مسرح القصبة يطلق أول أكاديمية لتعليم الدراما في رام الله

المسرحيون الفلسطينيون ينجحون في الخارج.. بينما يواجهون عقبات أكبر على أرضهم

لقطة من مسرحية «قصص تحت الاحتلال» («الشرق الأوسط»)
TT

لم يجد المسرحي الفلسطيني خالد المصو، في يوم العشاق، إلا رصاصة، يهديها إلى حبيبته، ولم تجد هي كي ترد عليه هديته، إلا قنبلة من الغاز المسيل للدموع. كانت هذه قصة من بين «قصص تحت الاحتلال» حملها مسرح وسينماتك «القصبة»، من رام الله إلى واشنطن. والمسرحية التي عرضها 5 ممثلين في مهرجان «أرابسك»، الذي نظمه مركز كنيدي للفنون في العاصمة واشنطن، حاولت أن تنقل عدة صور لحياة الفلسطيني اليومية تحت الاحتلال. وتأتي هذه الخطوة، كما قال مدير مسرح «القصبة» جورج إبراهيم «إنجازا يضاف إلى إنجازات (القصبة) التي تعمل على نشر ثقافة المسرح في المجتمع الفلسطيني، وتثبيت وجود المسرح الفلسطيني على الساحة العالمية».

وشارك المصو في عرض «قصص تحت الاحتلال» في واشنطن، وبدا مفاخرا بتجربته هناك، وقال: «اللوبي اليهودي كان غير معنيّ بحضورنا».

وفعلا، كانت جماعات يهودية أميركية اعترضت على دعوة مركز كينيدي للمسرحية، بحجة أنها ذات طابع سياسي. وهو ما اضطر مدير مركز كينيدي مايكل كايزر إلى التوضيح بأن المهرجان يهدف إلى تصوير الحياة الاجتماعية كما يراها المواطن في الدول العربية، لافتا إلى أن السياسة جزء لا يتجزأ من حياة الناس، «لذا لا بد من أعمال تتحدث عن السياسة». وقال المصو: «قدمنا عدة مونولوجات» (نصوص فردية). وتابع: «تحدثنا عن معاناة المواطن الفلسطيني بقالب كوميدي». وكانت صحيفة «واشنطن بوست» الأميركية أشادت بإخراج المسرحية، مشيرة إلى أن مقاطع العرض كانت مدروسة. ولفتت إلى أن ظهور الممثلين على خشبة المسرح من تحت أكوام من الصحف، إنما هو دعوة إلى التعمق بما هو أبعد من العناوين. وانتقدت الصحيفة في المقابل المفردات المستعملة بالمسرحية والتي وصفتها بأنها حادة. ورد المصو: «لم نتحدث بالسياسة، قصصنا كانت إنسانية.. لم نقل رأينا، نقلنا صور المعاناة». وبحسبه فإن الرسالة التي أرادت أن ترسلها المسرحية، أن هناك شعبا يعيش تحت الاحتلال، يبدع، ويصنع مسرحا، ويزرع، ويبني.. إذن هناك شعب لا يمكن لأي استعمار أن يلغيه».

وأدى المصو مشهدا بعنوان «حب على خط النار»، ومثّل فيه دور شاب فلسطيني يعشق فتاة من مدينته، وفي عيد العشاق أهداها رصاصة، وأهدته قنبلة غاز، ومن ثم أهداها صاروخا، فأهدته قذيفة، وقال المصو: «خلعوا الشجر والورد، ولم يتركوا لنا شيئًا يهديه بعضنا لبعض، حياتنا كانت اجتياحات، وهذا ما أردنا أن نقوله للناس».

وبينما ينجح المسرحيون الفلسطينيون عادة خارج أرضهم، ويحصدون عدة جوائز عالمية، كما هو الحال مع «قصص تحت الاحتلال»، فإنهم داخل وطنهم يعانون من غياب كبير لثقافة المسرح. ومن دون شك، قد يبدو أن العرض في واشنطن أسهل من العرض في نابلس، فقد بيعت تذاكر مسرحية «قصص تحت الاحتلال» قبل موعد العرض بأسبوعين. هذا غير ممكن في مدن الضفة. وقال المصو: «هناك عقبات.. الاحتلال، والحواجز، والوضع الاقتصادي الصعب، واهتمامات الناس التي تنصبّ على قضايا أخرى».

ولذلك، بدأت تنتشر في فلسطين بشكل كبير فكرة المسرح الجوّال، وقال المصو: «نبحث عن طرق لنصل إلى جمهورنا.. الناس لا تستطيع الوصول إلينا، وسنذهب نحن إليهم». لكن المصو لا يرى ن حواجز الاحتلال وإجراءاته المعقدة هي العائق الوحيد أمام قلة حضور الجماهير الفلسطينية لمشاهدة مسرحية ما، بل غياب «الدولة» يُعتبر عاملا آخر مهما. وقال المصو: «لا يوجد لدينا وزارة حقيقة للثقافة، لا يوجد خطط ولا دعم ولا استراتيجية واضحة للعمل الثقافي». وتابع: «وزير بييجي وآخر بروح». ويعاني المسرحيون من قلة التمويل أحيانا كثيرة، وقال إياد الحروب، الممثل في فرقة «القسطل» للعمل المسرحي والتي اشتهرت في الأعوام السابقة بعرضها مسرحا كوميديا نقديا ساخرا، ولاقت إقبالا جماهيريا: «لقد توقفنا الآن بسبب قلة الإمكانيات، ولم نجد من يقدم لنا الرعاية الحقيقية رغم الإقبال الجماهيري الذي كان كبيرا». وأوضح الحروب أنه أحيانا كان يضطر إلى أن يدفع من جيبه الخاص فقط لأنه يعشق المسرح». ويخطط القائمون على مسرح «عناد» في بيت لحم، و«الحياة» في رام الله، لعرض مسرحيتهم الجديدة المشتركة «غزة، رام الله»، التي تتحدث عن الانقسام الفلسطيني، في عدة مدن فلسطينية، وقال المصو: «لا نريد من الناس أن يأتونا، هذا صعب أن يحدث، سنذهب نحن إلى المدن والقرى والمخيمات».

وتميزت المسرحية التي عُرضت على مسرح القصبة في رام الله، بجرأة الطرح. وهذا أغضب بعض القيادات السياسية الفلسطينية. وقال المصو: «نحن نعكس ما يقوله الشارع، ونتبنى وجهة نظره». ورغم كل ما يمكن أن يعيق العمل المسرحي في فلسطين، فإن مسرح «القصبة» حقق حلما قديما، بإنشاء أول أكاديمية متخصصة للدراما في رام الله، ومن المقرر أن تفتح أبوابها رسميّاً في أيلول (سبتمبر) المقبل. ووقعت «القصبة» اتفاقا مع جامعة فولكوانغ الألمانية التي ستمنح طلاب الأكاديمية الفلسطينية شهادات معترفا بها في عدد من دول العالم. واعتبر جورج إبراهيم مدير مسرح «القصبة» أن المسألة تنطوي على مغامرة كبيرة، «إذ ليس من السهل إطلاق أكاديمية للدراما في فلسطين التي تعاني من الاحتلال والانقسام الداخلي».

وستمنح الأكاديمية الفلسطينية كل طالب يلتحق بها شهادة البكالوريوس في فنون الدراما بعد 3 سنوات من الدراسة المستمرة، بواقع 5 أيام في الأسبوع، واجتياز الامتحانات السنوية، وإنهاء مشروع التخرج.

وسيتلقى الطلاب دروسهم في قاعة مسرح وسينماتك القصبة في رام الله في المرحلة الحالية، حتى إتمام مبنى دائم للأكاديمية، وهو ما تجري بشأنه عدة اتصالات مع جهات أوروبية، لكن حلما كهذا سيضمن نجاحَه قيامُ الدولة، وسيهدد استمرارَه أي مواجهة أخرى بين الشعب المحتل ومحتليه.