العنب الطائفي.. سفير فوق العادة خارج الحدود

الفاكهة الوحيدة مع الرمان التي تباع قبل حينها

العنب الطائفي.. فاكهة سعودية مميزة («الشرق الاوسط»)
TT

حين حطت عناقيد العنب الشامي في مدينة الطائف – غرب السعودية - على يد أفراد من قبيلة ثقيف في العصر الجاهلي، تبادر للأذهان أن اللقاح لن ينجح، فالاختلافات الجغرافية قد تكون سببا في فشل الأمر، على الرغم من تواؤم الأجواء بين دمشق في الشمال الغربي والطائف في الجنوب الغربي للجزيرة العربية.

قصة العنب يحكيها الدكتور صالح الثبيتي، المتخصص في زراعة العنب، يقول «رحم الله أجدادنا وآباءنا الذين علمونا زراعة العنب وقطفه وقصه وجنيه بطريقة فنية تتعامل مع جمال العنب. وكانوا يروون العنب من الساقية، عن طريق اللسانية والغروب المصنوعة من الجلد.

الطائف عرفت العنب منذ قدم الزمان واهتم بزراعته، الآباء والأجداد على مسيرة سنين طويلة من العناية والرعاية والاهتمام وله قيمة غذائية وعلاجية جيدة ولقد ورد ذكره في القرآن الكريم قال تعالى (فأنبتنا فيها حباً. وعنباً وقضباً. وزيتوناً ونخلاً)».

يضيف الثبيتي أن عنب الطائف هو عبارة عن شتلات زراعية تزرع في الأرض بعد تسويتها ونظافتها من الشوك والأعلاف حتى تصبح صالحة للزرع وهذه الشتلات على شكل غصن طويل يُعمل على شكل حلقة ونصف قطرها 30 سم تدفن في داخل حفرة عميقة ولا يبقى منها إلا قوس فوق الأرض وبعد عام تقص من الحد العلوي للأرض، وبعد ثلاث سنوات يتم حصد المحصول من العنب هذا في بداية زراعتها ورعايتها وقصها وتقليمها وتهذيب أغصانها حيث يتم تقليم الشجرة الكبيرة في بداية فصل الصيف نهاية فصل الشتاء.

بعد ذلك يتم وضع الأسمدة الطبيعية بما يسمى بالكيريت وهو بودرة ترش على الشجرة كاملة على ثلاث مراحل، وتبقى خلال الفترة من 10-15 يوما وبعد ذلك يتم الري، وبعد ريها بعد التقليم يأخذ العود يقطر ماءً صافياً وبهذا يعرف المزارع مدى جودة نمو هذا العود؛ ليأخذ حظه الوافر من الانتشار على أعواد يركز عليها الأغصان تسمى بشجر العرعر. هذه العنبة الكبيرة تطلع وتنمو على أربع مراحل و بعد اثني عشر يوما يظهر نمو جديد من الجناء، وإذا اكتملت الفروع خلال فترة شهر واحد تبدأ حبات العنب في النمو تدريجياً حتى تظهر على شكل خصلة ويخفف الماء في هذه الفترة منعاً لسقوطها حتى تثبت ويشتد عودها، وبعد ذلك يتم الري بتكاثر ونمو حبيبات العنب تتزايد لمدة ثلاثة شهور وهو لا يزال (ملح أجاج) ويميل على الخضرة ويأخذ لون الورق وبعد ثلاثة شهور أخرى يبدأ في النضوج والاستواء في بداية النضوج يسمى (الرهاج) ويكون لينا بعد أن كانت الثلاثة الشهور الحبة فيها قاسية، وفي حالة النضوج يتغير لونه من أخضر إلى أبيض ويميل في الغالب وقت نضوجه النهائي إلى الاصفرار وهذا أجود الأنواع وأغلى الأسعار حتى يصبح لونه جميلا مشرقا.

ويستطرد الدكتور صالح الثبيتي بقوله بأن هناك نوعا آخر من العنب يسمى (السوادي) لونه أسود «ويسمى القردية» وهي التي تعمل كالعرائش وتسبح الأغصان وتعطى ظلا وجمالا وهذا النوع من العنب (السوادي) لم يعد له وجود لعدم الاهتمام به من قبل المزارعين وإنتاجه ضئيل جداً لا يذكر بعكس العنب الأبيض. والعنب له آفات خطيرة يذكرها الثبيتي أن منها نزول المطر بغزارة إذا صاحبه زخات من البرد يؤثر عليه تأثيراً كبيراً ويضعف محصوله الزراعي وكذلك من الآفات الحشرات التي تقضي عليه إذا لم ينتبه المزارع ويكافحها بالمبيدات المناسبة وتأتي حماية العنب من الطيور وفي هذه الحالة يوضع شبك من السلك للحماية من الطيور.

محمد السعدي، صاحب أحد بساتين العنب في الطائف يرى أن إنتاج الطائف يختلف عن غيره من ناحية الطعم، ويقول «المتمرسون في تذوق الفواكه يلحظون ذلك جيداً لتفرد ذلك الطعم، حيث يمتاز حين أكله بنوعٍ من «اللذعة» في اللسان».

وأشار السعدي إلى أن عنب الطائف أصبح مطلوبا في الخارج بشكل متزايد خاصة في السنوات الأخيرة ويلاحظ مندوبو دول الخليج لشراء العنب وهم يتجولون بين المزارع من أجل معرفة المحصول ومراقبته قبيل شرائه، بل إن البعض يقوم بشراء إنتاج مزرعة بكاملها وهي في أعذاقها، إيماناً منهم أنها الأفضل والأجمل والأجود.

وأضاف صاحب أحد بساتين العنب أن الشريحة الأكثر اهتماماً في الخليج بالحصول على العنب الطائفي هي كبار الشخصيات والأمراء وكبار الزوار وهي الفاكهة الوحيدة مع الرمان الطائفي التي تباع قبل حينها ويتم حجزها مبكراً قبل نضجها.

من جانبه عزا محجن الثقفي، وهو صاحب إحدى مزارع العنب في ترعة ثقيف، انخفاض إنتاجية العنب الطائفي مؤخرا إلى افتقار مدينة الطائف لمناسيب المياه التي اعتادت عليه منذ عشرات السنين، مما حدا بكبار المزارعين إلى تسيير صهاريج مياه من أماكن بعيده وبتكلفة عاليه من أجل أن تستمر هذه الفاكهة مشيراً إلى أن عشرات المزارع في محافظة الطائف قد توقف إنتاجها نتيجة شح المياه.