي لا تكفيه وعليه شراء النفط تجاريا. ورغم ذلك، تقول إن ظاهرة التغيب الآن بدأت تقل تدريجيا، عاد الطلبة للتعايش مع بعضهم وتلاشت المشاكل الطائفية والولاء الحزبي، «كما نجد أن هناك طلابا من المحافظات كافة في جامعاتنا». أحد أساتذة الجامعة المستنصرية الذي فضل عدم ذكر اسمه أكد أنه وعلى الرغم من تراجع معدلات أو نسب غيابات الطلبة خلال العام الدراسي الحالي فإنها تبقى كظاهرة مستمرة، والأسباب عديدة، منها عدم التشدد أو المحاسبة على الغياب، «فالجامعة التي أنا فيها لم يسبق لها ومنذ عدة أعوام أن قامت بفصل طالب لتجاوزه الحد المسموح به من نسبة الغياب، والجميع يعلم أن هذا الأمر ضروري للتشجيع على الانتظام بالدوام، ونحن نرى أن بعض الطلبة يحضرون فقط نهاية العام لغرض أداء امتحان نهاية السنة، وقد يحضر قسم منهم خلال الامتحانات الفصلية.

وأضاف الأستاذ «إننا لا نستطيع محاسبة الطلاب لأنهم جاهزون بطرح الأعذار، منها إغلاق الطرق من قبل الأميركان أو الأجهزة الأمنية أو تطويق المنطقة التي هم فيها، أو أن الطالب لا يملك تكاليف المجيء وغيرها الكثير، وهنا نرى حضور 20 طالبا فقط من أصل 50 للصفوف كل يوم لهذه الأسباب، وهذا الأمر تجده أكثر ظهورا في الكليات المسائية، وغياب الذكور أكثر من الإناث».

وتوقع انتظام الدوام العام القادم بشكل أكثر فاعلية، خصوصا مع زوال بعض الأعذار ومنها الأمنية، «وإذا ما طبقت الجامعات التعليمات بشكل أكثر تشددا سنرى انعكاسها بشكل ايجابي على مسألة الحضور للدوام».

المسؤولة في وزارة التعليم العالي والبحث العلمي العراقية الدكتورة سهام الشجيري بينت في حديثها، أنه علينا الاعتراف بأن نسب الغياب في الأعوام الماضية كانت كبيرة جدا، لكنها قلت حاليا بشكل ملفت للنظر بفعل بعض المعطيات منها أن ظاهرة الغياب قلت خاصة في الجامعات والكليات التي تكون صارمة في تطبيق الضوابط على الطلبة، كما أن الأوضاع الأمنية تحسنت وأيضا تحسن أوضاع الكليات نفسها والعملية التعليمية تسير بتوفير جميع المستلزمات. كما أن الوضع المعيشي أيضا شهد تحسنا، وهناك برنامج لقبول الطلبة في الكليات القريبة من مناطق سكنهم، وهذا قلل من عزوف الطلبة عن الدوام، وهكذا الحال بالنسبة لتوفير الأقسام الداخلية داخل الجامعات، وهذه خدماتها جيدة نوعا ما ومجانية والأغلب يفضل العيش بها كونها آمنة، ونسب غياب الإناث بحسب الأرقام المتوفرة هن الأكثر غيابا بحكم أن أعدادهن أكثر من الذكور في الجامعات، وأيضا بحكم تخوف عوائلهن عليهن أكثر من الذكور.

وأضافت الشجيري أن خير دليل على تحسن الأوضاع هو شمول جميع خريجي الإعدادية للعام الماضي بالقبول في الجامعات وبمختلف الاختصاصات وهذا ما لم يحدث في تاريخ الوزارة سابقا، فحتى من حصل على معدل 50 في المائة تمكن من تأمين مقعد له في الجامعة، وتوزعت القبولات في محافظات العراق كافة بما فيها تلك التي كانت تسمى بالساخنة، «فكما قلنا أوضاع المدن استقرت الآن وهذا ما شجع الطالب على تقبل فكرة الذهاب لأي محافظة وإكمال دراسته هناك».

وكشفت الشجيري عن استحداث برنامج جديد قادر على تعقب غيابات الطلبة ومحاسبتهم عليها، حيث وجهت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي الكليات والمعاهد كافة باعتماد نظام الكتروني في رصد غياب الطلبة، وأن اعتماد هذا النظام من شأنه أن يساعد مسؤولي الكليات والمعاهد في رصد الغياب ومتابعة سير دوام الطلبة.