الهوايات السرية للزعماء اللبنانيين

تتراوح بين ركوب الدراجات النارية وصيد الضباع

حسن نصر الله خلال استراحة تأمل في الحديقة، صورة نادرة نشرها موقع «فليكر»
TT

أمران أساسيان يؤثران بشكل كبير على مسار الحياة اليومية للزعماء اللبنانيين، ويحدان من تحركاتهم: الوضع الأمني الذي يحاصر غالبية كبيرة منهم، والصورة الاجتماعية الرصينة التي يحاول كل منهم أن يظهر بها أمام جمهوره. والأمر الثاني قد يكون أصعب وأشد وطأة، إذ هو ليس مرهونا بظروف عابرة، وإنما مقيم وثقيل. وإن كان السياسيون في لبنان يحرصون، باستمرار، على شيء من طرافة اللسان والتلقائية، للحفاظ على «كاريزما» تضمن استمرار الشعبية، إلا أنهم يتكتمون، في الغالب، بشكل يكاد يكون تاما، على ما تهواه نفوسهم وهو كثير، وما يعيشونه في حدائقهم الخلفية، وهذا مثير للفضول. وإن كان بعضهم ليست له هوايات لافتة حالت دونها، أو حدت منها موجات الاغتيالات التي تتالت على البلاد، فإن البعض الآخر، دفع غاليا ثمن حريته، وحرم من ممارسة هوايات قد لا تخطر على بال المحازبين والأنصار، وثمة بينهم من صار يمارس هواياته في الخارج، فيما تدبر آخرون أمرهم لضمان مساحة مأمونة يستطيعون في حدودها التنفيس عن احتقانات السياسة. وعلى الرغم من أن الوجه الحميم للسياسيين اللبنانيين قد يضيء كثيرا على شخصياتهم وأمزجتهم، إلا أن غالبيتهم يتحفظون عليها، ويفضلون أن تبقى طي الكتمان. وهنا عينة عما لا نعرفه عن زعماء لبنان حين يخلعون البزات الرسمية ويخلون إلى ذواتهم.

* سعد الحريري يهوى الدراجات النارية والغطس

* على الرغم من أن شخصية سعد الحريري الهادئة لا تنم عن صخب كبير إلا أن الرجل له هوايات شديدة الحيوية، وتحتاج تمرسا كبيرا وبحبوحة أمنية. فهو غطاس ماهر، وهو ما لا يعرفه اللبنانيون، لأن الشاطئ اللبناني على اتساعه ليس المكان الذي يمارس فيه هوايته المفضلة، وإنما حين يكون في سفرات خارجية. وللحريري شغف كبير بركوب الدراجات النارية، وهذه هواية يمارسها غالبا حين يسافر إلى جدة. فهناك يحتفظ بمجموعته الخاصة والثمينة من الدراجات التي اقتناها تباعا. وفي إحدى الزيارات التي قام بها سعد الحريري، للقاء جورج بوش، أثناء فترته الرئاسية، أهداه هذا الأخير، وهو المطلع على ولعه بالدراجات النارية، جاكيتا جلديا والخوذة الواقية مع النظارات الخاصة، ربما كرمز يتمنى له من خلاله السلامة. والعشق الثالث لسعد الحريري هو السينما، ولعلها الهواية الوحيدة التي لا تحتاج تدابير خاصة، لذلك فهو حريص أن يكون له في كل منزل يسكنه صالة للسينما، يركن إليها ليشاهد أحب أفلامه، التي غالبا ما تكون أجنبية.

* عمر كرامي صياد متمرس

* في البحر والبر

* ربما قلة من الناس تتصور أن رئيس الوزراء اللبناني الأسبق عمر كرامي، 75 عاما، له هوايات متعددة تحفظ له الشباب واللياقة وصفاء الذهن. فدولة الرئيس لا يبدأ نهاره إلا بعد مزاولة الرياضة. وللتغلب على مشكلة الخروج اليومي بين الناس، يكتفي كرامي بمزاولة الرياضة على آلات اشتراها خصيصا لهذا الغرض، ومن خلالها يستطيع المشي وركوب الدراجة آليا لمدة ساعة على الأقل، إضافة إلى أنه يلعب التنس، وكان يرتاد أحد المنتجعات المعروفة في طرابلس، لممارسة لعبته المفضلة حتى سنوات قليلة خلت. وللطبيعة شأن مهم عند الرئيس كرامي، وهو عاشق للبحر والجبل. وهوايته المفضلة هي صيد السمك، ويمتلك قاربا خاصا مرخصا من النقل البحري، يستخدمه لهذا الغرض. وإن كان دولة الرئيس إلى وقت ليس ببعيد، بقي يذهب إلى الصيد مع مجموعة من الأصدقاء، فهؤلاء يقولون إنه بات اليوم يفضل الصيد وحيدا، حيث يقصد عرض البحر مع سائق مركبه الخاص. ويتحدث مقربون منه عن صبر مديد، وشغف شديد يتمتع بهما كرامي. فقد تمتد رحلات الصيد، التي تكاد تكون يومية، في بعض المواسم، إلى تسع ساعات متواصلة، يصطاد خلالها كمية كبيرة من السمك بواسطة صنارة ميكانيكية. يروي أحدهم أن كرامي قد يصطاد ما يصل إلى 25 كيلوغراما من السمك في المرة الواحدة. وهو لا يتردد في الخروج ليلا إلى الصيد، حين يشعر أن الجو مناسبا، فيركب متن مركبه قاصدا عرض البحر في رحلة قد تستمر حتى بزوغ الفجر، وإن داهمه النعاس فمركبه مزود بغرفة للنوم، يستطيع أن يرتاح فيها، ليستعيد نشاطه ويتابع صيده متى استفاق. ويتحدث أصدقاء الرئيس كرامي، عن مهارته في الصيد البحري، وفي اختيار المناطق البحرية الأفضل، والأوقات الأنسب. ويوصف بأنه «خبير كبير» في هذا المجال.

أما الهواية الثانية التي يمارسها مع دخول فصل الخريف، فهي الصيد البري، حيث يقصد المناطق الجبلية المرتفعة، مثل جرد الإجاص، والقرنة السوداء، وهي القمة الأعلى في لبنان، ليمارس هوايته هناك، وغالبا ما يقود سيارته بنفسه في هذه المناطق الجبلية الصعبة، وبما أنه صياد متمرس، فهو يعرف كيف ينال من طريدته، ونادرا ما يعود خالي الوفاض. ولحظة تشتد المطاردة، فإن دولة الرئيس يوكل قيادة السيارة إلى أحد مرافقيه، ليتفرغ هو لقنص الطرائد.

* نبيه بري يلعب «البلياردو» ويقرض الشعر

* رئيس مجلس النواب نبيه بري، يلعب البلياردو، وليس هذا فحسب، بل هو يتابع مسابقات البلياردو العالمية على القنوات التلفزيونية المتخصصة. ويحب المشي كثيرا، لكنه حرم من أن يمشي حيث يشاء، وباتت حركته محصورة في منزله في عين التينة، وغالبا ما يمشي في إحدى القاعات التي تسمح مساحتها بذلك، تفاديا لأي تهديد أمني. والرجل عاشق كبير للطبيعة، وقضى طفولته بين الشجر وفي البرية. ويعنى كثيرا بالأشجار المثمرة، يدللها ويتابع نموها في عين التينة، ويتدخل حين يعتبر أن البستاني لم يقم بواجبه على خير وجه. وعنده أشجار أثيرة، يطعم منها ضيوفه الحميمين. وقد حمل له أحدهم شتلتين من البن زرعهما في حديقته، وهو سعيد لنجاح التجربة، ولأنه صار بمقدوره أن يحصد بنا.

أما الهواية الأشهر لنبيه بري فهي قرضه للشعر. وهو شاعر غنيت بعض أشعاره. وقد كتب قصائد لشهداء عدة، منهم بلال فحص، الذي نعاه بقصيدة «يا عريس الجنوب»، وغناها له مارسيل خليفة. حفظ نبيه بري في المرحلة الثانوية ما يقارب 3000 بيت من الشعر، وفي الجامعة اشتهر بـ«الاستانسل» لدقته في الحفظ. وكان يتبارى في قرض الشعر مع أصدقائه الشباب. وكتب بري مجموعة قصصية صغيرة، التهمتها النيران أثناء الحرب الأهلية.

* حسن نصر الله لعب كرة القدم وضليع بالفلسفة

* إضافة إلى انه يحب البقلاوة، ويعشق مجالسة الناس والأحاديث الشبابية، وكان يرى جالسا مع مجموعات من الناس، بينهم عماد مغنية، على الرصيف أمام «شورى القرار»، فإن السيد حسن نصر الله يقرأ في كل شيء، وغلبت عليه منذ شبابه النزعة الفلسفية الدينية. وعرف عنه أنه من أوائل من درسوا الكتب الصعبة لمحمد باقر الصدر، مثل «اقتصادنا» و«الأسس المنطقية للاستقراء». وكان أحد المشاركين في تأسيس مكتبة عامة في بلدته «البازورية». وللأمين العام لحزب الله عشق كبير بتبادل الأحاديث والآراء ومخالطة الناس. ويروي عارفون به أنه يضيق بالأماكن المغلقة ويحب الفسحة، وهي من بين الأشياء الكثيرة التي حرم منها بسبب التهديدات الإسرائيلية، التي تجعل منه الشخصية الأكثر سرية في لبنان وتواريا عن الأنظار، وبات من الصعب، بل من المستحيل أن يمارس أي هواية تحتاج مكانا مفتوحا. وقد لعب السيد حسن نصر الله حينما كان شابا كرة القدم ضمن فريق الحي، بحسب أحد عارفيه. أما اليوم فهو متابع جيد للتلفزيون، ومتابع نهم للصحف، ويتعامل مع الإعلام بكثير من التقدير. ويأخذ بعين الاعتبار ما يقرأ.

ويقول، من باب الطرفة، أحد العارفين بالسيد حسن نصر الله: إذا كنت تريد معرفة ما يحب، فهو يحب الفواكه بشكل كبير. وكان الرئيس رفيق الحريري، قبل اللقاءات السرية التي كانت تجمع بينهما، يتصل به ويسأله: «هل يوجد «مانجا» في السوق. وهي العبارة السرية التي كان يستخدمها ليخبره أنه يريد زيارته، دون أن يفهم المتنصتين قصده. وبالفعل كان حسن نصر الله يحضر له «المانجا» ويقشرها له بيديه، ويأكلان معا».

* سليمان فرنجية يقود الطائرات ويصطاد الضباع

* الوزير السابق، ورئيس تيار المردة سليمان فرنجية، أحد أشجع السياسيين اللبنانيين وأكثرهم إقداما في الكشف عن هواياته، ولم يتردد في أن يظهر في برنامج تلفزيوني ويتحدث فيه بمنتهى الصراحة والجرأة عما يمارسه من هوايات كثيرة ومثيرة للاستغراب أحيانا، ويترك للكاميرا حرية التجوال في منزله، كما ترك لنفسه حرية الاعتراف أمامها. وهو أمر لاقى استحسانا كبيرا من اللبنانيين، الذين اكتشفوا وجها آخر شديد التنوع لفرنجية. فالرجل صياد من الدرجة الأولى. وقد اصطاد عصفورا للمرة الأولى عندما كان عمره خمس سنوات. هذه الهواية كبرت معه وتطورت، وصار يصطاد ضمن محميته الخاصة الحيوانات البرية والضباع والذئاب والطيور على أنواعها، ويسافر ليمارس هوايته هذه خارج لبنان، وقد أوصله حب الصيد إلى تركيا وهنغاريا وتشيكيا ورومانيا. ولفرنجية مزرعة يهتم فيها بتربية الطيور والدجاج. ويتشارك مع سعد الحريري في حبه للغطس على الرغم من أنه يفترق عنه في السياسة، كما أنه يتشارك مع خصمه وليد جنبلاط، في حب التصوير الفوتوغرافي. وسليمان فرنجية، مصور يملك عدة احترافية لممارسة هوايته، ويجيد استخدام برنامج «فوتوشوب» بمهارة لعمل كل الإصلاحات اللازمة للصور التي يلتقطها. كما أنه يحب قيادة الطائرات. وعنده طائرته الخاصة، وهذا يفسح له المجال للتنزه فوق لبنان من شماله إلى جنوبه، والتقاط الصور. ويبدو أن فرنجية قد صور لبنان من علٍ، قطعة بعد قطعة. وإضافة إلى كل الهوايات السابقة فإن فرنجية بارع في تصميم الديكور الداخلي، وهو الذي صمم ديكور منزله الحالي الجميل في منطقة «بنشعي».

* وليد جنبلاط «أوسكار» كلبه الأثير والكتاب صديقه الحميم

* ثمة جامع مشترك بين وليد جنبلاط، وسعد الحريري، هو الولع بقيادة الدراجات النارية، ومعروف هذا العشق لوليد جنبلاط من أهل منطقته، أيام كان الأمن مستتبا، وكان يرى وهو يتجول بدراجته الخاصة، وحتى عندما كانت ابنته صغيرة، كان يأخذها برفقته وينزهها معه. ولا تزال هذه هواية متأصلة عند وليد جنبلاط، إلا أن الوضع الأمني استدعى استبدالها بسيارة «رانج» تقيه شر المتربصين. يحب الكلاب بشكل خاص، وكلبه «أوسكار» له في قلبه مكانة خاصة، كما أنه يربي القطط، وعنده منها في الوقت الحالي ثلاثة.

أما الشغف الأكبر عند وليد جنبلاط، فهو القراءة، وبهذا يشهد كل من يعرفه، ولعله أكثر السياسيين اللبنانيين نهما للكتب على الإطلاق، وربما أنه الوحيد الذي يتنافس في ذلك مع السيد حسن نصر الله، الذي يعتبر أن جنبلاط بارع في القدرة على التعبير عن أفكاره بجمل قصيرة، قوية ومعبرة أثناء خطبه النارية. وجنبلاط يقرأ بالعربية والإنجليزية والفرنسية، ويميل أكثر إلى القراءة بالأجنبية، كما أنه متابع ممتاز للصحافة الغربية. ويقول عارفوه إنه على الرغم من تعامله المتطور جدا مع الانترنت فإنه يهوى الصحافة الورقية، ويعنى بقص المقالات التي تهمه، ويؤرشفها في ملفات بيضاء، يقوم بترتيبها بنفسه، ولا يوكل هذه المهمة لأي أحد آخر.

وثمة هواية أخرى لوليد جنبلاط، وهي التصوير الفوتوغرافي، وقد كان أثناء اجتماعات الدوحة، على الرغم من الانشغال الكبير والقلق الشديد من الأوضاع المتوترة في لبنان، لا يضيع الفرصة ويلتقط الصور، حفظا للحظة التاريخية، وقبضا على تلك المناسبة من أن تمر دون أن يؤرشفها بكاميرته الخاصة.

وللسياسيين اللبنانيين هوايات كثيرة، بعضهم لا يجدون أي حرج في الكلام عنها. فوزير الدفاع الحالي الياس المر، يهوى الأيقونات، وعنده مجموعة كبيرة منها. النائب مصباح الأحدب، يحب الرياضة والغناء الأوبرالي وتعلم اللغات، وسبق له أن بدأ يتعلم الصينية. الوزير السابق الذي كاد يصبح رئيسا للجمهورية ميشال إده، خبير محنك بالقضايا والفكر الإسرائيليين، وله ولع معروف بالطبخ. أما رئيس الجمهورية السابق إميل لحود، فمعروف لدى اللبنانيين بغرامه بالسباحة، وهي الرياضة التي لم يتخل عنها حتى في أصعب الظروف وأحلكها. أما سمير جعجع، فيقول إنه يحب الموسيقى والقراءة، وقد أنقذته الكتب من وحدته، وأعانته على استعادة توازنه، حين كان في السجن لسنوات. ووراء الوجوه الجادة للزعامات اللبنانية، كثير من الشغف الذي يستحق الكشف عنه قبيل الانتخابات النيابية، التي يشتد وطيسها، ليظهروا بصورة أجلى وأوضح أمام ناخبيهم المتلهفين لمعرفة المزيد عنهم.