سيرك مانيش أرورا ومعركة حماية الحيوان في أسبوع باريس للأزياء

قدم تحية خاصة لإيف سان لوران

TT

حتى الآن أوفت باريس بكلمتها ولا تزال تتحفنا بعروض شيقة رغم التعب في الوصول إلى أماكن العروض التي نظمت هذا الموسم، في أماكن لا تخطر على بال، لأسباب مادية طبعا، تجعل الوصول إليها صعبا ومضنيا.

الملاحظ أن الهدف التجاري حاضر، لكنه مبطن في غالب الأحيان، وليس بنفس الصراحة التي ظهر بها في أسبوعي كل من ميلانو ونيويورك مثلا. والفضل يعود إلى أن مصممي باريس أتقنوا التلاعب على الحالة بطرح المتنوع، حتى إذا لم يبع جزءا من مجموعة يبيع الجزء الآخر، وهكذا. فقد كانت هناك أزياء بلمسات روك أند رول، وأخرى بروح «الفينتاج» أو كلاسيكية، بينما جاءت أخرى تتباين بين الأنوثة الناعمة والإغراء المثير، بل شمل هذا التناقض حتى الأقمشة، ففي الوقت الذي رأينا فيه العديد من بيوت الأزياء، بدءا من لويفي الإسبانية إلى باربرا بوي، يتبارون على طرح الجلود المتنوعة، بما فيها الفرو لخريف وشتاء 2010، قدمت ستيلا ماكارتني، المناهضة لاستعمال هذه الخامات تماما، حتى فيما يتعلق بالإكسسوارات مثل الأحذية والحقائب، عرضا خاليا من أي منها، لكنه مزدحم بالنجوم والوجوه المشهورة. فقد كان هناك إلى جانب والدها المغني بول ماكارتني وصديقته الجديدة سيدة الأعمال المليونيرة نانسي شيفيل، وهما اللذان وصلا متأخرين مما أدى إلى تأخير العرض لأكثر من أربعين دقيقة، كل من الممثلة تاندي نيوتن، والأميرة شارلوت كاسيراجي من موناكو، والمغنون كاني ويست وبينك وبيث ديتو.

ولا حاجة للقول إن النجمة سلمى حايك كانت أيضا حاضرة برفقة زوجها المليونير فرانسوا هنري بينو، مالك مجموعة «بي.بي.آر» التي تنضوي تحتها ماركة ستيلا ماكارتني من بين آخرين.

عادت ستيلا في هذه التشكيلة إلى بدايتها عندما قدمت في حفل التخرج، عام 1995، تشكيلة لعبت فيها على الازدواجية ين التفصيل كما هو معروف في «سافيل رو» الشهير وبين الملابس الداخلية بنعومتها وشفافيتها، فقد كان هناك الكثير من الجاكيتات الطويلة نوعا ما، التي صممت بطريقة صارمة نسّقتها مع أحذية عالية الساق من الجلد الاصطناعي، فيما نسقت قمصانا ناعمة وشفافة مع بنطلونات مستقيمة توحي بالقوة إلى حد الخشونة.

أما فيما يتعلق بفساتين المساء فإنها كانت بنعومة ملابس النوم الحريرية، وغلبت عليها ألوان لا تقل إثارة مثل الأسود والأبيض والأخضر الزمردي بحواشي من الدانتيل بالأسود والفضي. كانت هناك أيضا قطع من الصوف لكنها على غير العادة جاءت تفتقد إلى الاتساع الذي أتحفتنا به لسنوات، وكأنها فضلت أن تترك الحجم الكبير فقط للمعاطف.

ولأن الفرو والجلد من المحرمات بالنسبة إليها فإنها استعاضت عنهما بالصوف والفرو الاصطناعي المشغول بتقنيات عالية، أضفت عليه الترف والفخامة التي يمكن أن تعوض المرأة عن الحقيقي تماما، فضلا عن منحها الإحساس بأنها تقوم بدورها تجاه البيئة وكائناتها الحية.

كان من الواضح أن ستيلا تلعب على ازدواجية الرجولة والأنوثة، فالأكتاف العريضة والمحددة في الجاكيتات، التي نسقتها مع تنورات من الدانتيل أو التول أو الحرير، فضحت نيتها وأضفت على ما قدمته غموضا وتشويقا.

بعدها مباشرة كان عرض باربرا بوي، والطريف أنها اعتمدت فيها على شتى أنواع الجلود الطبيعية وكأنها تتحدى منظمة «بيتا» لحماية الحيوانات، ولا ترى أقمشة سواها يمكن أن تناسب الخريف والشتاء أكثر، خصوصا أنها جاءت بألوان داكنة إلى حد القتامة. وإلى جانب التايورات المفصلة والمعاطف الواسعة كانت هناك أيضا قطع منفصلة يمكن أن تكمل خزانة المرأة، إلى جانب حقائب كبيرة ومبتكرة، أكسبت المصممة مكانة مهمة في سوق الإكسسوارات عموما والحقائب خصوصا.

«ليونار» الماركة الرومانسية التي تعتمد على مطبوعات وردية كبيرة، وعلى الجيرسيه والكريب في فساتين حالمة، اختارت في المقابل ألا تعقد الحلم، بل تبسطه حتى يبيع. وهذا ما اعترف به مالك الدار التي تحتفل بعامها الخمسين، السيد دانيال تريبويار، حين قال بعد العرض لـ«أسوشييتد برس» أنه عمل مع المصممة فيرونيك لوروي على أن تأتي كل التصميمات قابلة للبيع والاستعمال السهل، لا أن تكون مجرد صور جميلة على صفحات المجلات البراقة. وحسب قوله: «في هذا الوقت العصيب الذي نعيشه جميعا من الصعب تنفيذ مجموعة ملابس جاهزة وتكون مترفة في الوقت ذاته، لكننا حرصنا على أن تكون الأزياء بأسعار في متناول شرائح كبيرة من دون أن تنازل عن الأناقة والخامات المترفة».

وربما هذا ما يفسر التصميمات المتنوعة ما بين الطويل والقصير، والنقوشات التي جسدت الورود تارة ونقوشات الحيوانات، مثل النمور، تارة أخرى. أما ما يتعلق بالألوان فحدّث ولا حرج، لكن ما يحسب لها أنها رغم كثرتها كانت هادئة وغير صادمة للعين، بل العكس كل ما فيها يوحي برومانسية شابة وحيوية.

من جهته قدم مارسيل مارونغيو، مصمم دار «غي لاروش» الفرنسية، تشكيلة عنوانها الأنوثة والإغراء والثقة، لكن بألوان داكنة، حيث خاطبت امرأة تميل إلى استعمال المعاطف ذات الأكتاف المستديرة وأوشحة من الجلود وتنورات ببليسيهات هندسية وبنطلونات واسعة. بعد العرض فسر مارسيل أن فكرته كانت قائمة على الهندسة ومبنية على نفس أسس فن العمارة، «كل شيء يرتكز على الدائرة والمربع والمستطيل والمثلث، إما في طريقة التفصيل وإما في التفاصيل». لكن مع ذلك نجح أن يقدمها مفعمة بالأنوثة من حيث التصميم ولا شك أنها كانت ستكون أكثر رقة لو تجنبت الألوان القاتمة، التي غلب عليها الأسود.

المصمم مانيش أرورا، من جهته قرر العوم ضد التيار هذا الأسبوع، بتقديمه تشكيلة صاخبة بالألوان، وكأنها سيرك كل أبطاله من الحيوانات المائية والبرية، رغم أن المسرح الذي أقيم عليه هذا السيرك كان مرأبا قديما. للخريف والشتاء المقبلين حلم مانيش بعالم فانتازي تحكمه كائنات أسطورية، مثل دولفينات طائرة وفراشات بأجنحة منقطة مثل جلد النمر، فضلا عن شخصيات كارتونية من أفلام ديزني. كل هذا من خلال قطع لافتة مثل فستان طرز عليه طاووس من الجهتين، وآخر جسد رأس أسد، وغيرها من القطع التي ظهرت فيها فراشات وغيرها. تشكيلة بلا شك زاهية، وبلا شك أيضا مثيرة وغنية بالألوان والتطريزات التي يتميز بها أسلوب مانيش، تتوفر فيها كل العناصر التي تدخل البهجة والسرور على النفس، لكن تبقى عملية تسويقها في يد الأقدار.

مساء نفس اليوم كان لنا موعد مع عرض إيف سان لوران، لكن قبله وفي الظهيرة أعطانا المصمم جياماتيستا فالي لمحة شبه تاريخية عن العبقري الذي رحل في العام الماضي، باستلهام الكثير من القطع من أرشيفه، كتحية له. وتجدر الإشارة إلى أن جياماتيستا من الوجوه المهمة في باريس حاليا، وكان مرشحا ليخلف المخضرم فالنتينو، لكنه فضل أن يركز على خطه الخاص، لا سيما أنه يحقق نجاحا منقطع النظير بين صفوف الشابات من الطبقات المخملية بالذات، كما أنه حقق العجب لماركة «مونكلير» التي أضفى عليها الكثير من الأناقة السبور بعد تسلم قيادتها.

المهم أنه في تشكيلته لخريف وشتاء 2010 قدم قطعا بخطوط واضحة ومحددة استلهمها من أسلوب سان لوران في تفصيل التايورات، لكنه حافظ في الوقت نفسه على ماركته المسجلة، التي تتمثل في القطع المنفوخة بشكل مبتكر جدا، مثل معاطف مستديرة نسقها مع بنطلونات لاصقة من الليكرا المخلوط، وتنورات وفساتين مصنوعة من ريش الطاووس اللامع، فضلا عن فساتين سهرة طويلة تخاطب النجمات، اللواتي ما زلن يعشن حلم الحياة اللذيذة، سوءا كن في العشرينات أو الأربعينات من العمر.

أما المصمم ستيفانو بيلاتي فقد قدم في المساء نفسه تصوره لدار إيف سان لوران بالأسود غالبا، والأبيض الطباشيري والرمادي، ومن خلال قطع موجهة إلى المرأة العاملة التي تتبوأ مراكز مهمة، من خلال جاكيتات بياقات واسعة وقمصان هندسية بيضاء، وطبعا التوكسيدو الذي أخذه من أرشيف الدار وأعاد ترجمته على طريقته وبلغة أكثر عصرية.

كل ما في التشكيلة كان ينبض بالازدواجية بين الأنوثة والرجولة، لكنها ازدواجية لذيذة تحترم روح المؤسس الذي عشق المرأة وأعطاها القوة وقطعا لا تزال تلهب الرغبة فيها، سواء كانت مقلدة أو فينتاج. وكل ما تتمناه كل متابعة للموضة أن تنجح هذه التشكيلة من الناحية التسويقية حتى تعيد إلى الدار بعض بريقها القديم، لا سيما وأنها تعاني منذ مدة من مشكلات مادية كبيرة.