الحياة في البيت الأبيض.. النوم في الثامنة لماليا وساشا وتنظيف الحجرة أمر أساسي

أطفال الرؤساء غالباً ما يعانون من أجل التواصل وبناء هوية لهم منفصلة عن هوية آبائهم

الرئيس الأميركي باراك أوباما وزوجته ميشيل مع ابنتهما ساشا وإحدى صديقاتها (أ.ف.ب)
TT

توجد قاعة عرض أفلام، وصالة لعب بولينغ، ومكان لممارسة لعبة حدوة الحصان، وحمام سباحة، وخمسة طهاة يعملون بدوام كامل، وعشرات من الموظفين المسؤولين عن شؤون المنزل مستعدون لتقديم المثلجات في جميع الأوقات. وتوجد رحلات إلى أراضٍ أجنبية، ومآدب عشاء مع ملوك ومشاهير، وحشود من الباباراتزي، ومواكب السيارات المبهرة. وتحمل كل هذه الأشياء إمكانية تحويل أطفال صغار مهذبين إلى أطفال يميلون إلى السيطرة والشعور بأهمية الذات. (أو إلى أطفال يعانون من الوحدة والعجز).

ما الذي يفعله الآباء الرؤساء إذن؟

وفقاً لأحدث والدين في المنزل الرئاسي، لنطبق القانون. قد لا يكون الرئيس أوباما وزوجته ميشيل في شيكاغو، ولكنهما يقولان إن القواعد القديمة ما زالت تنفذ فيما يتعلق بابنتيهما ماليا (10 أعوام) وساشا (7 أعوام). وفي البيت الأبيض الذي يسكنه أوباما، ما زال موعد النوم في الثامنة مساء. وما زالت الفتاتان تضبطان منبهيهما وتستيقظان من أجل الذهاب إلى المدرسة في الصباح. وترتبان سريريهما وتنظفان حجرتيهما. وعندما يأتي حيوانهما الأليف الذي تتشوقان إليه، سوف تسيران مع الكلب وتنظفان مكان فضلاته. وقد قالت السيدة أوباما في حوار أجرته معها قناة (ايه بي سي) الإخبارية، وهي تصف حديثها مع موظفي البيت الأبيض: «كان هذا أول شيء قلته لبعض العاملين عندما قمت بالزيارة. لا ترتبوا سريريهما. رتبوا سريري، واتركوا الطفلتين، فعليهما أن تتعلما هذه الأشياء».

وحتى مع تناول أوباما لأزمة الركود وتولي السيدة أوباما مهام السيدة الأولى، إلا أنهما يجدان مكاناً لهما كوالدين في البيت الأبيض. وهما يكافحان، بل ويجدان صعوبة في بعض الأحيان، من أجل تحقيق التوازن بين المصلحة العامة في أسرتهما، ورغبتهما في الحفاظ على شعور بالطبيعية والخصوصية في حياة ابنتيهما، وهذا كما يروي أقاربهما وأصدقاؤهما وورد في حوارات أجريت مع الوالدين في التلفزيون والمجلات.

أوباما أب عصري يترك مكتبه البيضاوي من أجل تناول العشاء مع ابنتيه، ونادراً ما يتخلف عن اجتماع لأولياء الأمور والمدرسين أو العزف على البيانو، ويفخر بأنه قرأ جميع أجزاء رواية هاري بوتر السبعة بصوت عالٍ مع ماليا. وترتب السيدة أوباما مواعيد اللعب والواجبات المنزلية مع الخطابات التي تلقيها أمام المؤسسات الفيدرالية والطلاب. ويلتزم كلا الوالدين بمعاقبة الابنتين، على حد قول أصدقائهما والمساعدين.

يقول كريغ روبنسون، شقيق السيدة أوباما، في حوار أجري معه: «هاتان فتاتان مميزتان، والجميع يتمنى أن تمرا بهذا الأمر بسلام».

وقد أعرب الرئيس عن هذا الشعور، حيث قال على قناة «سي بي أي» الإخبارية: «حالياً، إنهما غير مدركتين. وتعرفون، ليس لهما موقف محدد. وأعتقد أن من أهم أولوياتنا على مدار الأعوام الأربعة المقبلة هو الحفاظ على ذلك».

وطالما اعتقد أوباما وزوجته أن القواعد والروتين تساعد الأطفال على النمو، وخاصة في الأوقات المضطربة. في أثناء فترة الحملة الانتخابية، تمسكت السيدة أوباما بشدة بموعد النوم في الساعة الثامنة لدرجة أن أوباما كان في بعض الأحيان يسرع في وجل للحاق بابنتيه قبل نومهما. وصرحت فاليري جاريت، أحد كبار مستشاري الرئيس وصديقة الأسرة لـ«نيويورك تايمز» عام 2007: «لا تتركهما ميشيل مستيقظتين حتى للحديث مع والدهما، لأن موعد النوم جزء من طبيعة حياتهما. ولن يتم تجاوزه لأن والدهما في حفلة جمع تبرعات». ولكن كما يعرف جميع الآباء، توجد قوانين، وتوجد حقيقة.

لذا بينما يضع أوباما مكافأة كبيرة لتناول الأغذية الصحية العضوية، تتناول الفتاتان الكعك في حفلات أعياد الميلاد، وقد أكثرتا – في بعض الأحيان - من تناول المثلجات والأطعمة السريعة أثناء الحملة الانتخابية. وهما يضعان حدودا على مشاهدة التلفزيون، ولكنهما لا يقيدان مشاهدة قناة دسكفري. (والفتاتان محبتان بشدة لبرنامج «أميركان آيدول»، و«هانا مونتانا»، وشيتا غيرلز).

إنهما تتناوبان على تلاوة صلاة المائدة قبل تناول العشاء، ولكنهما لم تذهبا إلى الكنيسة في كل صباح في الأعوام الأخيرة. ولا يوجد عقاب بالضرب، ولكن الكثير من المناقشات حول التصرفات وتبعاتها. وقال أوباما إنه حاول أن يعطي مالياً علاوة دورية، دولاراً في الأسبوع، ولكنه توقف أثناء الحملة الانتخابية القلقة. ولكنه يؤكد على أن السيدة الأولى، التي تعرف بين أصدقائها بـ«فارضة المهام»، ليست وحدها من يفرض النظام. وقال أوباما في حواره مع «ايه بي سي»: «لست مفرطاً في العاطفة». وأضاف في حواره إن زوجته قد «تصيح في وجهيهما قليلا». وتقول سوزان ديفيز، إحدى صديقات السيدة أوباما، إن أوباما وزوجته يجتهدان من أجل الحفاظ على ابنتيهما من التدليل أو الشعور بالغرور. وأضافت: «إنهما لا تتصرفان في غرور، ولكنهما مثل الأطفال».

وأكثر شيء يرغب فيه أوباما وزوجته لبنتيهما، على حد قول الأصدقاء والأقارب، هو أن تشعرا أنهما فتاتان صغيرتان. لذا انتقلت والدة السيدة أوباما، ماريان روبنسون للإقامة معهما، وكما تقول سوزان شير مستشارة الرئيس وإحدى الصديقات المقربات من زوجته إن الفتاتين ستظلان محافظتين على أنشطتهما المعتادة. وتقول شير إن السيدة أوباما «شخصية تهتم بالمرح وتحب الدعابات. والترفيه مهم جداً». والواضح أن آل أوباما يتحركون انطلاقاً من خبراتهم الخاصة. وقد أبدى أوباما، الذي ترعرع بعيداً عن رعاية والده، عزمه على أن يشكل قوة مؤثرة في حياة طفلتيه. أما زوجته فقد نشأت في كنف أسرة مستقرة تقدر التماسك والروتين في ظل رعاية الوالدين. ونظراً لأن كلا منهما ينتمي إلى أسرة عانت في بعض الأحيان من صعوبات مالية، فإنهما يشددان على فكرة أن الأمور الجيدة لا تأتي دوماً بسهولة. وعلى امتداد سنوات عديدة، شدد أوباما على أهمية السلوك المهذب والتعاطف مع الآخرين. ومع ذلك، توحي الخبرات التاريخية بأن تربية طفل مهذب ومتكيف مع البيئة المحيطة به على نحو جيد داخل البيت الأبيض ليس بالمهمة اليسيرة. على سبيل المثال، نجد أن الرئيس كارتر، أحد المؤيدين بقوة للتعليم العام، ألحق ابنته آمي، 9 سنوات، بمدرسة عامة، لكنها شعرت بوحدة بالغة في بداية الأمر، طبقاً للصحافيين الذين اهتموا بتغطية أخبارها. أما الرئيس روزفلت فاضطر إلى التكيف مع غرابة أطوار ابنته المراهقة أليس، التي لاقت استهجاناً بالغاً على الصعيد العام لتدخينها السجائر علانية وحضورها حفلات حتى ساعات متأخرة من الليل. وتعرضت فرانسيس، زوجة الرئيس غروفر كليفلاند، للتشهير بها لإغلاقها الساحة الجنوبية الخاصة بالبيت الأبيض بحيث يتمكن رضيعها من التمتع بأشعة الشمس دون أن يقابله السائحون. إلا أن حجب الأطفال عن الأنظار العامة بات أكثر صعوبة هذه الأيام مع توافر مواقع إخبارية على شبكة الإنترنت تعمل على مدار 24 ساعة ومجلات اجتماعية تهتم بالقيل والقال وصحف تتنافس جميعها للحصول على الأخبار. ورغم أن الكاميرات الصحفية تبدو عطوفة الآن، فإن هذا يتضاءل مع دخول الأطفال مرحلة المراهقة. في هذا الصدد، قال دوغ ويد، المستشار الأسري السابق لدى آل بوش، متحدثاً عن طفولة أبناء أوباما: «لن يكون هذا الحال طبيعياً - ولا يمكن أن يصبح طبيعياً». وأضاف ويد الذي ألف كتاب «جميع أطفال الرؤساء: الانتصار والمأساة في حياة الأسر الأميركية الأولى»، قائلاً: «إن بذلهم أقصى جهود ممكنة لن يغير حقيقة أن كون المرء طفلا لرئيس ينطوي على تحديات فريدة من نوعها». وأوضح ويد أن أطفال الرؤساء غالباً ما يعانون من أجل التواصل مع أي من أصدقائهم الذين يعتبرون أصدقاء بالمعنى الحقيقي وبناء هوية لهم منفصلة عن هوية آبائهم، وهو أمر كثيراً ما يستمر لفترة طويلة حتى بعد رحيل الأسرة عن البيت الأبيض. ويناضل آل أوباما، الساعين لخلق بيت أبيض أكثر انفتاحاً، من أجل تحديد إلى أي مدى ينبغي أن يقروا هذا الانفتاح داخل أسرتهم. يذكر أن أوباما وزوجته سمحا للفتاتين بحضور لقاء مع برنامج «أكسيس هوليوود» في يوليو (تموز)، ثم أعربا لاحقاً عن ندمهما على ذلك. وقد ناقش الرئيس وزوجته قضايا تربية الأبناء في التلفزيون، وسمحت زوجته بالتقاط صورة لها مع طفلتيها ظهرت كغلاف لإصدار «يو إس ويكلي» هذا الشهر. لكن على الجانب الآخر ضغطت السيدة الأولى على شركة تي إنك، لكي تسحب من السوق دمى أنتجتها على شكل ساشا وماليا، ويثبط مساعدوها الصحافيين عن الكتابة على نحو تفصيلي عن البنتين. وقد رفض أوباما وزوجته التعليق من أجل هذا المقال. ولا تعد مثل تلك المحاولات لتحقيق التوازن بالأمر الجديد على الأسر الرئاسية، والتي اشتهرت بالتردد حيال الحديث عن أسلوب تربية أطفالها داخل البيت الأبيض. وقد رفض أعضاء أسرتي كلينتون وكارتر - أحدث أسرتين دخلتا البيت الأبيض وكان لديهما أطفال - طلبات لعقد لقاءات معهم. بيد أن بعض أطفال الأسر الأولى سابقاً يؤكدون على أن الحياة داخل البيت الأبيض قد تشكل تجربة فريدة تماماً. من ناحيتهما، وصفت باربرا وجينا، ابنتي الرئيس جورج دبليو بوش، الحياة عندما كان جدهما رئيساً للبلاد وحضور حفلات عشاء مع العائلات المالكة عندما كان والدهما رئيساً. وكتبتا في خطاب مفتوح إلى ابنتي أوباما: «إنه مكان سحري لأي فئة عمرية». ويشير مساعدو السيدة الأولى إلى أنها تتطلع نحو السفر مع ابنتيها وإطلاعهما على أماكن مختلفة من العالم. وفي أعقاب الحملة الانتخابية الرئاسية المرهقة، أكد أوباما أنه نادراً ما شعر قبل ذلك بحلاوة الأبوة على هذا النحو. وخلال لقاء أجرته معه قناة «إن بي سي» هذا الشهر، قال أوباما: «اتضح أن لديّ هذا المكان اللطيف الذي يشكل منزلا ومكتباً في آن واحد. في نهاية اليوم، أتمكن من العودة لمنزلي، وحتى لو كان لديّ المزيد من العمل للقيام به، أستطيع أن أتناول العشاء معهم. وأستطيع أن أساعدهم في حل واجباتهما المدرسية. ويمكنني إدخالهما إلى الفراش. وإذا كان يتعين عليّ العودة إلى المكتب، أتمكن من ذلك».

*خدمة «نيويورك تايمز»