زهور غزة لعشاق أوروبا.. والباقي طعام للأغنام والأبقار

القطاع كان يصدِّر 60 مليون زهرة كل عام.. ومنذ عامين لم يصدر إلا 25 ألفًا فقط

هولندا كانت تقف وراء مشروع الورود في غزة. المشروع يوفر العديد من الوظائف للنساء في القطاع (أ.ف.ب)
TT

ستتلقى بعض صبايا هولندا ودول أوروبية أخرى، اليوم، زهورا من قطاع غزة، احتفالا بعيد الحب، بعد أن سمحت إسرائيل، بشكل استثنائي، يوم أمس الأول الخميس، بمرور حمولة من 25 ألف وردة إلى هولندا، عبر معابر القطاع، وذلك للمرة الأولى منذ أكثر من عامين.

وقالت الإذاعة الإسرائيلية إن تلك الخطوة جاءت «بمناسبة عيد الحب»، الذي يصادف اليوم، لكن مزارعي القطاع قالوا إن الخطوة جاءت بعد ممارسة ضغوط هولندية على إسرائيل، من أجل تصدير هذه الحمولة التي أنتجت أصلا ضمن مشروع دعم هولندي لمزارعي الورود في غزة.

وقال المتحدث باسم منسق الأنشطة الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية بيتر ليرنر: «إن الحمولة التي خرجت عبر معبر كيرم شالوم ستباع في الأسواق الأوروبية قبل عيد الحب».

بدا ذلك غير مهم، ولا يستحق التعليق لمزارعي الورود في القطاع، الذين تعرضوا لخسارات كبيرة على مدار عامين.

وقال ماجد حدايد، الذي يملك أكبر مزارع في رفح جنوب غزة، لـ«الشرق الأوسط»: «هذا كلام فارغ، هذه زهور للدعاية فقط، يريد الهولنديون أن يقولوا إن مشروعهم في غزة نجح، لكن عمليا، انتهى موسم التصدير، والدمار كبير».

ويفهم كلام حدايد، من يعرف جيدا أن غزة كانت تصدر 60 مليون زهرة في كل عام، وإذا كان حدايد قد زرع نحو 70 دونما من الأرض هذا العام، وكل دونم واحد ينتج نحو 150 ألف زهرة، فأين سيذهب بهذا المحصول؟ ويجيب حدايد وغيره على السؤال، بمرارة لا تخلو من السخرية: «للمواشي.. طعام للمواشي».

وفي العامين الماضيين، اضطر مزارعو الورود في غزة، إلى أن يطعموا ملايين الزهور للأغنام والأبقار، حتى إن أهل القطاع أصبحوا يتندرون، بأن الحليب أصبح يأتيهم برائحة جميلة.

وقال محمود خليل، رئيس جمعية منتجي الزهور، وهي جمعية في غزة تشرف على تصدير الزهور: «هذه الخطوة (تصدير 25 ألف زهرة) جاءت متأخرة، الموسم يبدأ في منتصف نوفمبر (تشرين الثاني). لقد خسرنا 80 في المائة منه حتى الآن».

ويمتد الموسم بالنسبة إلى مزارعي القطاع من 15 نوفمبر (تشرين الثاني) وحتى 10 أبريل (نيسان)، ويبدأ الزرع عادة في 10 يونيو (حزيران) من كل عام.

ولا يعرف خليل ورفاقه المزارعون ما إذا كانت ستستطيع هولندا الضغط على إسرائيل مرة أخرى من أجل تصدير الزهور ثانية.

وقال خليل لـ«الشرق الأوسط»: «لدينا 400 دونم مزروعات». وأوضح خليل أن زراعة الدونم الواحد «تكلف 10 آلاف دولار»، وقال: «عندما لا نصدر فإن خسارة المزارع في كل دونم تكون 10 آلاف دولار، فما بالك بمن زرع 40 أو 70 دونما؟». وبالطبع فإن زراعة 400 دونم تُعتبر تراجعا كبيرا في زراعة الورود في غزة، وقال بكر أبو حليمة، وهو إداري في جمعية الورود والتوت الأرضي: «كنا نزرع 1000 دونم للورد، و2300 دونم للتوت الأرضي، أما الآن فنزرع 400 دونم من الورد، و1600 من التوت».

ويأتي هذا التراجع، طبعا بسبب منع إسرائيل تصدير هذه المزروعات، التي تعتبر أفضل وأكثر ما ينتجه القطاع من زرع، وينافس به الدول الأخرى. وبسبب مناخ القطاع الحار نسبيا فإن غزة، تستطيع أن تصدر الورود والتوت الأرضي في وقت لا تستطيع فيه دول أخرى تصدير هذين المنتجين.

وقال أبو حليمة: «مناخنا مختلف ويساعد ويخدمنا في هذا الوقت من العام»، ويعتبر أبو حليمة المنتج الغزاوي، أفضل، ومطلوب أكثر بكثير من بعض الدول، وبينها مصر مثلا، التي «تعتبر منافسا للقطاع بسبب مناخها أيضا».

وأضاف: «نحن نزرع التوت في بيوت بلاستيكية، أما مصر فلا، ونزرع الورد في دفيئات زراعية، لدينا الأفضل، والغرب يعرف ذلك ويطلب منتجنا».

وجرت العادة على أن يتم تصدير نحو 3000 طن من الورد، كل عام، من غزة إلى هولندا التي تبيع بدورها الورود لباقي العالم. لكن المنتجين في غزة لا يشرفون على هذه العملية بأنفسهم. إذ تتولى شركة «غريسكو» الإسرائيلية نقل البضائع من غزة وتحمليها بالطائرات إلى هولندا، وتتقاضى عمولة على هذه العملية. وقال خليل: «لا يوجد لدينا معابر ولا طائرات ولا سيادة».

وتهتم غزة بزراعة ورد «القرنفل»، بسبب الإجراءات المعقدة التي يتخذها الإسرائيليون على المعابر، والقرنفل وردة تستطيع البقاء دون تبريد فترة جيدة. وقال خليل: «الأصناف الأخرى يجب أن تبقى مبردة دوما، ولا يمكن لشحنة من غير القرنفل أن تنتظر في المعبر 5 ساعات في الشمس».

ويهدد مزارعو غزة بأنهم لن يزرعوا الورد هذا العام، إذا لم يحصلوا على ضمانات بالتصدير، وهذا يعني أن زراعة الورد في غزة مهددة.

وقد أصبحت كذلك إذ يتوجه بعض المزارعين للبحث عن عمل آخر، وقال حدايد لـ«الشرق الأوسط»: «خسارتي كانت 3 ملايين دولار، الموسم انتهى والمشروع انهار، وأنا قاربت على إعلان إفلاسي». وتابع: «كل شيء في غزة ينهار، فهل سينجح زرع الورد؟ هنا دمار كبير، وأنا لن أزرع الورد مرة أخرى».