مسرحية «دمشق» البريطانية تستفز أهل الشام بعد عرضها في أدنبره وموسكو ونيويورك

تشعل نقاشا حادا مع كاتبها الاسكتلندي المتهم بتقديم رؤية نمطية للسوريين

الممثلة البريطانية ناتالي أرمين في مسرحية «دمشق» المثيرة للجدل، والتي كانت العاصمة السورية - التي تحمل اسمها - محطتها الأولى في جولتها الشرق أوسطية (أ.ف.ب)
TT

احتد الجمهور الدمشقي على مسرحية بريطانية تأخذ مدينتهم عنوانا لها، وذلك بعد أن وجد معظمهم أنها تقدم رؤية سطحية ونمطية لشخصيات سورية مجملها سلبية.

وخلال مناقشة أعقبت انتهاء عرض مسرحية «دمشق» على مسرح «مجمع دمر الثقافي» مساء أول من أمس الخميس، توجهت امرأة من الحضور إلى طاقم المسرحية بالقول: «شكرا لكم لأن هذه المسرحية جعلتني أتعرف على طريقة تفكيركم السلبية تجاهنا». وتابعت بلهجة ساخرة: «قبل المسرحية كنت أنظر إليكم بتسامح ومحبة، ولكن الآن صار عندي نظرة مختلفة».

وبدا أحد الحضور، الذي قدم نفسه ككاتب، مستفزا وهو يخاطب كاتب المسرحية ديفيد غريغ بانفعال: «أنت تقدم دمشق بشكل سطحي وعبر شخصيات نمطية جميعها سلبية، وعليك ككاتب أن تعرف كيف ينعكس الأمر علينا»، وتابع سائلا الكاتب: «ضع نفسك مكاني، وتخيل لو أنني كتبت مسرحية كهذه عن بلدك، كيف ستفكر وقتها؟».

ورد كاتب المسرحية معتبرا أن هذا السؤال لا ينطبق عليه، «لأنه لا يوجد هذا التاريخ من علاقات السلطة بيننا وبينكم».

ومسرحية «دمشق» التي كتبها لمسرح الترافيرس في أدنبرة ديفيد غريغ، الذي يعتبر من أبرز كتاب الجيل الجديد الاسكتلنديين، وقدمت إضافة إلى أدنبرة في موسكو ونيويورك على امتداد ثلاث سنوات، تحضر للمرة الأولى إلى المدينة التي تحمل عنوانها، وستتابع جولتها في لبنان والأردن ومصر وتونس والأراضي الفلسطينية المحتلة.

تجري أحداث المسرحية، وكل ممثليها بريطانيون، في ردهة فندق بدمشق، حيث يصل بول، مؤلف مناهج تعليم اللغة الإنجليزية، ليعقد صفقة بيع كتابه التعليمي لمعهد تعليم لغة إنجليزية في العاصمة السورية.

الكاتب الإنجليزي يلتقي الشابة منى، المندوبة عن المعهد، ويحدث بينهما نقاش موسع عن تعديلات يجب أن يجريها الكاتب على مؤلفه كي يمكن للمعهد تدريسه للطلاب السوريين. هذه المناقشة تفتح باب النقاش حول قضايا الاختلاف السياسي والديني والاجتماعي بين المجتمع السوري كما تقدمه منى، وبين ما يرد في الكتاب التعليمي من أمثلة وشخصيات.

ويلتقي بول مدير معهد تعليم اللغة، الذي يظهر كشخصية منافقة تتحدث عن قيم وتمارس أخرى، سواء في حديثه إلى بول أو مع منى التي تريده أن يتبنى مناهج جديدة تمكن الطلاب من فهم العالم الذي يتغير حولهم.

الكاتب الذي تطول إقامته في دمشق تزامنا مع انفجار في مطار بيروت خلال العدوان الإسرائيلي على لبنان في يوليو (تموز) 2006، يلتقي في حوارات عديدة مع موظف الاستقبال في الفندق، الشاب السوري الذي يبدو شخصية ساذجة ينحصر تفكيره في مسألتين: كيف سينام مع الفتيات الأجنبيات في دمشق، وإرسال سيناريو كتبه عن حياته إلى هوليوود مع الكاتب.

وتحضر في المسرحية أيضا شخصية عازفة البيانو الأوكرانية، التي تنقل ما يشبه التقارير التعريفية بالمجتمع الدمشقي، عبر من يرتادون الفندق. وتنتهي المسرحية بتردد الكاتب في مغادرة دمشق بعد أن مالت عواطفه إلى منى من خلال نقاشاتهما، وانتحار موظف الاستقبال بعدما رفض الكاتب أخذ سيناريو حياته إلى هوليوود.

ويصف كريغ مسرحيته بأنها: «جاءت نتيجة غير متوقعة للتبادل الفني الذي حظي به مع رواد المسرح الشبان في عدد من البلدان العربية، وبخاصة في سورية والأراضي الفلسطينية منذ عام 2000، وذلك عن طريق العديد من ورش العمل الخاصة بالكتابة المسرحية في المنطقة، والتي نظمها ودعا إليها المجلس الثقافي البريطاني بالتعاون مع شركاء محليين».

ويضيف قائلا في نفس السياق: «وبغض النظر عما تعلّمه الكتّاب المشاركون، فقد انتهت هذه الورش بتعليمي أنا الكثير عن العلاقات بين الغرب والعالم العربي وطبيعتها. وفي نهاية الأمر، ورغم محاولاتي تجنب ذلك، شعرت بأنه لا بد لي من كتابة مسرحية تتناول هذه العلاقات وتنقلها إلى الجمهور البريطاني».

وتقول ليلى حوراني، المديرة الإقليمية للتبادل الإبداعي في المجلس الثقافي البريطاني: «أعتقد أنه من حق جمهور المسرح في العالم العربي أن يطلع على الأعمال التي تتناول صورته في بريطانيا، وأن يتواصل بشكل مباشر مع مبدعيها. ومن شأن هذا التواصل، الذي يقوم المجلس الثقافي البريطاني بتسهيله، أن يعمق تجربة هؤلاء المبدعين البريطانيين ويرسخ اهتمامهم بالثقافة العربية من خلال انخراطهم في حوار حقيقي وفعال مع جمهور ومبدعي المسرح العربي».

واحتد النقاش بعد العرض، حتى إنه عندما أعلنت مديرة الحوار انتهاء وقته كانت لا تزال أياد كثيرة ترتفع في القاعة مطالبة بالحديث، ورغم ذلك صفق الجمهور للممثل العربي البريطاني خالد ليث الذي لعب دور موظف الاستقبال، عندما رد على من اعتبر شخصيته سلبية، بانفعال شديد: «ليست سلبية. هل تعرفون أن معظم الشخصيات التي يعرضون علي لعبها في بريطانيا هي أن أمثل دور إرهابي عربي يقتل الأجانب الأبرياء؟».

واعتبر الناقد أسامة غنم المدرس في المعهد العالي للفنون المسرحية في دمشق، والذي شارك في النقاش، كما ذكرت الوكالة الفرنسية أن المسرحية التي يقدمها المجلس الثقافي البريطاني على سبيل الحوار بين الثقافات «تقدم معالجة سطحية ومفتعلة، وشخصيات منمطة وذات بعد واحد، وهي تعكس رؤية مسبقة للمنطقة رغم النوايا الطيبة التي لا تكفي».

من جانبه أشار مخرج مسرحية «دمشق» فيليب هاورد إلى أنه أدخل عليها بعض التعديلات بناء على رغبة وزارة الثقافة السورية «لتكون قابلة للتقديم هنا»، وهذا ما حدا بأحد الحضور إلى التساؤل: «المسرحية المعدلة أثارت هذا النقاش، فكيف لو رأينا النسخة الأصلية التي جابت العالم؟!».