اللبناني جوزف حاتم يصور لبنان بالطوابع

الروسي بول كورولسف استقر في بيروت عام 1929 وعُني برسمها بتكليف من الحكومة

جوزف حاتم ترجم احترافه في أول كتاب من نوعه في لبنان أصدره تحت عنوان «لبنان مصور بطوابعه» («الشرق الأوسط»)
TT

لم يشأ اللبناني الدكتور جوزف حاتم، الذي عمل في مجال علوم الحياة ما يناهز 50 عاما، ومستشارا لمنظمة الصحة العالمية، أن ينسى أحفاده الأميركيون (جوزف وليلى وجيمي) والفرنسيون (مكسيم وفيليب) والكندي (أندره) وسائر أطفال لبنان، جذورهم، كما لم يشأ أن يطمس البريد الإلكتروني الطوابع البريدية اللبنانية التي تصور تاريخ لبنان برؤسائه ورجاله وثقافته وفرادته، فآل على نفسه أن ينتقل من هاوٍ لجمع الطوابع البريدية إلى محترف يلامس التاريخ، وتأثر بمجموعة شفيق طالب «لبنان في طوابعه» التي تعرض الطوابع عرضا بارعا يعتمد على توقيت الإصدارات.

وأصر حاتم على أن يترجم احترافه في أول كتاب من نوعه في لبنان أصدره حديثا تحت عنوان «لبنان مصور بطوابعه» (205 صفحات صادر عن دار «درغام» للنشر)، وهو غاية في الأناقة، ورقا وصورا وغلافا، وكُتب باللغتين العربية والفرنسية، ويطمح الكاتب إلى أن يصدر مجموعته بالإنجليزية والبرتغالية والإسبانية لـ«كون المتحدرين من أصل لبناني منتشرين في كل أصقاع الأرض». وقد زين الكتاب بقصائد لشارل قرم وشبلي الملاط وناديا تويني وميشال شيحا وهكتور خلاط وشكري غانم وفينوس خوري ومعروف الرصافي والأخطل الصغير. كما استعان بمقاطع لرينان ولامارتين وجيروم وجون تارو وغيرهم.

يتألف الكتاب من خمسة أقسام: الأول يعيد إلى الذاكرة مسار إنشاء لبنان الحديث منذ حكم الأمراء نهاية القرن السادس عشر وحتى بزوغ الدولة الحديثة. ويتناول الثاني لبنان في إطاريه العربي والدولي. ويغطي الثالث أبزر وجوه التراث اللبناني، ويُعنَى الرابع بدينامية المجتمع اللبناني في الوطن والمهاجر، وأخيرا يتناول الجزء الخامس الأحداث العالمية المهمة.

وإذا كان حاتم لا يدّعي هذا الكتاب «تأريخا للبنان، ولا دليلا شاملا لطوابعه»، فإنه يكتفي بـ«تصوير معظم جوانب تاريخ لبنان والحياة اللبنانية»، منذ إعلان دولة لبنان الكبير في عام 1920، وبدء البريد اللبناني مذ ذاك بإصدار مجموعات من الطوابع التذكارية. ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «لقد مارست هواية جمع الطوابع منذ نحو ثلاثة عقود، بعدما استفزني جمال مجموعاتها، واستوقفني ما تمثله من تاريخ ومحطات ورجال، فاستولت علي فكرة ضم ما جمعت في كتاب لعلّني أذكر فيه أجيالنا الطالعة بجذورها وينابيعها، لكون الطوابع البريدية، التي أعقبت أول طابع بريدي ابتكره رولند هيل في لندن حاملا صورة جانبية للملكة فيكتوريا، باتت تمثل رؤساء دول وملوكا ومشاهير، وثروات التراث والأحداث السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والفنية، لذلك أصبح الطابع شاهدا على حياة الدولة، يحدد حادثا أو تاريخا، ويعكس طبيعة التطور السياحي في هذا البلد أو ذاك».

أما كيف انخرط المؤلف في هوايته فيقول: «بدأت بجمع الطوابع كلها منذ عام 1989 مدفوعا بجمال هذه التابلوهات الصغيرة المسنَّنة وما تمثله من شواهد على محطات في تاريخ لبنان، وقد ساعدتني في ذلك أسفاري العديدة ضمن البعثات الخارجية بصفتي الاستشارية لمنظمة الصحة العالمية. ولم يقعدني احتراق مجموعتي الأولى عن تكوين مجموعات أخرى، منطلقا من الصفر وساعيا وراء النادر من الطوابع، واصطياد ما نجا من السلاسل التذكارية المحدودة العدد أساسا، وضممتها كلها إلى كتابي الأول الذي أفخر بإنجازه وتقديمه إلى نشئنا كي يتذكروا جذورهم وتاريخهم وثقافتهم».

ويأسف حاتم لعدم وجود طوابع باسم الرئيسين اللبنانيين في عهد الانتداب الفرنسي، شارك دباس وحبيب باشا السعد، ورئيسين آخرين في مرحلة الاستقلال هما سليمان فرنجية وبشير الجميل، ويذهب حاتم في تأسفه إلى أبعد من ذلك فيقول: «نحن نمجد الأرزة، رمزنا الوطني، ولكننا ننسى شجرة التوت التي كانت مصدر رزق اللبنانيين من خلال تربية دود القز، وننسى كذلك شجرة الزيتون التي تلازم كل عصورنا وتزودنا بمؤونتنا من الزيت والزيتون على مدار السنة. وننسى كذلك قطار السكة الحديد (خط الترام كما يسميه العامة) بمحطاته الصغيرة المنسوخة عن الطراز الفرنسي، وصفارته عندما كان يخترق المناطق الساحلية بأحيائها وأسواقها، وعندما يتهادى بين الجبال. ونكاد نهمل أيضا تراثنا المعماري الرائع منذ العثمانيين الذي لم يبقَ منه سوى السراي الحكومي تقريبا، فيما السراي الصغير في ساحة الشهداء أزالته الجرافات، وكذلك سراي «الجديدة» (إحدى بلدات محافظة جبل لبنان الساحلية). كما أهملنا في طوابعنا أديارنا ومساجدنا وكنائسنا المميزة في هندستها ومواقعها، وأحياءنا التاريخية التي تكاد تصبح أثرا بعد عين».

ويذكّرنا حاتم بأن الطوابع اللبنانية الأولى رُسمت وطبعت في فرنسا، ثم طُبعت في المطبعة الكاثوليكية في بيروت ابتداء من عام 1939. وكان الرسام الروسي الذي استقر في بيروت سنة 1929 بول كورولسف، قد عُني برسمها بعدما عهدت إليه الحكومة اللبنانية بهذه المهمة، إضافة إلى قيامه بتصميم القطع النقدية المعدنية وأوراق اليانصيب الوطني وسندات الخزينة. ومن ثم عمد إلى تكليف مجموعة أخرى من الفنانين اللبنانيين كان من بينهم مصطفى فروخ، كذلك عهد بالطباعة إلى مطابع لبنانية أخرى.