36 منصبا بارزا في فريق أوباما الإداري تشغلها أميركيات من أصول أفريقية

رحلة النساء السود الطويلة إلى أماكن صنع القرار في واشنطن

TT

مثل أي صديقتين قديمتين تلتقيان فجأة، تجاهلتا أعين الناظرين، وتعانقتا ضاحكتين. وعلى الفور، أمطرت دونا برازيل، الاستراتيجية السياسية والمتمرسة في واشنطن، ليزا جاكسون مديرة وكالة الحماية البيئية، بوابل من الأسئلة: «كيف حال الأطفال؟ هل ما زلت على اتصال بالكنيسة؟ لم أعد أذهب إلى هناك كل أحد، إلا أنهم يعرفونني». وقبل مغادرتها، تلقت جاكسون دعوة مفتوحة من برازيل لزيارتها في مسكنها، وتناول الفاصوليا الحمراء والأرز المعد في المنزل، واللذين يتم تقديمهما مساء كل اثنين.

وقالت جاكسون: «إنها الأخوة في هذه المدينة، فهناك تاريخ كبير».

وتوضح «نساء أوباما»، كما يُطلق على النساء الأميركيات من أصل إفريقي ممن تولين مناصب كبرى داخل إدارته، خطوة أخرى في رحلة النساء السود الطويلة من كونهن غريبات، إلى أن يكُنّ منخرطات في العمل السياسي في واشنطن العاصمة. لقد التحقن بأعمالهن في هدوء ولم يلفتن إلا القليل من الانتباه لكونهن أكبر فريق من النساء السود ذوي المناصب والمراكز الرفيعة يعملن لدى الرئيس. والكثير منهن يشغلن مثل تلك المناصب للمرة الأولى، وذلك على غرار أول امرأة سوداء تترشح لمجلس السياسة الداخلية، وأول امرأة تترأس منصب وكالة الحماية البيئية، بالإضافة إلى أول امرأة سوداء تتولى منصب نائب رئيس فريق العمل بالبيت الأبيض. وفي الأسبوع الماضي اختار الرئيس مارغريت (بيغي) هامبورغ لترأس إدارة الأغذية والأدوية الأميركية. وإذا ما تم تأكيد ذلك، ستكون هامبورغ ـ وهي ثنائية الأصول العرقية، فوالدتها أميركية من أصول إفريقية، ووالدها يهودي ـ هي الأولى في هذا المنصب.

جدير بالذكر أن نحو 36 منصبا بارزا في فريق أوباما الإداري تشغلها نساء أميركيات من أصول إفريقية. وينظر المتمرسون في المدينة إلى هذه النسوة على أنهن جزء من التحول الهادئ في السلطة لصالح النساء السود، لا في البيت الأبيض فقط، ولكن في جميع أنحاء البلاد أيضا، في عالم الأعمال، وفي الأكاديميات العلمية، وحتى الدوائر السياسية. وقال إليانور هولمز نورتون، من السكان الأصليين في واشنطن، الذي عمل من قبل في إدارة كارتر: «لم يفُتنا الانتباه إلى أهمية إرسال أوباما لفاليري غاريت لتمثيل الإدارة في المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس بسويسرا عقب أيام من توليه السلطة. وهناك قدمها الاقتصادي كلاوس شواب على أنها الممثلة الشخصية للرئيس أوباما، والمستشارة المؤثرة، والصديقة الموثوق فيها.. وعندما تحدثت، كانت تتحدث بصوته فعليا». ومن وجهة نظر نورتون، كان هذا بمثابة دلالة للسلطة الكبيرة التي تستأثر السيدات السود.

وأضاف نورتون: «لست متأكدا من أن امرأة سوداء تمتعت بهذا القدر من الثقة الرئاسية من قبل بنفس القدر الذي تمتعت به فاليري غاريت، إذ إنها لم تتخصص من قبل بصورة مستقلة، كما أنها استُخدمت بطرق شتى. وفي اعتقادي أنها المرة الأولى. إن نساء أوباما يمثلن دلالة إزاء كل ما وصلنا إليه». وتقول السيدات داخل الإدارة الشابة إنهن منهمكات في العمل ويجدن وقتا قليلا للغاية للتفكير في مكانتهن في التاريخ. ولكن هناك بعض اللحظات التي يشعرن فيها بهذا.

عندما تسير جاكسون، ومعها حارس شخصي، في ممرات مبنى وكالة حماية البيئة الكبير في المثلث الفيدرالي، توقفها واحدة من المسؤولات، التي أحيانا ما تكون أميركية من أصل إفريقي، لتقول لها: «شكرا لوجودك هنا»، وهي لا تتذكر حينها التاريخ الذي صنعه أوباما فقط، بل إنها تتذكر كذلك التاريخ الذي صنعته هي. ويبلغ عدد السيدات ذوات البشرة السمراء نحو 192,000 من بين ما يزيد على 1,7 مليون من أفراد القوى العاملة الفيدرالية، وفقا لمكتب الإدارة والميزانية.

وتقول جاكسون: «إن هذه إشارة على أنني واحدة منهن».

وفي الكنيسة، تتذكر ميلودي بارنز، التي تترأس مجلس السياسة المحلية في إدارة أوباما. لذا يريد الكثير من الناس التوقف والقول إن من يحصلون على خدماتها أحيانا تكون مثل راعي الكنيسة.

وتقول بارنز: «أشعر بالأمر بالتأكيد عندما يوقفني شخص في عمر جدي ليقول: عزيزتي، أنا افتخر بك، ولكن في الوقت ذاته نحن هنا للقيام بمهمتنا. وفي الغالب عندما نسير إلى الجناح الغربي، نركز على هذه المهمة طوال اليوم».

كانت بارنز شخصية ذات دور أساسي في تمرير خطة التحفيز التي تبلغ 787 مليار دولار، وقد عقدت لقاءات مع وسائل الإعلام، ودعت الحلفاء في الكونغرس، حيث كانت تعمل لعدة أعوام، كبيرة مستشارين السيناتور إدوارد كينيدي (الديمقراطي عن ولاية ماساشوستس) في اللجنة القضائية. وأولوياتها التالية هي مساعدة خطط الرعاية الصحية وتحسين التعليم الحكومي.

وتناصر منى سوتفين، نائب رئيس موظفي الرئيس وخبيرة الشؤون الخارجية، تخفيف الحظر المستمر على كوبا. وقد أصبحت أفكارها قانونا في الأسبوع الماضي عندما تمت إضافة قوانين أقل تقييدا على السفر والتجارة إلى مشروع قانون الإنفاق الذي مرره الكونغرس.

وتقوم المسؤولة الاجتماعية في البيت الأبيض ديزيريه روجرز بدراسة قوائم الضيوف، ووضع ملف أوباما الاجتماعي وتنظيم حفلات العشاء في واشنطن حيث يتم فيها تناول القضايا السياسة. ووسط كل هذه الأمور التي تشغلها، يوجد أوقات، على حد قول روجرز عندما توقفها صديقتها القديمة غاريت في الرواق وتقف لثوان للحديث عن خبرتيهما كامرأتين سمراوين في أعلى مناصب البيت الأبيض.

وتقول روجرز: «أنا سريعة للغاية وأتحرك باستمرار»، تقول لي فاليري: «تمهلي قليلا. فكري في ما تفعلينه. من المهم الحفاظ على هؤلاء الأصدقاء وتلك العلاقات، هذا هو شريان الحياة ما دمت تعملين في فترة تاريخية».

ومنذ فترة ليست ببعيدة، كان تعيين أي سيدة ذات بشرة سمراء في منصب رفيع في أي إدارة علامة تاريخية. ولكن الوصول الجماعي للسيدات في مناصب رفيعة في إدارة أوباما لم يلاحظ إلا في نطاق «مجموعة الأخوات.» وقبل تنصيب أوباما بعدة أسابيع، أرسل أحد المعجبين الذي لم يذكر اسمه رسالة إلكترونية تحتوي على صورة فوتوغرافية لسبعة من موظفات البيت الأبيض رفيعات المستوى تحت عنوان «أخوات في البيت الأبيض».

وكان بها غاريت وجاكسون وبارنز وسوتفين وروجرز والمبعوثة لدى الأمم المتحدة سوزان رايس وكاساندرا باتس، نائبة مستشار في البيت الأبيض. وكانت هذه رسالة منتشرة بين الصديقات: «هل تعرفين أن هذه الأخت هي فاليري غاريت، نائبة رئيس الفريق الانتقالي؟ هل تعرفين أنها الجيل الرابع من المتخصصين المتعلمين في أسرتها وأنها خريجة جامعة ستانفورد؟ (أنها كانت محامية سابقة في إحدى الشركات ورئيسة موظفين في إدارة دالي، وعينت ميشيل روبنسون!)» تقول سوتفين: «لقد اجتمع معظمنا بالأخريات، ولكن رؤية الرسالة الإليكترونية جعلتني أفكر في أنها مجموعة متنوعة ومؤثرة بالفعل من النساء».

وكانت الرسالة إيماءة صغيرة من أجل إحراز التقدم، وكأنها مقياس لإنجازات المرأة والأقلية.

وتقول نورتون: «يبدو الأمر كأن لدينا حديقة هنا في الخارج، وأنها تروى. كانت السيدات السمراوات يعددن أنفسهن من أجل هذا اليوم. وهن أكثر من مجرد مستعدات له».

تحصل النساء على قرابة ثلثي درجات الزمالة والبكالوريوس التي يحصل عليها الطلاب ذوو البشرة السمراء، طبقا للإحصاءات الصادرة عن المركز الوطني لإحصاءات التعليم. وتكشف البيانات الخاصة بمكتب العمل أن ما يزيد على 2,6 مليون امرأة من أصول إفريقية تم تعيينها في مناصب مهنية وإدارية في العام الماضي. وساعدت النساء العاملات مع أوباما على إدارة حكومة مدينة شيكاغو، وقيادة منظمات غير هادفة للربح، وتقلدن مناصب عليا داخل المنظمات الفكرية، وكذلك مناصب مؤثرة داخل الكونغرس. ورغم ذلك، لا تزال النساء والأقليات يفتقرون إلى التمثيل الملائم لنسبتهم بين السكان على المستوى الفيدرالي. داخل الكونغرس، توجد 90 سيدة فقط بين الأعضاء، و42 من أبناء الأصول الإفريقية، و28 من ذوات الأصول اللاتينية، و9 من ذوات الأصول الآسيوية. ومؤخرا، قدمت النساء من ذوات البشرة السمراء أداء أفضل في ما يخص التعيينات داخل الكونغرس والمناصب العليا داخل البيت الأبيض. من ناحيته، قام الرئيس بيل كلينتون بتعيين سيدتين من ذوات البشرة السمراء في حكومته بمنصب وزير، علاوة على العديد في مناصب كبرى داخل البيت الأبيض. أما الرئيس جورج دبليو بوش، فقد اختار كوندوليزا رايس لمنصب مستشار الأمن القومي، ثم وزيرة الخارجية، ما جعلها أعلى امرأة ذات بشرة سمراء من حيث المنصب في التاريخ الأميركي.

منذ 32 عاما فقط، عين الرئيس جيمي كارتر باتريشيا روبرتس هاريس وزيرة لشؤون الإسكان والتنمية الحضرية، ما جعل منها أول امرأة سمراء تنضم إلى صف الخلافة الرئاسية. وعند تعيينها، قالت هاريس إن نوعها ولونها جعلا منها «شخصين في شخص واحد»، ووصفت الضجة التي أحاطت بتعيينها بأنها نتاج «الإقصاء المأساوي». وفي وقت لاحق، اختار كارتر إلينور هولمز نورتون لتترأس لجنة فرص التوظيف المتكافئة. وتتذكر هولمز أنه جرى الترويج لها باعتبارها أول سيدة تتقلد هذا المنصب. خلال محاولات جيسي جاكسون الفاشلة للفوز بالترشح للرئاسة خلال عامي 1984 و1988، جرى تقديم مجموعة من النساء ذوات البشرة السمراء للحياة السياسية الوطنية. ومن بينهن برازلي، أول أميركية من أصول إفريقية تتولى قيادة حملة سياسية كبرى، ومينون مور، التي عملت مساعدة لكلينتون وتولت منصب مديرة الشؤون السياسية بالبيت الأبيض ومكتب الربط العام. وتقول مور: «كنا وكأننا خرجنا فجأة للساحة العامة. وبمرور الوقت بات مشهد تولي امرأة سمراء لمنصب ذي نفوذ أمرا أكثر اعتيادا». خلال فترة رئاسة كلينتون، اعتمدت مور على أليكسس هيرمان، أول أميركية من أصول إفريقية تعمل وزيرة لشؤون العمل، وهازل أوليري، أول سيدة تتولى وزارة الطاقة. وقالت مور: «لم أشعر أنني وحدي قط». والآن، تتحرك السيدات المعاونات لأوباما على خطى أسلافهن، ويقولن إنهن بدأن في التعارف في إطار سعيهن لإيجاد سبيل لهن داخل واشنطن. على سبيل المثال، تكونت صداقة شخصية عميقة بين غاريت وروجرز في شيكاغو، بينما هناك أخريات على معرفة بعضهن ببعض أو بينهن صداقة عمل في أثناء خدمتهن في ظل إدارة كلينتون أو داخل الكونغرس أو خلال الحملة الانتخابية لأوباما. ويأمل بعضهن في أن تتكون بينهن أواصر دائمة، بحيث تشهد واشنطن تكون شبكة من الشقيقات القديمات العزيزات. من جانبها، قالت بتس: «إننا محظوظات لأننا في عصر لم يعد فيه من الغريب اضطلاع نساء أميركيات من أصول إفريقية بأدوار مهمة داخل واشنطن. ورغم أن الأمر لم يعد معتادا تماما، فإن عدد أكبر من الأفراد باتوا يشعرون بتقبل تجاهه». وأرجأت بتس المقابلة لتلقي اتصال هاتفي من تشيريل ميلز، التي أصبحت في ظل إدارة كلينتون أول امرأة سمراء تعمل نائبة لمستشار بالبيت الأبيض. حاليا، تعمل ميلز رئيسة لفريق العمل المعاون لوزيرة الخارجية هيلاري كلينتون، والواضح أنها تتفهم طبيعة عمل بتس وديناميكيات العمل داخل البيت الأبيض. عندما انتقلت جاكسون من نيو جيرسي لتولي منصبها بوكالة الحماية البيئية الأميركية، اتصلت هاتفيا بهيرمان، التي تملك حاليا شركة تقدم المشورة للشركات بشأن التنوع داخل أماكن العمل. وقالت جاكسون: «لقد مرت ببعض ما أمر به. وهي تدرك ما تعنيه ضرورة التعرف على كنه هذه المدينة. لا شك أنه من الرائع الوجود في مكان به المزيد منا». وأوضحت جاكسون أن النصيحة التي قدمتها إليها هيرمان ذات طبيعة خاصة، لكنها أشارت إلى أنه بصورة عامة قامت صديقاتها في واشنطن بكل شيء من أجلها، بداية من تقديم المشورة بالنسبة إلى الكنيسة التي عليها ارتيادها، وحتى النصائح المتعلقة بصيحات الملابس وخدمات مجالسة الأطفال. كما تشاركن في الخبرات المتعلقة بكيفية البقاء داخل الحقل السياسي. وقد نقلت أوليري لصديقاتها قصة بشأن أيامها الأولى داخل وزارة الطاقة. وقالت إنه خلال الشهر الأول، رأت ملصقا يحمل وجهها ووجه جميع الوزراء السابقين لها بالوزارة ذاتها. ولاحظت أنه، وجها بعد آخر، كان الجميع رجالا بيضا، حتى وصلت إلى صورتها. وحمل الملصق عبارة تقول: «هذه ليست وزارة الطاقة الخاصة بوالدك».

* خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»