«بيت السحيمي» التاريخي.. مقر فن «الأراجوز» المصري

حافظ على رونقه وسط تطور القاهرة الفاطمية

يمتاز «بيت السحيمي» بطراز معماري فريد («الشرق الاوسط»)
TT

في واحد من أهم البيوت الأثرية في مصر، ولكونه شاهدا على تاريخ اجتماعي وثقافي للشعب المصري، اختارت وزارة الثقافة «بيت السحيمي» التاريخي ليكون مقرا لعرض فن «الأراجوز»، و«خيال الظل»، باعتباره من العروض الترفيهية والتربوية التي تسهم في تشكيل وجدان الطفل.

و«بيت السحيمي» كان يُنظر إليه في الماضي على أنه يتمتع بتصميم يكفل الخصوصية لساكنيه، وكذلك الفناء الذي يتوسط البيت، وتطل الغرف عليه، والأجنحة المستقلة ذات المنادر والقاعات «الحجرات» المزينة بالزخارف. ومع هذا العبق التاريخي، جاء القرار باعتبار البيت مقرا لعرض فن «الأراجوز»، الذي يعتبر بانوراما تسجيلية لتطور هذه العروسة، وطرق صناعتها، والآلة المسؤولة عن تشكيل صوت «الأراجوز»، ولكونه تعبيرا لأحد النماذج الفولكلورية الشعبية في الشارع المصري، في الوقت الذي يعتبر من أحب الشخصيات لدى الأطفال.

ويعد فن «الأراجوز» من الفنون المرتبطة بالشعوب، والمعبرة عن فئاته المختلفة، وعادة ما يكون مستوحًى من الفنون الشعبية، ففي النصف الأول من القرن العشرين كانت الفنون الشعبية متناثرة ومتنوعة في كل مكان بمصر، إلى أن جاء زكريا الحجاوي رجل الفنون الشعبية ليطوف البلاد، يجمع تلك الفنون وينسقها ويقدمها في إخراج خاص.

وحسبما يذكر المؤرخون، فإن الحجاوي جمع 72 ملحمة شعبية من كل مكان في مصر، وقدم بعضها في الإذاعة في سنوات الخمسينات والستينات، مثل ملاحم «ملاعيب شيحا»، و«كيد النسا»، و«أيوب»، و«سعد اليتيم»، وغيرها. وفى عام 1957 شجعت الحكومة المصرية على تأسيس مركز الفنون الشعبية، ليكون مركزا علميا لتسجيل التراث الشعبي بمختلف أنواعه في جميع أنحاء مصر. وفى عام 1961 وضعت وزارة الثقافة نواة لإنشاء السيرك القومي، إحياءً لفنون السيرك الشعبي التي كادت أن تنقرض.

وتعد فرقة «ومضة» للفنون الشعبية من الفرق التي تقدم عروض «خيال الظل»، و«الأراجوز» كأحد المفردات الثقافية والجمالية التي كونها الوجدان الجمعي المصري، وحملها معه عبر الأجيال المتعاقبة كأحد جوانب تقديم الفنون الشعبية، وهى فرقة لا تهدف إلى الكسب المادي، حيث تعمل في إطار رسمي لوزارة الثقافة بعيدًا عن الأغراض التجارية، حيث تقدم «العروسة» من خلال عروضها المختلفة. وتعتمد عروض «الأراجوز» غالبا على قصص التراث الشعبي، لكشف متناقضات الواقع، بهدف تعريف الأطفال بالنماذج المختلفة للعرائس المصرية، لتنشيط الأطفال وتوحيد طاقاتهم .

أما «بيت السحيمي»، الذي أصبح مقرا لعروض «الأراجوز»، وبات موقعا سياحيا وأثريا يرتاده السائحون، فإنه يقع في قلب حي الجمالية بشارع المعز بالقاهرة التاريخية قرب باب الفتوح، وسور القاهرة الفاطمي الممتد من بوابة النصر حتى شارع بهاء الدين، في حارة الدرب الأصفر المتفرعة من شارع المعز بحي الجمالية، وهو أقدم أحياء القاهرة.

وتبلغ مساحة «بيت السحيمي» نحو 2000 متر مربع، ويحتوي على كل عناصر البيت القاهري في القرنين السابع عشر والثامن عشر.، ويتكون البيت من حوش داخلي رئيسي، مساحته أكثر من 200 متر، تطل عليه قاعات وغرف يصل عددها إلى 115 فراغا، موزعة على خمسة مستويات، كما يحتوي البيت على نماذج للأسقف الخشبية المزخرفة، وأرضيات قاعاته مزينة بالرخام المزخرف .

وتشهد الأبواب والدواليب بروعة فنون الفنون الخشبية، وتعتبر المشربيات العنصر المميز لفتحات الشبابيك. وفي الركن الشمالي الشرقي للبيت، تكتمل عناصر البيت القاهري بوجود الساقية والطاحونة .

وأنشئ البيت داخل أسوار القاهرة الفاطمية، وهو مبنِيّ بأسلوب الحوائط الحاملة، وأساساته عبارة عن استمرار لحوائط البيت، ولكن بعروض متزايدة تدريجيا حتى تصل إلى أقصى عرض لها عند منسوب التأسيس .

ورغم أن عمر البيت لا يتجاوز 350 سنة، إلا أن موقعه كان عامرا بالمباني منذ بناء القاهرة في العصر الفاطمي، حيث وجد فريق الأثريين قبل عدة سنوات في أحواش البيت، أن البناء الحالي يقوم فوق أنقاض وبقايا مبان أقدم منه، قد ترجع إلى العصر الفاطمي، حيث كان المكان موقعا للمنحر «المدبح».

ومن المراجع التاريخية يتضح أنه بعد هدم المنحر، تم بناء عدة مبان مملوكية في هذه المنطقة، من بينها خانقاه ورباط، أما في الوقت الحالي، فالبيت يقع في قلب منطقة الجذب السياحية، فيجاوره كثير من المباني الأثرية التي ترجع إلى العصور الإسلامية المختلفة، ويقع على مرمى حجر من منطقة «خان الخليلي» السياحية الشهيرة. وشيد «بيت السحيمي» على عدة مراحل، إلى أن وصل البناء إلى الوضع الذي يلمسه الزائر اليوم للبيت. ويتضح هذا من الكتابات الموجودة في مناطق مختلفة من البيت، وأيضا من المراجع التاريخية والدلائل الموجودة في المبنى نفسه.

وأقدم جزء في البيت هو الجزء الجنوبي الشرقي الذي شيده الشيخ عبد الوهاب الطبلاوي في عام 1058 هجرية، يليه الجزء الذي بناه الحاج إسماعيل شلبي في عام 1111 هجرية، ويتضمن القاعة الرئيسية بالدور الأرضي.

وشهد البيت إضافات أخرى تمت في عام 1143هجرية، أما المناطق الأخرى فيه، فهي غير محددة التاريخ حتى الآن، وكان آخر من سكن البيت وجدده، أسرة الشيخ محمد أمين السحيمي، شيخ رواق الأتراك بالأزهر، الذي توفي في عام 1928، ولهذا السبب عرف البيت باسمه .

وفي عام 1931 اشترت الحكومة المصرية «بيت السحيمي» من ورثة الشيخ السحيمي بمبلغ ستة آلاف جنيه مصري، واعتمدت ألف جنيه لترميمه.

وحرصت وزارة الثقافة المصرية على ترميم البيت بأسلوب علمي متكامل، ليستعيد رونقه الأصلي، حيث حافظت عملية الترميم على عناصره المعمارية، وراعت عدم المساس بها، إلا في حالات الضرورة القصوى.

وكانت المفاجأة خلال عملية الترميم، هي اكتشاف عدة أنفاق عن طريق التنقيب داخل «بيت السحيمي» وخارجه. ووصل طول أحد هذه الأنفاق إلى 13 مترا، الأمر الذي أكد للأثريين أهمية هذه الأنفاق لدى مستخدمي البيت الذي شيده الشيخ عبد الوهاب الطبلاوي، وخاصة في الجزء الجنوبي منه.