السعودية: كلاب بوليسية بـ«ملفات توظيفية» وصور شخصية

خدمات مشروطة بحاسة الشم تتقاضى عليها 5000 ريال مقابل ساعتين من العمل

يستخدم المدربون اللغة الإنجليزية لمخاطبة الكلاب مع استمرار حركات العيون والحواجب («الشرق الأوسط»)
TT

لم تعد الدورات التأهيلية والملفات الوظيفية حصرا على البشر، بل باتت أمرا رئيسيا في توظيف الكلاب البوليسية بقطاع «k-9» المتخصص في المهام الأمنية، إذ لابد من اختيارها وفق معايير مشابهة لتلك التي تستخدم في تقييم الشخص المتقدم لأي قطاع بغرض العمل.

غير أن الكلاب تتمتع بمزايا مغرية جعلت فئة من الموظفين تنظر إليها بنوع من الحسد، والمتمثلة في ساعات عمل قليلة حسب نظام «الورديات» مقابل 5 آلاف ريال سعودي في الشهر، إضافة إلى تلقيها العلاج في أرقى العيادات البيطرية، وتنقلها بسيارات مكيفة.

وأكد عبد الله الخليفة مدير عام شركة الخدمات الراقية للحراسات الأمنية في غرب السعودية أن اختيار الكلاب يتم وفق مواصفات معينة، من ضمنها ألا يتجاوز عمرها السنة وثمانية شهور، وقال: «لكل كلب ملف وظيفي يرفق معه صورة شخصية له، ويحتوي على شهادة ميلاده وكشف طبي كامل، وفصيلة دمه، إضافة إلى سلالته، ويتم الاتفاق مع شركة تمويل الكلاب التي نتعامل معها على إمكانية إرجاعه إذا لم يكن كفئا للعمل، وذلك بعد تجريبه لمدة تتراوح ما بين شهر وشهرين»، لافتا إلى أن أسماءها عادة ما تكون مسجلة من بلدها الأصل، إضافة إلى أنها تحمل جنسيات مختلفة مثل الكندية والبريطانية والألمانية. ونظرا لاختلاف فصائلها، ينبغي وضع كل كلب في حظيرة بمفرده وذلك تفاديا لنشوب الصراعات فيما بينها، غير أنها تخضع جميعها للتدريب بمعدل ثماني ساعات يوميا. وحول طريقة تدريبها ذكر الخليفة أن حاسة الشم هي الرئيسة في التدريب، إذ أنه توجد مادة متفجرة سائلة تدخل في تصنيع كافة المتفجرات والأسلحة، والتي تحصل عليها الشركة بأمر من وزارة الداخلية والجيش، تحفظ في قطن داخل علبة شبيهة بعلب التحليل المخبري في درجة حرارة منخفضة وبعيدا عن الغبار كي لا تفقد خصائصها. وأوضح أن الكلاب البوليسية التي يملكونها متخصصة في الكشف عن المتفجرات، إذ تتمثل مهمتها في الوقوف عند بوابات الشركات، وتفتيش الشاحنات والسيارات الداخلة، مفيدا أنهم يقومون بتأمين الكلاب البوليسية للشركات النفطية والعديد من الشركات الأخرى، إذ يكلفهم شراء الكلب الواحد 8 آلاف دولار أميركي، فيما يستقطعون مبلغا شهريا يصل إلى خمسة آلاف ريال سعودي.

ويحظى الكلب البوليسي بعناية مستمرة، والتي إذا افتقدها فإنه لا يتجاوب مع مدربه، ويضرب عن القيام بعمله، لا سيما أنه يستهلك 20 كيلو جراما من الطعام شهريا، يتناوله بأطباق فائقة الجودة ومقاومة للصدأ، كي لا يتعرض للتسمم.

ويخصص المدرب لكلبه فوطا ومستحضرات خاصة للاستحمام، وملاقط لتنظيف شعره من الحشرات.

وعادة ما يستخدم المدربون اللغة الإنكليزية لمخاطبة الكلاب، مع استمرار حركات العيون والحواجب، الأمر الذي يجعل الكلب يستطيع اكتشاف الشخص الخائف بناء على رائحته وإن تظاهر بعكس ذلك ليهجم عليه، فيما يرجع إلى الخلف إذا قابله شخص جريء. ويؤكد أحد مدربي الكلاب البوليسية «فضّل عدم ذكر اسمه» أن ما يربط بينه وبين كلبه هو لغة تواصل وليست تخاطبا، باعتبار أن الكلب حيوان لا يفهم، غير أنه يمتلك القدرة على ربط الفعل بالكلام.

وقال: «حينما أدرب الكلب على وضع الجلوس فإنني أربط بين اللفظ والوضعية، وعندما أمدحه يعرف بأنني معجب بما يفعله، بينما يفهم خطأه من خلال محادثتي له بنبرة حادة وصارمة».

ويقوم برنامج «k-9» الذي تم استقاء اسمه من ناب الكلب على خمس أساسيات مع اختلاف الأساليب، بحسب ما ذكره المدرب، والمتمثلة في المعرفة بالعمل، والصبر على الكلب أثناء تدريبه، والتكرار، وتشجيعه ومدحه عند إنجازه للعمل بنجاح، إضافة إلى التصحيح.

وذكر أن الكلاب البوليسية لها عدة برامج، إذ تحتاج شركات الأمن الصناعي إلى كلاب مدربة على برنامج الكشف عن المتفجرات، فيما تبحث الجمارك بحكم مهمتها على كلاب الكشف عن المخدرات والأسلحة والمتفجرات والبحث والإنقاذ، إضافة إلى الهجوم على المتسللين.

وثمة أمور كثيرة لا بد أن تراعى في عمل الكلب، إذ أنه لا يعمل في الشمس أو تحت ظروف جوية معينة، ولا يتدرب بشكل متواصل كي لا يشعر بالملل، إضافة إلى ضرورة مراعاة حالته الصحية وحجم عمله. وتعتبر شهادة الخبرة التي يحصل عليها السايس من قبل الجمارك في مجال «k-9» من أعلى الشهادات في السعودية، لا سيما أنها معترف بها دوليا.

وتتميز الكلاب البوليسية السوداء ذات القوائم الذهبية والتي عادة ما تكون من فصيلة «الدوبرمان» عن غيرها بالمزاج العكر، ما يجعلها غير صالحة في أي مهمة بحكم طبيعتها الشرسة وصعوبة التعامل معها، غير أنها تستخدم في الهجوم فقط. وحول تعرض المدرب للمواقف الخطرة مع الكلاب أجاب: «لابد أن يحصل السايس على ختم الجودة والمتمثل في عضة الكلب، لا سيما أن طباع الكلاب مختلفة، فمنها الخجول والحساس والبطيء والسريع، ومنها من يمتنع عن العمل إذا تعرض للقسوة بينما البعض منها لا يقوم بوظيفته إلا إذا وجد مدربا شديدا معه»، مؤكدا أن المدرب قد يفصل من وظيفته إذا اعتدى على كلبه بالضرب.

يتكون طعام الكلب من خليط الدجاج واللحم والسمك على هيئة حبيبات مضاف إليها مواد مسهلة للهضم، ومقويات مع ماء ساخن، ويراعى تقديم وجبة واحدة فقط في اليوم كي لا يصاب بالسمنة، إضافة إلى أنه يستحم مرة واحدة شهريا في فصل الشتاء، ومرتين إلى ثلاث مرات شهريا في الصيف.

ويشبه تعامل الكلب مع مدربه بالطفل مع والده، لا سيما أنه يستطيع تفسير حالاته النفسية إن كان مسرورا أو مريضا أو متعكر المزاج، خاصة أن مهمته تكمن في تحليل ردود أفعال الكلب عن طريق حركات معينة يقوم بها.

بينما أشار يوسف دنقس مشرف وحدة البحث الخاص في إحدى الشركات إلى أن اختيار الكلاب من خارج السعودية لمهمة الكشف عن المتفجرات يقوم على عدة مقومات. وقال: «نبدأ معه لعبة الدمية، فإن استطاع إيجادها يكون مؤهلا للعمل في هذا المجال، ليخضع بعد ذلك إلى التدريبات الأساسية والمتدرجة لحين انخراطه في الوظيفة». ولفت دنقس إلى أن كلاب الحراسة من الأفضل أن تكون ألمانية لما تتميز به من حجم كبير، إضافة إلى فصيلة «الدوبرمان» ، فيما يفضل اختيار فصيلة «اللبردور» لمهمة الكشف عن المتفجرات باعتبارها مطيعة ولا تميل للعنف، وأضاف: «من الضروري إخضاع الكلب للاختبار أسبوعيا بهدف ضمان استمراريته في العمل، وذلك من خلال تمثيل مدربه دور المشتبه فيه كي يقيم مدى قدرته على اكتشافه». وما زال يوسف يتذكر موقفا حدث مع أحد المدربين أثناء عمله في الجمارك، وقال: «كان المدربون مبتدئين ويتعاملون مع الكلاب باستهتار، وكان هناك كلب من فصيلة «المالانوي» الكندية، والتي عادة ما تكون في غاية الشراسة، حيث رفض أن يعطي الكرة لمدربه، خصوصا أن من طبعه التلذذ في تدمير الشيء الذي يقع في قبضته».