مسقط وسنغافورة تعملان على إحياء طريق الحرير

«جوهرة مسقط» نموذج مطابق لسفينة من القرن التاسع تبنى يدويا

«جوهرة مسقط» تعيد إحياء طريق الحرير بين عمان وسنغافورة («الشرق الأوسط»)
TT

تعيش سلطنة عُمان فصول قصة تعود إلى القرن التاسع الميلادي، عندما أبحرت إحدى السفن باتجاه الشرق الأقصى، في ما كان يعرف بطريق الحرير، لكن الرياح لم تحالفها فغرقت قبالة شواطئ الصين. القصة كشفت عنها بقايا حطام السفينة التي عُثر عليها في عام 1998. واليوم تعيد عُمان إحياء السفينة المفقودة من خلال بناء أخرى مشابهة لها تماما تحت اسم «جوهرة مسقط».

وقد اختار القيّمون على هذا المشروع أن يتم بناء السفينة بالطريقة اليدوية نفسها التي كانت متبعة آنذاك، أي في القرن التاسع للميلاد. واجتمع لهذه الغاية فريق من عمان وخارجها يشرف على تفاصيل هذه العملية بما فيها الشق التوثيقي أيضا، حفاظا على المهارات والتقنيات المستعملة في مراحل البناء المختلفة.

ومن المقرر أن تبحر «جوهرة مسقط» متبعة نفس الخط القديم من مسقط إلى الشرق الأقصى حيث ستكون سنغافورة مقرا نهائيا لها. وهناك ستودع الحكومة السنغافورية السفينة في أحد المتاحف المحلية إلى جانب كنوز سلالة تانج التي حكمت الصين ووجدت بقايا منها بين حطام السفينة المفقودة. وكانت السفينة قد غرقت وهي في طريق عودتها من الصين إلى الشرق الأوسط، حين اصطدمت بممر جبلي وكانت محملة بما يقارب 60 ألف قطعة من السيراميك والذهب والأواني الفضية والمرايا البرونزية التي تعود لكنوز أسرة تانج. ومن المقرر أن تنتهي عملية بناء سفينة «جوهرة مسقط» في شهر سبتمبر (أيلول) المقبل، حيث ستبدأ رحلتها البحرية من عمان إلى سنغافورة في شهر فبراير (شباط) 2010 بعد إتمامها لعملية تدريب طاقم القيادة وإجراء التجارب البحرية اللازمة.

وبالتوازي مع العمل الجاري حاليا على بناء السفينة تم تدشين الموقع الإلكتروني للمشروع الذي سينقل من خلال تقنية التلفزيون عبر الانترنت جميع مراحل بناء وإبحار السفينة للعالم أجمع. وقد رعى حفل التدشين رئيس جمهورية سنغافورة أس آر ناثان، إذ يُعتبر مشروع «جوهرة مسقط» مشروعا مشتركا بين عمان وسنغافورة. وقد جال الرئيس السنغافوري على موقع البناء وتفقد السفينة، بينما كان العمال يواصلون بناءهم وحياكتهم للحبال في هذه السفينة «الجوهرة». ولكي تكتمل فصول القصة التاريخية ستعرض قناة «ناشونال جيوغرافيك» فيلمين وثائقيين حول عملية البناء والرحلة المزمعة، ومقالة مفصلة تنشر في مجلة «ناشونال جيوغرافيك». ويصف القيّمون على هذا المشروع العمل الجاري بأنه أكثر القصص إثارة وحيوية، يقوم على إعادة إحياء ومعايشة التاريخ القديم، وستستفيد منها شريحة كبرى من الناس ولا سيما طلاب المدارس الذين خصص لهم موقع إلكتروني قسما خاصا يستطيعون الاستفادة منه إن من ناحية المعلومات الموثقة أو من ناحية التواصل والتفاعل مع المشروع. كما يضم الموقع أيضا كمّا ضخما من المعلومات حول المشروع وخلفيته مزودا بنصوص وصور توضيحية مرفقة بتسلسل زمني للأحداث إضافة إلى المدونات الشخصية لفريق العمل.

ويقوم بناء السفينة على شبك ألواح خشبية بواسطة الحبال، وهي تقنية قديمة جدا كانت تستخدم في صنع المراكب منذ أكثر من ألف عام في التجارة بين الصين وعمان. وستُبحر السفينة بالطبع من دون محرك، وتُعتبر تحديا وتجربة مثيرة لفريق العمل المكون من نحو خمسين شخصا يواصلون عملية البناء بشكل مستمر على شاطئ قرية قنتب الصغيرة الواقعة على مقربة من العاصمة مسقط. وتشرف كل من وزارة الخارجية العمانية والسنغافورية على هذا المشروع. ويعتبر أمين عام وزارة الخارجية العمانية السيد بدر بن حمد البوسعيدي أنه «سيتيح آفاقا مميزة لبث القصة الرائعة للسفينة عالميا وليحكي للعالم عن تراث السلطنة البحري العريق والعلاقات التاريخية التي ربطت على مدى قرون بين شبه الجزيرة العربية والشرق الأقصى».