إيلي صعب.. يبدأ صفحة جديدة ويغير اتجاهه من الشرق إلى الغرب

وجه آخر.. أسلوب جديد

TT

لا شك أن إيلي صعب، مصمم النجمات والأميرات والطبقات المخملية المفضل، قد طرح على نفسه السؤال المحير: ماذا يمكنه أن يقدم للمرأة في هذا الوقت الذي تعاني فيه الموضة من شح الإمكانيات بسبب تراجع المبيعات والإمكانيات، ولجأت فيه العديد من بيوت الأزياء إلى تقليص ميزانياتها مما أثر سلباً على الحلم؟ وجوابه، حسبما استنتجنا من خلال عرضه صباح يوم الأربعاء، كان: الجمال والأناقة والتجديد. فبينما جاءت كل العروض التي تابعناها لحد الآن في باريس تخاطب العقل قبل القلب، وركز فيها مصمموها على ما يعرفونه جيداً بالعودة إلى أرشيفهم، اختار إيلي ركوب الصعب لخريف وشتاء 2010 بطرح تشكيلة جديدة ومختلفة تماماً عما تعودناه منه سابقاً، ضارباً عرض الحائط بالحذر والحيطة، ليذكرنا بكبار أيام زمان، مثل السيد كريستيان ديور الذي طرح الفخامة في وقت التقشف، من خلال ما أصبح يعرف بـ«دي نيو لوك». كان ذلك بعد الحرب العالمية الثانية مباشرة، الأمر الذي أثار ضجة كبيرة حينها. فقد حنق عليه الرجال وصفقت له النساء لأنه أعاد لهن الرومانسية والأنوثة. إيلي هو الآخر طرح أسلوبه الجديد في عز الأزمة، وأيضاً لم يبخل بالأنوثة ولا الرومانسية. التغيير الذي أجراه أنه حوّل السخاء في التطريزات والفخامة إلى السخاء في قطع ناعمة خاصة بالنهار بعد أن كان يركز على فساتين الكوكتيل ومناسبات المساء والسهرة، من خلال مجموعة كل ما فيها يرقص على نغمات باريسية؛ مجموعة ابتعدت عن الشرق، وتتميز بخطوط واضحة ورشيقة جداً. ملهمته قد تكون سيدة البيت الأبيض الأولى ميشال أوباما أو النجمة الراحلة أودري هيبورن، بالنظر إلى الفساتين المستقيمة والمحددة التي طرحها بأشكال متنوعة في بداية العرض، وللمساء قد تكون الملهمة هي غريس كيلي أو ريتا هيوارث. مع كل تصميم، كان الشعور يقوى بأنه يريد أن يوصل لنا رسالة بأننا اليوم وأكثر من أي وقت مضى نحتاج إلى أفكار جديدة وشجاعة، وهو رأي أكدت رجاحته ردود فعل العديدات من معجباته اللواتي كن فاغرات الأفواه طوال العرض، وعندما ظهر ليحيي الحضور في نهايته وقفن ليصفقن له ثم لم يتمالك بعضهن أنفسهن وصحن بأعلى أصواتهن «برافو.. برافو» ناسيات في غمرة الحماس أنهن في عرض أزياء وليس في حفل غنائي. وهذا يلخص التأثير الذي خلفته هذه التشكيلة المتجددة في النفوس. أجمل ما فيها أنها كشفت عن جانب لم نره من قبل لدى صعب، جانب شاب وعصري لا شك أنه كان دائماً بداخله لكنه برز إلى السطح الآن بعد أن اكتسب ثقة أكبر بنفسه وبأسلوبه ومكانته العالمية. وليس أدل على هذه الثقة من أن امرأته في هذه التشكيلة لم تعد مخملية ومترفة تقضي معظم أوقاتها في حفلات الكوكتيل والسهرات فقط، بل هي أيضاً سيدة أعمال ناجحة.

بدأ العرض بفستان باللون البيج يصل إلى الركبة بكم واحد وياقة مبتكرة، تلاه آخر بنفس اللون لكن بتصميم قريب لكن بكمين، ثم فستان بنقوشات هندسية بالأبيض والأسود، ثم توالت المفاجآت مرة من خلال تايور بتنورة مستديرة ومرة من خلال فستان ضيق بأكمام منفوخة أو بأكتاف عالية، أو معطف من الصوف أو قطع منفصلة أو سروال من وحي ألف ليلة وليلة نسقه مع جاكيت بوليرو وزين أكمامه بالفرو. بعدها جاء دور فساتين الكوكتيل التي حملت بصماته من حيث التقنية العالية والتفصيل الذي لا يعلى عليه، مثل الدرابيه والبليسيه على أقمشة مثل الأورغنزا والحرير والكريب جورجيت، لكنها جديدة من حيث عدم إغراقها في البذخ في التطريز والتفاصيل. فهي محددة على الجسم وبألوان هادئة جداً، مثل البيج والأزرق المائل إلى الرمادي والأخضر والأسود المطفي. بالنسبة لفساتين المساء والسهرة، فقد كانت حالمة كالعادة، لكنها عوض أن تستحضر أميرات الشرق جسدت الأسلوب الباريسي الممتنع، حيث تميزت بألوان هادئة ومطفية، وببليسيهات خفيفة زادها الشيفون والحرير والكريب انسيابية وأنوثة. هنا أيضاً غابت التطريزات الغنية، حيث اقتصر البريق على بضعة فساتين رصعت بأحجار كبيرة الحجم نوعاً ما عند الصدر، لكن لأن الأحجار كانت من نفس لون الفستان، إما البيج أو الأسود، فقد بدت هادئة ومتناغمة مع روح التشكيلة ككل.

إيلي صعب فسر لوكالة «رويترز» بعد العرض أنه استوحى خطوطه المحددة والمنحوتة من الستينات من القرن الماضي فيما استوحى الأكتاف العالية من الثمانينات. لكن المهم هو أن النتيجة كانت ولادة جديدة لإيلي صعب ومن ثم ولادة أسلوب جديد من الأناقة لا يمكن للمرأة إلا أن تقع في حبه. فكما عشقت شرقيته سابقاً، فإنها حتماً ستعشق باريسيته حالياً. ومما لا شك فيه أن يوم الأربعاء 11 من شهر مارس (آذار)، سيبقى يوماً تاريخياً في مسيرته، فتشكيلته لخريف وشتاء 2010، ستُسجل دائماً كالتشكيلة التي غير فيها دفة الاتجاه من الشرق إلى الغرب بنجاح. وهذا بالتحديد ما جعله يسرق الأضواء من باقي المصممين المبدعين خلال الأسبوع الباريسي، رغم أن عرضه كان في اليوم قبل الأخير منه، الأمر الذي يعني أن التعب قد أنهك المشترين والمحررين، كما تكون النفوس قد أصيبت بشبه تخمة من كم الجمال والأناقة المطروح أمامهم بشكل مكثف من الصباح إلى المساء. ففي الأيام الأخيرة تكون معظم بيوت الأزياء قد قدمت أطباقاً دسمة أشبعت ومتّعت، بدءًا من ديور إلى شانيل مروراً بفالنتينو ولانفان، وغيرهم، لكن يأتي إيلي دائماً ليمنحنا مضاداً حيوياً يعيد لنا الحماس والثقة بأن للموضة وجوهاً مختلفة.