معرض متحفي يقدم نماذج من القفطان المغربي تعود إلى القرنين 17 و18

يروي تطور اللباس التقليدي للمرأة عبر الزمن

TT

القفطان المغربي التقليدي ليس مجرد أقمشة فاخرة وألوان وقصات، بل تاريخ وحضارة وتراث ونمط حياة كانت تعيش على إيقاعه المرأة المغربية منذ سنوات طويلة. وهذا ما كشف عنه العرض المميز للأزياء التقليدية المغربية الذي أسهم في تنظيمه أخيراً متحف دار بلغازي بالتعاون مع مجلة «سيدتي». ويحتفظ المتحف بقطع نادرة جداً من هذا الزي تعود إلى القرنين السابع عشر والثامن عشر، مما جعل من العرض ليس مجرد لحظات للمتعة البصرية، بل تعمقاً في التراث من خلال المعلومات والمعطيات الغنية التي قدمها عبد الإله بلغازي، محافظ المتحف، والخبير في الديكور والأزياء، وهو يحكي بالتدقيق عن كل قطعة كانت ترتديها العارضات.

بلغازي يشرح أن المرأة المغربية كانت تعتبر القفطان قطعة نفيسة يجب الحفاظ عليها والاعتناء بها كما الحلي الذهبية الثمينة أو أكثر، والسر في هذا الاهتمام، هو أن القفطان كان يتوارث عبر الأجيال، فالأم تهديه إلى ابنتها العروس، وهذه الأخيرة تحتفظ به لتقدمه بدورها لابنتها، حيث كان تجهيز العروس يبدأ وهي طفلة صغيرة في سن السابعة من العمر، وهكذا يصبح القفطان قطعة نفيسة لها قيمة مادية ومعنوية.

وإلى جانب العناية الخاصة التي كانت توليها المرأة للحفاظ على هذا الزي بوضعه في مكان آمن، هناك جانب آخر يكشف سر احتفاظ هذه الأزياء بجودتها، وهي المواد الخام الطبيعية التي كانت تستعمل في نسج الأقمشة، مثل الحرير وخيوط الذهب الخالص، لصنع قماش البروكار، أو الملف، أو المخمل، أما الألوان الجميلة المشرقة، فمصدرها الصباغة النباتية، لذلك فهي تبدو لامعة وجذابة، رغم مرور كل هذه السنوات عليها.

وبما أن ارتداء القفطان أو «اللبسة الكبيرة» الخاصة بالعروس، بلا شك يتم بغرض التباهي وإبراز الجمال والمكانة الاجتماعية، فإن المرأة التي ترتديه كانت تتفادى الإصابة بالعين أو الحسد، كما يقول بلغازي، بتطريز هذه الألبسة برسوم يعتقد أنها تحمي من العين والحسد كالثعبان والكف أو ما يعرف بـ«الخميسة».

وقد يحمل القفطان رسوماً تدل على التأثر بحضارات أخرى مثل رسم النجمة والهلال، وهو رمز تركي. فالقفطان استلهم الكثير من خصائصه من الأتراك والأندلسيين.

وترافق الزي التقليدي إكسسوارات أساسية لا يمكن الاستغناء عنها، وهي الحزام أو «المضمة»، و«العصابة» أو التاج، و«القلادة»، ثم الحذاء التقليدي (الشربيل). ولكل واحد من هذه الإكسسوارات حكاية ومغزى. فـ«العصابة» قطعة قماش مرصعة بالذهب أو الفضة والأحجار الكريمة مثل الزمرد، تشبه التاج، وتلف على الجبهة. وكانت المرأة ترتديها في المناسبات. و«المضمة» هو حزام رجالي في الأصل، وكان وضع الحزام على الخصر بالنسبة للرجل في البداية لأغراض عملية، قبل أن يتحول إلى رمز للوجاهة والمكانة الاجتماعية عندما ارتداه الفرسان، الذين أخذوا يتفننون في زخرفته ونقشه، ثم اهتدوا إلى ربطه عن طريق قفل يثبت في الأمام يسمى «الفكرون»، ومعناها بالمغربي «السلحفاة». وكان صنعه يستغرق ما بين 5 و6 سنوات. وانتقلت «المضمة» إلى المرأة حين كانت زوجة الفارس تستعير «المضمة» من زوجها، وترتديها عندما تذهب لحضور بعض المناسبات، وتتباهى أمام النساء الأخريات بأنها زوجة فارس. وتغيرت القطعة بعد ذلك لتلائم المرأة بحيث تتلاءم مع قماش القفطان، بينما احتفظت بالقفل الذي يثبت في الوسط.

أما «القلادة» فتتخذ أشكالا متنوعة، وأهم ما يميزها أنها كانت تصنع يدوياً. ويحتفظ بلغازي بمجموعة ثمينة ونادرة من القلادات القديمة، التي كان الصانع المغربي يبدع في تشكيلاتها، وهي تفوق بكثير قيمة أشهر ماركات المجوهرات العالمية مثل شوميه وكارتييه، المصممة كمبيوترياً، والمصنعة ميكانيكياً بنظر بلغازي. وأما الشربيل فهو حذاء مصنوع من الصقلي، وهو عبارة عن خيوط الذهب، وأحياناً يصنع من نفس قماش القفطان.

ويوجد بالمتحف اليوم حوالي 700 قطعة لباس أثرية، جمعها والد بلغازي على مر السنين، 70 بالمائة منها مصدرها أوروبا، حملها مهاجرون مغاربة معهم كمقتنيات ثمينة تستوجب الحفاظ عليها.